مذكرات أسامة بن لادن.. رحلة في عقل جهادي

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – آية سيد

تُعد مذكرات أسامة بن لادن، التي تمتد إلى 255 صفحة وهي التي عُثر عليها أثناء الغارة الأمريكية على مجمعه السكني في باكستان، رحلة قيمة إلى عقل شخصية مؤثرة في عالم الجهادية.

توثق الصفحات المكتوبة بخط اليد ردود أفعال بن لادن، تجاه الأحداث في العالم العربي على مدار شهرين، بداية من 5 مارس 2011، حيث كُتبت آخر صفحة في فجر ومساء يوم 1 مايو، على ما يبدو قبل ساعات قليلة من الغارة التي أدت إلى مقتله في أبوت آباد في الساعة الواحدة صباحًا من اليوم التالي.

وفي تعليقاته على مدار الشهرين، يقدم بن لادن آراءه حول الثورات التي اكتسحت المنطقة في 2011 وكيف يجب أن يتعامل الجهاديون معها. في بعض الحالات، ينسب الفضل لخطبه وتنظيمه في وضع الأساس للـ"ثورات" والطريقة التي تفاعلت بها الولايات المتحدة تجاهها.

وتقدم الصفحات تعمقًا مهمًا في عقل قائد جهادي عرفه العالم فقط من خلال تصريحاته المتفرقة، وحواراته النادرة مع صحفيين وشهادات من تعاملوا معه. الأمر المهم على نحو خاص هو حقيقة أن تعليقاته تنطوي على التطورات الأكثر أهمية التي اجتاحت المنطقة التي اهتم بها كثيرًا.

في الصفحات المكتوبة بخط اليد, والتي من الصعب للغاية قراءتها، يلاحظ القارئ شخص يعبر عن رأيه، تظهر عقلية تأملية في عبارات متكررة مثل "فكرة طرأت على ذهني" بينما يستمع إلى بيان مرة أخرى أو يفكر في مسودة لخطاباته أو خطبته التالية.

جميع الصفحات يُظهر فيها بوضوح مشاعر وسمات شخصية مختلفة من الحماس إلى غياب الحُنكة، والتكبر، والانتهازية والتهكم. إنه يروي الأحلام التي راودته في الهدوء الذي تمتع به في المجمع السكني أثناء أيامه الأخيرة. في إحدى الحالات, يقرر إصدار بيان للمسلمين بناءً على حلم رآه وفسره بنفسه.

في حين أن معظم الصفحات تتناول الأحداث التي تابعها عبر القنوات الفضائية العربية، تتضمن المذكرات إشارات مباشرة متفرقة لعقيدة بن لادن الأساسية ونظرته للعالم، في هذا السياق، تستحق علاقته بالإسلاموية إنتباهًا خاصًا – على الأقل، نظرًا لميل الأكاديميين للتغاضي عن هذه الجذور وكيف أنها تمتد في الإرث الذي تركه.

في الصفحات الأولى, يقول بن لادن إنه نشأ في أسرة عادية، والتي لم تفكر في الإسلام أبعد من العبادات الدينية المطلوبة من كل مسلم إتباعها، مثل الصلاة والصوم والسلوك الحسن، قال إنه أصبح "ملتزمًا" لأول مرة – وهي كلمة قد تعني أي شيء من تدين أكثر تماسكًا إلى درجات متفاوتة من أنماط الحياة المتشددة والمنهجية – من خلال انتسابه لجماعة الإخوان المسلمين.

إنه يؤكد أن التأثير الديني للإخوان عليه "لم يكن كبيرًا." الجملة الأخيرة هي في أكثر الأحيان السبب الذي يجعل الأكاديميين، الذين يدرسون هذه القضايا من الناحية النظرية وليس من خلال التفاعل والمراقبة عن كثب، يقللون من شأن هذا الجانب من التأثير على الجهاديين، لكن هذا الرأي يخطئ الهدف, حيث أن مساهمة الإسلام السياسي في الجهادية لا تتعلق بالتأثيرات الدينية، بدلًا من هذا، يتعلق الأمر أكثر بالأيدولوجية السياسية والثورية التي تحتاج لمعرفة أكبر بالثوريين – في هذه الحالة الجهاديين – والسياق والبيئة التي يعملون بها. عندما يناقش بن لادن المسألة, يذكر كلمة علمي, التي تعني ديني. يشير العلماء في اللغة العربية, على سبيل المثال, للسلفية التقليدية بـ السلفية العلمية مقابل السلفية النشطة (السلفية الحركية), التي تشمل الجانب الثوري. وهكذا, قال بن لادن إنه نشأ داخل الإخوان المسلمين لكنه لم يحصل على الكثير من التدريب الديني التقليدي من التنظيم.

لقد سمى أيضًا نجم الدين أربكان, رئيس وزراء تركيا الأسبق ورائد الإسلاموية التركية الحديثة, مصدرًا للإلهام عندما بدأ رحلته في التطرف، وفي الصفحات الأخيرة، يذكر عدد من رجال الدين المؤثرين في سياق الترويج لأيدولوجية تنظيم القاعدة. جاء هؤلاء الرجال من حركة الصحوة التي حدثت في السعودية وغيرها من البلاد في السبعينيات, والتي دمجت الأفكار الثورية للإسلام السياسي بالمفاهيم السلفية التقليدية.

من خلال تتبع أفكار بن لادن عبر الصفحات المكتوبة بخط اليد، يمكن أن ينسى المرء في بعض الأحيان أن الشخص المتحدث هو قائد جهادي. قد يُعتقد بالخطأ إنه أحد الإسلاميين. على مدار الصفحات، يهلل للصحوة الإسلامية في المنطقة. إنه يشير إلى أن بروز دورهم يُعتبر دفاعًا عن فكرة أن الإسلاميين هم البديل الافتراضي للمجتمعات في الشرق الأوسط. إنه يذكر حتى خُطبة ألقاها في 2004 قال فيها إن المسلمين يستطيعون اختيار أو عزل قائدهم، على عكس الرأي السائد عند السلفية, وهو ما فعلته معظم الثورات العربية.

إن تعليقاته بشكل عام تقدم رحلة عبر عملية تفكيره والتي لا يمكن الحصول عليها من أي مكان آخر، باستثناء من رافقوه. تلمح المذكرات أيضًا إلى أن دراسة عناوين الكتب والخُطب الجهادية لا تستطيع أن تنقل أيدولوجية ونظرة عالمية متأثرة بشدة بالإسلام السياسي. بالطبع, جهادية بن لادن والإسلامويين السياسيين التابعين له تختلف في قضايا رئيسية, مثل المشاركة الفعلية في الجهاد كطريقة حياة وتكفير الحكام المسلمين. في حين أن هذين الاختلافين يمكن قبولهما لدى بعض الإسلامويين غير الجهاديين في سياقات معينة, مع القاعدة, ومع داعش, تخبرنا هذه الاختلافات عن أيدولوجية أكثر منهجية وإتساعًا والتي تمنع الإنخراط السلمي في نظام سياسي غير إسلامي.

بالرغم من هذه الاختلافات الكبيرة, تظل هناك أمور رئيسية مشتركة، إنها تشمل الإلهام الأول والنظرة العالمية, كما شكلتها النشأة المبكرة لبن لادن وعدد من قادة الجهاد الحديث. ثم هناك الأيدولوجية السياسية التي تبرر ما لا تبرره السلفية التقليدية, ومن ضمنه التفجير الانتحاري والاستخدام الممنهج للعنف السياسي. إن تبرير هذه الأفعال يُقدم غالبًا من خلال التعليل السهل الذي يتضمن الضرورات العسكرية وديناميكيات القوة, التي يرفضها التقليديون بناءً على نصوص دينية.

ينبغي أن تساعد مذكرات بن لادن على إعادة التفكير في الافتراضات الراسخة لدى الأكاديميين والمراقبين حول الجهادية. يميل فهمنا للجهادية اليوم للتشكل بواسطة العمل الذي كُتب منذ عقد, عندما كان الباحثون لا يعرفون إلا القليل عن ظاهرة الجهادية الغامضة. إن السنوات التي أعقبت الثورات العربية والصعود اللاحق للجهادية في منطقتنا جلب المزيد والمزيد من البيانات والرؤى الجديدة. بعضها متوفر بخط سيئ, والبعض الآخر في أحداث منفصلة وغير ملحوظة أو في شهادات منطوقة. يجب أن يشمر الباحثون عن سواعدهم لكي يفهموا لماذا تجد النظرة العالمية للجهاديين مجندين جدد, برغم مرور أكثر من 16 عامًا على الحرب على الإرهاب.

المصدر – ذا ناشيونال

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا