مركز الدراسات الاستراتيجية | إصلاح الأخطاء.. استراتيجية مُقترحة لسياسة الولايات المتحدة بأفريقيا

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

جود ديفرمنت- مدير برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية

بشّرت ثلاث استراتيجيات للبيت الأبيض بعودة المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وخصومها, الصين وروسيا, في أفريقيا جنوب الصحراء. في استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع القومي واستراتيجية الرئيس ترامب لأفريقيا, ألزمت الحكومة الأمريكية نفسها بمواجهة التهديدات التي يفرضها الخصوم العالميون.

في ديسمبر 2018, زعم مستشار الأمن القومي جون بولتون أن أنشطة بكين وموسكو "تُضعف النمو الاقتصادي في أفريقيا؛ وتهدد الاستقلال المالي للدول الأفريقية؛ وتثبط فرص الاستثمار الأمريكي؛ وتتعارض مع العمليات العسكرية الأمريكية؛ وتشكل تهديدًا كبيرًا على مصالح الأمن القومي الأمريكي".

هذه لحظة "عودة إلى المستقبل" بالنسبة إلى السياسة الأمريكية في أفريقيا. نحن نشهد استخدام القادة الأفارقة لخطة لعب قديمة, حيث يضعون الولايات المتحدة والصين وروسيا في مواجهة بعضهم البعض لزيادة الوصول إلى موارد جديدة, واستحداث نفوذ جديد وتقليل الاعتماد على راعٍ أجنبي واحد. إن النخب السياسية الأفريقية ضليعة جدًا في إخبار المسئولين الأمريكيين ما يريدون سماعه؛ على سبيل المثال, أخبر تسعة قادة أفارقة الرئيس ترامب "نحن نفضل القيام بالأعمال مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى" على الصين، أو سيعلّق القادة الأفارقة إمكانية التعاون الأكبر مع خصوم الولايات المتحدة من أجل الحصول على دعم إضافي من الولايات المتحدة. على سبيل المثال, أمر الرئيس النيجيري السابق عمر يارادوا وزير بترول دولته بدراسة الصفقات مع شركات النفط الصينية والروسية كـ"طُعم للحصول على امتيازات" من الشركات الغربية, بحسب مذكرة لأحد مساعديه.  

إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تعامل أفريقيا كساحة لمنافسة القوى الكبرى, تحتاج لتجنب أخطاء الماضي، ينبغي أن تلعب اللعبة بذكاء وتتوقع الأفخاخ.. إليكم تسعة مبادئ ينبغي أن يسترشد بها النهج والاستثمارات والشراكات الأمريكية في هذه المرحلة الجديدة من المنافسة العالمية في أفريقيا.

احكموا على الحكومات الأفريقية بما تفعله وليس ما تقوله
إنه لمسعى عقيم أن نحلل كل تصريح لقائد أفريقي لكي نعرف ولاءهم. هذا مقياس سييء لطريقة تفكيرهم حول الولايات المتحدة, أو الصين أو روسيا أو غيرهم من الجهات الفاعلة الأجنبية. إن القادة والمعارضة والشعوب الأفريقية تصيغ الرسائل لانتزاع رد منشود من الجمهور المستهدف. سيتعهد الحكام بأنهم لن ينحازوا إلى أعداء الولايات المتحدة الجيواستراتيجيين أو سيزعمون أنهم يعملون مع الصين أو روسيا على مضض. في عام 1961, قال الزعيم الغاني كوامي نكروما: "أنا لست شيوعيًا, لكنهم الوحيدون الذين سيساعدوننا … لقد طلبت  من الأمريكيين  أن يساعدوني في قضيتي لأنني في المقابل سأساعدهم في أفريقيا, لكنهم رفضوا". تواصل النخب السياسية الأفريقية استخدام نفس التكتيك؛ تذمر مؤخرًا زعيم المعارضة النيجيري أتيكو أبو بكر, الذي خسر محاولة الترشح للرئاسة في 2019, من أن القروض الصينية أدت إلى الاختلاس؛ بينما اعترف بأن الحكومات الأفريقية كان عليها التطلع إلى بكين لأن واشنطن ليست مشاركة.

الأمر يتعلق بالسياسة الداخلية وليس بالولايات المتحدة
يوجد خطر سوء تفسير تصرفات القادة السياسيين الأفارقة عندما تتعلق بالصين أو روسيا. يريد صُناع السياسة الأمريكيون تفسير الإجراءات العقابية أو اللغة القاسية ضد الصين كمؤشر على إعادة المواءمة الجيواستراتيجية الناشئة، الحقيقة هي أن الأمر يتعلق في أكثر الأحيان بالسياسة الداخلية.

في 1962, جادل مدير المخابرات البريطانية بأن السياسي الكيني أوجينجا أودينج لم يكن "متحولًا أيديولوجيًا … لم تعنِ الشئون الدولية الكثير ما عدا في السياق الضيق لكيف يمكن تحويلها إلى محلية – وبالتبعية, ميزة شخصية". نفس هذه الديناميكية تعمل اليوم، ألغى رئيس سيراليون الجديد, جوليوس مادا بيو, ألغى مؤخرًا عقدًا صينيًا لمطار بقيمة 400 مليون دولار، بيد أن "مادا بيو" لم يكن بالضرورة ضجر من بكين. لقد وضع جانبًا مشروع تفاوض عليه سلفه، ثم وقّع لاحقًا على اتفاق مع الصين لمشروع إنشاء جسر تُقدر قيمته بـ1,3 مليار دولار – أكثر من تكلفة المطار بأربع مرات.

الخلاف مع الصين لا يعني قطع العلاقات
هناك ميل لخلط الخلافات الصغيرة في العلاقة الثنائية بالتحولات الاستراتيجية تجاه أحد الأطراف، تغضب الحكومات الأفريقية من الحلفاء الذين يتطفلون بقدر ما ترفض تدخل الخصوم. في 1961, طرد الرئيس الغيني سيكو توري السفير السوفيتي, دانيال سولود, بسبب التجسس؛ لكنه لم يقطع العلاقات مع موسكو.

هذه الخلافات الثنائية تستمر في الظهور, لكنها نادرًا ما تعرقل العلاقة. أدارت كينيا علاقتها مع الصين, على الرغم من وجود عدة مشاحنات مع مهربين ومخترقين ورجال أعمال عنصريين صينيين, بالإضافة إلى خلاف مع بكين حول واردات سمك البلطي.

أنت لا يمكنك شراء ولاء دولة
كثيرًا ما تعتبر الولايات المتحدة شراكاتها مستمرة جزئيًا بسبب المصالح المشتركة أو الاستثمارات. مع هذا, يمتلئ التاريخ بأمثلة حيث انتقل القادة الأفارقة من جهة إلى جهة أخرى – من الاتحاد السوفيتي إلى الولايات المتحدة, ومن الولايات المتحدة إلى الاتحاد السوفيتي, ومن كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية, ومن تايوان إلى الصين. من المفيد وجود مجموعة متنوعة من الشركاء بدلًا من الاعتماد على راعٍ واحد.

في 1977, تخلى رئيس الصومال سياد بري عن الاتحاد السوفيتي لصالح الولايات المتحدة لأن موسكو كانت تدعم الحكومة الجديدة في إثيوبيا. تواصل الحكومات الأفريقية التبديل بين الخصوم الأجانب، وفي غضون ثلاثة أسابيع من قطع العلاقات بين الإمارات والسعودية وقطر في 2017, قطعت 8 دول في أفريقيا جنوب الصحراء العلاقات أو خفضتها مع قطر. وفي 2018, أصبحت بوركينا فاسو الدولة الـ48 في المنطقة التي تتخلى عن تايوان، كما جددت التشاد مؤخرًا علاقاتها مع إسرائيل بعد أكثر من 4 عقود, ويبدو أن السودان ومالي تتخذان خطوات مماثلة تجاه الدولة اليهودية.

حلفاؤك الأفارقة ربما يكلّفونك أكثر من خصومك
في حين أن القادة الأفارقة يرفضون علنًا منافسة القوى الكبرى, تدرك النخب الأفريقية أن الخصومة الجيوسياسية رفعت الأهمية الاستراتيجية لبلادهم, ويتوقعون أن يستفيدوا – كحكومة أو على المستوى الشخصي – من ارتفاع الاهتمام. في 1975, أخبر رئيس زائير, موبوتو سيسي سيكو, السفير الأمريكي أنه اشترى دبابات من الصين لأنه لم يكن أمامه خيار سوى الاتجاه لمكان آخر. بعدها بعام, أوصى وزير الخارجية هنري كيسنجر بأن تبيع الولايات المتحدة دبابات إلى زائير لأنه "إذا ذهبت زائير, ستستنتج كل الدول الأفريقية أن الاتحاد السوفيتي (الذي لا يحبونه كثيرًا) هو موجة المستقبل". توجد عدة أمثلة واضحة في العصر الحديث. الرئيس الجيبوتي إسماعيل جليه, الذي تستضيف دولته عدة منشآت عسكرية أجنبية, من ضمنها القاعدة الوحيدة للصين بالخارج, تفاوض على صفقة صعبة مع الولايات المتحدة لاستمرار استئجارها لقاعدتها هناك في 2014. لقد حصل على التزام أمريكي بدفع 63 مليون دولار في السنة – حوالي ضعف الـ38 مليون دولار التي كانت تدفعهم الولايات المتحدة في السابق.

الولايات المتحدة والصين ليسا الخيار الوحيد
عندما تستخدم الولايات المتحدة إطار عمل مثل منافسة القوى الكبرى, يتجه مجال رؤيتها لأن يصبح ضيقًا. هذا النموذج لا يدفع أفريقيا إلى الخلفية فحسب؛ بل له آثار مماثلة على كيف يرى صُنّاع السياسة الأمريكيون الجهات الفاعلة الأجنبية الأخرى. هذه الحكومات الأخرى تصبح هامشية في التخطيط والتحليل الأمريكي, وهي تُعمي واشنطن عن الفرص والتحديات. في أواخر السبعينيات, عمل السعوديون والفرنسيون والمغاربة والإيرانيون والمصريون معًا – فيما يُعرف بنادي السفاري – لهزيمة المتمردين الزائيريين المدعومين من أنجولا وكوبا. وأوضح السفير السعودي في الولايات المتحدة أن "أصدقاءنا الأمريكيين في مشكلة, لقد تقلصت قدرتهم الاستخباراتية وجمعهم للمعلومات … لذلك, بصفتنا أصدقاء للولايات المتحدة, ينبغي أن نجتمع ونحاول فعل شيء لمواجهة التهديد الشيوعي على أعتابنا".

لقد أصبح لوح الشطرنج الخاص بالجهات الفاعلة الأجنبية أكبر مما كان عليه أثناء الحرب الباردة. نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مؤخرًا موجزًا, "العالم يأتي إلى أفريقيا جنوب الصحراء. أين الولايات المتحدة؟" لتوضيح كيف أن المجتمع الدولي ينمّي علاقاته الدبلوماسية والأمنية والعسكرية مع دول أفريقيا جنوب الصحراء. هذه الدول, التي تشمل مستجدين وشركاء تقليديين, تشكّل علاقات أوثق مع المنطقة لأنها ترى انفتاحًا جديدًا للتجارة والاستثمار, بالإضافة إلى تهديدات متصاعدة من الإرهاب والإجرام والأوبئة والهجرة غير النظامية. هذه الموجة من الأنشطة تقدّم فرصًا جديدة لمسئوليات مشاركة الأعباء وبناء إجماع شامل لمواجهة السلوك الصيني والروسي السلبي.
 
الأمر يتعلق بما تفعله الولايات المتحدة وليس ما تفعله الصين
لقد انزلقت الولايات المتحدة إلى عادة انتقاد الصين على ما تفعله واتهام الدول الأفريقية بالانقياد وراء الصين. هذه ليست استراتيجية رابحة. إن التأنيب الأمريكي للقادة الأفارقة الذين يقبلون التمويل الصيني كثيرًا ما يُنظر له على أنه مثل توبيخ الأب لأطفاله. مادا بيو, عل سبيل المثال, رد على النقاد في سبتمبر 2018, قائلًا: "نحن لسنا حمقى في أفريقيا". في أواخر الستينيات, فَهمَ الدبلوماسيون الأمريكيون أوجه قصور هذا النهج، فقد أوصوا مجلس الأمن القومي للرئيس جونسون بأن "الولايات المتحدة ينبغي أن تكون أكثر براعةً وحذرًا" في توضيح مخاطر الشيوعية للحكومات الأفريقية؛ حيث إن الأخيرة حريصة على إبقاء الحرب الباردة خارج أفريقيا بأي ثمن. اشتكى الدبلوماسيون أيضًا من التعليمات التي تستلزم منهم أن يضايقوا رؤساء الدول ووزراء الخارجية الأفارقة بسبب كل مسألة شيوعية صغيرة.  

إذا كانت الحكومة الأمريكية تهدف إلى تعزيز موقفها في مواجهة بكين, فإنها تحتاج لتسخير قطاعها الخاص, والدفاع عن القيم الأمريكية, وتأسيس المزيد من برامج التبادل التعليمي والثقافي القوية مع الدول الأفريقية. بالإضافة إلى هذا, تحتاج الولايات المتحدة لفعل المزيد من أجل التودد إلى القادة الأفارقة – الذين لم يزر أحدهم البيت الأبيض باستثناء الرئيس النيجيري محمد بخاري والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، وأوضح السفراء في منتصف الستينيات نفس النقطة، فقد جادلوا بأن العلاقات الشخصية بين رؤساء الدول مهمة في أفريقيا: "من أجل تحقيق أهداف السياسة الأمريكية, من المحبّذ أن يعرف القادة الأفارقة اهتمام الرئيس الأمريكي الشخصي بالشئون الأفريقية".

العمل كوسيط صادق
بدلًا من وضع الولايات المتحدة كمنافس, هناك فرص للدخول والعمل كحكم لحماية المصالح الأمريكية وإحباط التطورات السلبية. هذا هو ما فعله مساعد وزير الخارجية السابق للشئون الأفريقية شيستر كروكر في الجنوب الأفريقي, حيث تفاوض على انسحاب كوبا من أنجولا في الثمانينيات. وسمح هذا  للولايات المتحدة بالبقاء بعيدًا عن الخلافات, مع ضمان الحفاظ على حقوق المساهمين الأمريكيين. وفي الحالات التي لا يوجد فيها شركات أمريكية للتنافس على الفرص, يمكن أن تقدّم الولايات المتحدة مساعيها الحميدة للمساعدة في تقييمات البيئة والعمل, ودعم المفاوضات لضمان حصول الحكومات الأفريقية على أفضل الحزم الاقتصادية من الصين أو غيرها من الجهات الفاعلة الأجنبية.

لا تقلق بشأن الأمور الصغيرة
من الضروري أن نميّز بين أيٍّ من أنشطة الصين تهدد أولويات الأمن القومي الأمريكي، وأي من المشاركات الصينية أحادية أو تكميلية للأهداف الأمريكية. إذا اعتبرت الولايات المتحدة أن كل مساعي بكين معاكسة للأهداف الأمريكية, ستفشل في تطوير وتطبيق رد سياسي فعال.  

أنا أوصي بتركيز الجهود الأمريكية لمواجهة النشاط الصيني الذي يُضعف الوصول والعمليات العسكرية الأمريكية, ومنصات المعلومات والاتصالات الأمريكية, والعلاقات الأمريكية مع القادة الأفارقة الحاليين والناشئين. ومن الضروري الاستفادة من المزايا الاستراتيجية الأمريكية, التي تشمل القوة الناعمة التي كانت واشنطن تتميز بها دومًا على بكين. كان هذا مبدأ أساسيًا في السياسة الأفريقية للرئيس كينيدي, حيث استفادت من المشاركة الشخصية للرئيس في منع النظراء الأفارقة من التحالف مع الخصوم. لقد كان أيضًا جزءًا من رؤية نيكسون للعلاقات الأمريكية – الأفريقية. وعقب زيارته للمنطقة في 1957, أخبر الرئيس آيزنهاور أن "فهم أفريقيا للمبادئ التي ندافع عنها كأمة يُعد قيمة هائلة لنا في هذه المنطقة. إن الحفاظ على المكانة المرموقة التي نحظى بها حاليًا في أفريقيا سيتوقف على استمرار  شعوب القارة السمراء في فهم إخلاصنا لمبادئ الاستقلال والمساواة والتقدم الاقتصادي".

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا