مركز ستوكهولم للدراسات | ما هى خطوات أردوغان نحو عرش الخلافة الإسلامية؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

في وقت مبكر من هذا الشهر، ظهرت في تركيا المزيد من الأدلة التي تعزز من الطموحات القديمة التي يتبناها الرئيس التركي الفاسد "رجب طيب أردوغان"، والمتمثلة في تشكيل سلطة شبيهة بالخلافة تقود العالم الإسلامي، أو الأمة كما يُطلق عليها في الخطاب الإسلامي. بعيدًا عن الأضواء، حشد مستشارون مقربون من أردوغان في إسطنبول جمعًا من الإسلاميين القادمين من بلدان مختلفة بهدف تنمية وتشجيع فكرة إقامة اتحاد إسلامي يرأسه الرئيس التركي في وقت مبكر من عام 2023. ولم يكن مفاجئًا أن الشبكة الدولية للإخوان المسلمين وقع عليها الاختيار بوصفها الوسيط الرئيس القادر على تحقيق أحلام الزعيم التركي بخلق وكلاء له حول العالم لكسب النفوذ وتحقيق أهدافه السياسية.

إن تصريحات كاتم أسرار أردوغان "نور الدين نيباتي"- وهو برلماني سابق يعمل الآن نائب وزير المالية والخزانة التي يرأسها "بيرات ألبيراك" صهر أردوغان – لخّصت الدافع الحقيقي خلف تلك المناسبة الهادفة لمطارحة الأفكار، والتي أُطلق عليها رسميًا اسم "مؤتمر الاتحاد الإسلامي" في مدينة إسطنبول العملاقة. وقال "نيباتي" في حديث صيغ بعناية: إنه لسوء الحظ، فإن العالم الإسلامي الآن في حالة فوضى، لكن الأمة التركية قدّمت أردوغان كإمام لقيادة المسلمين، وهو لا يمكن أن يُهزم لأن الله يدعمه، وواصل "نباتي" حديثه بمقارنة أردوغان بالخرزة الكبرى في مسبحة المسلمين. ووفقًا لنباتي، فإن أردوغان هو الزعيم الموعود والمتوقع الذي سيجمع شمل الأمم الإسلامية تمامًا مثلما تتجمع الخرزات الصغرى حول الخرزة الكبرى في المِسْبَحَة.

أكثر ما يثير القلق هو أن دائرة أردوغان الضيقة لديها قناعة حقيقية بهذه المهمة وملتزمة بتحقيقها. بالنسبة إليهم ليس مهمًا مدى سخافتها، وذلك بالنظر إلى أن قيادة أردوغان ليس لها علاقة مع القيم الإسلامية الأساسية. إن الموالين للرئيس التركي يتحدون المنطق والعقل، وفيما يبدو أعماهم التطرف الديني والقومي. حقيقة الأمر فإن هذا النظام غارق في رأسمالية فاسدة ومحسوبية، متمثلة في حالة فساد واسعة النطاق، وهو متورط في انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان أسفرت عن سجن ما يزيد على 60 ألف شخص بريء، من بينهم 10 آلاف امرأة و 743 طفلاً و240 صحفيًا خلال العامين الماضيين فقط.

المنظم الرئيسي لهذه المناسبة التي دقّت طبول الخلافة في كل شيء باستثناء الاسم، هو "مركز الأبحاث الاستراتيجي للمدافعين عن العدالة"، وهو كيان إسلامي يرأسه "عدنان تانريفيردي" كبير المستشارين العسكريين لأردوغان. هذا الرجل البالغ من العمر 74 عامًا هو فريق إسلامي متقاعد نظّم عملية طرد 15،153 ألف ضابط، من بينهم 150 جنرالاً، معظمهم ضباط مؤيدون لحلف الناتو، من الجيش التركي منذ عام 2016. وفي عملية التطهير تلك، تلقى هذا الرجل مساعدة كبيرة من شبكة من القوميين الجدد يرأسها " دوغو بيرينشِك"، وهو عميل موالٍ لإيران كان قد عقد صفقة مع أردوغان لتقاسم السلطة في حكومته، لا سيما في السلطة القضائية وفي الجيش.

هذا الفريق المتقاعد "تانريفيردي" هو شخصية مثيرة للجدل بشدة بسبب دوره في إنشاء قوة شبه عسكرية اسمها "سادات"، مهمتها القيام بأعمال الرئيس القذرة في تركيا وخارجها. وبمساعدة سخيّة من وكالة الاستخبارات التركية سيئة الصيت التابعة لأردوغان، عمل ذلك الرجل على تدريب وتسليح ودعم الجهاديين للقتال في حرب بالوكالة بداية من ليبيا وصولاً إلى سوريا. وقد ى خطابًا للجمهور الحاضر في مؤتمر اسطنبول آنف الذكر، والذي عُقد في فندق "Wow" بالقرب من مطار أتاتورك في الفترة من الأول إلى الثالث من نوفمبر 2018. وقد تلقى هذا المؤتمر تمويلاً من بلدية إسطنبول الكبرى ومجالس أحياء أخرى يسيطر عليها حزب أردوغان الحاكم "العدالة والتنمية". كما قدمت شركة الخطوط الجوية الوطنية التركية فضلاً عن بنك "وقف" الحكومي للإقراض مساهمة مالية لتغطية نفقات الضيوف الذين قدموا من 28 دولة، من بينها روسيا والهند والبوسنة والسعودية ومصر والسودان ونيجيريا وماليزيا وكازخستان.

إن الإعلان الصادر في نهاية هذا المؤتمر الذي دام لثلاثة أيام، يوضح أن الغرض الأساسي للمؤتمر هو إنشاء سلطة إسلامية كبرى تتكون من 60 دولة و 1.6 مليار مسلم، يتحكمون في مساحة قدرها 12.8 بالمائة من إجمالي مساحة العالم. سيتمتع هذا التكتل، بحسب المنظمين، بالسيطرة على 55.5 بالمائة من احتياطيات النفط العالمية و 64.1 بالمائة من موارد الغاز الطبيعي. يؤمن هذا التكتل الجديد أن هناك حربًا عالمية ثالثة مستمرة وغير معلنة ضد الدول الإسلامية، ويتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ورابطة الدول المستقلة بقيادة روسيا بمحاولة فرض سيطرتهم على العالم الإسلامي عبر جماعات إرهابية. زعم "تانريفيردي" نفسه أن إسرائيل جرى تأسيسها كحصن أمامي للمسيحيين في قلب العالم الإسلامي ضمن حملة صليبية دينية ضد المسلمين.  

لا عجب أن من بين المشاركين في المؤتمر أيضًا كان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو منظمة مرتبطة بالإخوان المسلمين وهي من بنات أفكار الشيخ يوسف القرضاوي المؤيد لأردوغان، والداعم للتفجيرات الانتحارية والتمرد المسلح في سوريا. لقد افتتح الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي صنّفته السعودية والإمارات ومصر والبحرين منظمة إرهابية، فروعًا له في تركيا بدعم سخيّ من حكومة أردوغان. من بين المتحدثين في هذا المؤتمر كان "علي محيي الدين القره داغي"، الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، والذي عزّز وضعه في تركيا، وبات يظهر بوصفه شخصية مهمة للغاية في المناسبات الحكومية. وصف "القره داغي" تركيا بأنها زعيمة العالم الإسلامي، وزعم أن العرب كان يمكنهم التوحُّد في أعقاب ثورات عام 2011 من المغرب حتى اليمن، في حال لم يتم سحق تلك الثورات. كما تفاخر الرجل كيف أن تركيا تغيّرت تحت حكم أردوغان في فترة قصيرة، داعيًا لعمل تغييرات في المناهج التعليمية تدعم أيديولوجية الجهاد.

لقد كان "القره داغي" يردّد ما قاله سيده القرضاوي دائمًا بشأن أردوغان. ومن المعلوم أن القرضاوي جرت دعوته لتركيا بعدة عدة أيام من انتهاء تلك المناسبة، وذلك لكي يترأس المؤتمر الدولي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في إسطنبول. في الرابع من نوفمبر 2018، مباشرة بعد أن اختتم مستشارو أردوغان تلك المناسبة التي رعاها "مركز الأبحاث الاستراتيجي للمدافعين عن العدالة"، حضر القرضاوي إلى تركيا لإلقاء ما وُصف بأنه خطاب الوداع لما يقارب 1.500 مشارك في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يمثلون 80 دولة، معلنًا أنه سيترك منصبه كرئيس لهذا الاتحاد. لقد خصص القرضاوي وقتًا كبيرًا من خطابه لأردوغان، مشيدًا به باعتباره زعيم الأمة الإسلامية، وداعيًا الجميع لدعمه والدعاء له. وتم تكريم القرضاوي من جانب "علي إرباش"، وهو إمام حكومي بارز يرأس مديرية الشؤون الدينية "ديانات" التي تبلغ ثروتها مليارات الدولارات، وتسيطر على 90 ألف مسجد في تركيا والخارج، وتوظف نحو 150 ألف إمام. هذا المؤتمر يرمز إلى التحالف الوثيق بين الإخوان المسلمين ومديرية الشؤون الدينية. وبعد وقت قصير من انتهاء مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حضر القرضاوي مع "إرباش" مناسبة أخرى في إسطنبول برعاية "المجلس الأوروبي للفتوى والأبحاث"، وهو كيان مقرّه دبلن مرتبط بالإخوان المسلمين

وكما هو متوقع، أثنى القرضاوي على طموحات أردوغان لتولي زعامة العالم الإسلامي، وقال إن الرئيس التركي وشركاءه في الحكومة سيغيّرون العالم الإسلامي ويهرعون لمساعدة المسلمين حول العالم ويضعون حدًا للهجمات ضدهم. وانتقد القرضاوي بشدة السعودية، مهاجمًا القيادة السعودية بسبب استهدافها للإخوان المسلمين، من بينهم القرضاوي نفسه، وأضاف أن سلوك السعودية لا يمت بصلة للإسلام. وخلال مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، جرى اختيار "خير الدين كارمان"، وهو النسخة التركية من القرضاوي ويُعرف بإصداره فتاوى إلى جانب عمله مستشارًا لأردوغان، نائبًا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فيما جرى اختيار رجل الدين المغربي المتشدد "أحمد الريسوني" رئيسًا للاتحاد. لقد أصدر "خير الدين كارمان"، وهو رجل دين تركي يبلغ 48 عامًا، آراءً مثيرة للجدل بشدة في الماضي، واصفًا الذين يصوّتون ضد أردوغان بأنهم أعداء للإسلام. وعمل على تبييض صورة أردوغان بعد تورط الأخير في قضية فساد ورشوى بمليارات الدولارات في ديسمبر عام 2013. كما روّج "كارمان" للرأي القائل بأن تركيا تحتاج إلى أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل أخرى لردع الأعداء الغربيين، وبأن عليها العمل لتحقيق الوحدة الإسلامية.

من الواضح أن مستشاري أردوغان يخططون لمواصلة عقد سلسلة من مؤتمرات الوحدة الإسلامية في تركيا كل عام حتى عام 2023، وهو عام الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. ربما يرغب أردوغان لسخرية القدر أن يترك بصمته أثناء احتفالات الذكرى المئوية، ويمهّد الطريق للعودة لأيام خلافة الإمبراطورية العثمانية.

في هذا العام، طرح "تانريفردي" ومساعدون آخرون لأردوغان فكرة تأسيس سوق مشتركة ومنطقة اقتصادية تضم كل الدول الإسلامية، وذلك عقب مناقشة مبادئ هياكل الحكم في العام الماضي. سيتمحور جدول أعمال السنة المقبلة حول تطوير التعاون في صناعة الدفاع، فيما سيناقش المشاركون في عام 2020 فكرة العقيدة الدفاعية المشتركة، وسيحاولون تحديد الإجراءات والأسس التي سترتكز عليها هذه السياسات الدفاعية المشتركة. وسيتبع هذا نقاش حول كيفية بناء سياسة خارجية مشتركة في العام 2021. فيما سيجري نقاش إنشاء نظام قضائي مشترك وطرق إنفاذ القانون في عامي 2022 و2023، على التوالي.

إن حلم أردوغان بزعامة الأمة الإسلامية بأكملها لا يتمثل فقط في رواية المسؤولين الحكوميين، ولكنه يتمثّل أيضًا في قرارات وأفعال الحكومة. ويمكن رؤية هذا النمط المثير للقلق في كل قطاع في تركيا، بداية من التعليم، وصولاً إلى السياسة الاجتماعية. إن أردوغان ومعاونيه بالتأكيد يسعون بقوة لتصدير خطابهم الإسلامي السياسي السام، الذي قوّض كل المؤسسات في تركيا، وزرع الاستقطاب في الأمة التركية، ومزّق بقوة النسيج المتنوع للمجتمع التركي. لقد عمّق أردوغان وأعوانه بالفعل الانقسامات وسط جماعات المسلمين والأتراك في الشتات في الغرب، وأثار الأقليات المسلمة في آسيا، وأغرى بعض المجموعات في إفريقيا عبر برامج المعونات والتنمية. إن هذا المهرّج أردوغان الطامح لأن يكون خليفة للمسلمين بالتأكيد ليس موحِّدا للمسلمين بل مفرّقا بينهم، وهو يهتم فقط بالحفاظ على ثروته الشخصية التي راكمها عبر الرشاوى والسرقة والفساد. هو مهووس بتعزيز سلطته على حساب الضوابط والموازين، وهو يعشق حياة الترف لنفسه ولأفراد عائلته.  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا