مستشار مفتي مصر لـ«رؤية»: دار الإفتاء رسخت دورها دوليًّا..وبدأنا الاستفادة من الذكاء الاصطناعي

رؤية
مستشار مفتي مصر والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء فى العالم الدكتور إبراهيم نجم

تطرق الدكتور إبراهيم نجم في حواره مع شبكة رؤية إلى قضايا التواصل مع الجالية المسلمة في الغرب، واستخدامات الذكاء الاصطناعي.


قال مستشار مفتي مصر، الدكتور إبراهيم نجم، إن الهجوم على دار الإفتاء يقف خلفه أعداء الوطن من المتطرفين وغيرهم.

وأضاف نجم، الذي يشغل أيضًا منصب الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، في حوار مع شبكة رؤية الإخبارية ، اليوم الاثنين 14 أغسطس 2023، أن المؤسسة حريصة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر قدر من الجمهور والتفاعل معه.

الهجوم على دار الافتاء المصرية

أوضح مستشار مفتي الديار المصرية أن المؤسسة لا تعوّل على الهجمات التي تتعرض لها في ما يخص بعض الفتاوى والآراء الفقهية، ولا تلقي لها بالًا، لأن من يقف خلفها هم أعداء الوطن من أصحاب الفكر المتطرف وغيرهم، الذين نرد دائمًا على شبهاتهم في كثير من الفتاوى والإصدارات.

وشدد على أن دار الإفتاء تحرص على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر قدر من الجمهور والتفاعل معه، خاصة بعد رصد عدد من الفتاوى والأفكار المنحرفة التي تنشر عبر هذه المواقع، للرد عليها وفق منهجية علمية رصينة.

خطر الإفتاء العشوائي السطحي

قال نجم إن هذه الهجمات يطلقها غير المتخصصين في مجال العلوم الشرعية، بهدف إثارة الجدل زعزعة ثقة المسلمين في مؤسساتهم الدينية، واختطافهم فكريًا من ساحة وسطية الإسلام وسماحة تشريعاته، إلى مناهجهم المتشددة.

وبيّن أن صناعة الإفتاء، التي تعتمد المنهج المؤسسي الوسطي المعتدل، الذي تنتهجه دار الإفتاء المصرية والمؤسسات الدينية الوطنية، يختلف تمامًا في مضمونه ومعطياته ونتائجه عن الإفتاء العشوائي السطحي، الذي يمارسه بعض من وصفهم بالهُواة والمتعالمين، موضحًا أن الفتوى الصحيحة تحتاج إلى علم ومهارة وتدريب وإدراك لواقع الناس، وتقدر المصلحة العامة.

إقبال الجمهور على دار الإفتاء

أشار الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم إلى الإقبال الكبير من الجمهور المصري على دار الإفتاء، وثقته بالمؤسسات الدينية الوطنية، من خلال الحضور الفعلي أو عبر صفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي والبث المباشر، مشددًا على أن هذا التفاعل يظهر مدى ثقة جمهور المستفتين في دار الإفتاء المصرية.

ولفت إلى أنه في العام 2022، أجابت دار الإفتاء عن أكثر من مليون و563 ألف طلب فتوى، بزيادة تقدر بنحو 200 ألف طلب عن العام السابق، وأوضح أن الصفحة الرئيسة للدار يتابعها أكثر من 12 مليون مشترك وبلغة نسبة وصول منشورتها خلال 2022 إلى 60 مليون شخص، بزيادة 3 أضعاف عن الفترة السابقة، ووصل التفاعل على الصفحة خلال عامين إلى 150 مليونًا.

إطلاق تطبيق «فتوى برو»

‎نبّه المسؤول المصري البارز أيضًا بما حقّقه تطبيق «فتوى برو»، الذي أطلقته دار الإفتاء المصرية للتواصل مع الجاليات المسلمة الناطقة باللغات الإنجليزية والفرنسية، ، خاصة في أوروبا، كمرحلة أولى، مشددًا على أن هذا التطبيق أصبح ضرورة ملحة في ظل حاجة المجتمعات للدعم من الدول الإسلامية ومؤسساتها، وعلى رأسها المؤسسات المصرية بما لها من رصيد علمي كبير.

وأشار إلى أن دار الإفتاء تطمح من خلال تطبيق «فتوى برو» إلى تقديم بديل معتدل للمجتمعات المسلمة يغنيها عن التطبيقات المتطرفة، وحماية المسلم من الوقوع في براثن التطرف أو انهيار عقيدته، فضلًا عن تصدير رؤية معتدلة عن الإسلام لنشر الصورة الإيجابية التي تهدف إلى القضاء على التعصب ضد الإسلام في صوره المختلفة.

وكشف أيضًا عن وجود اتجاه لدعم التطبيق بعدد من اللغات الأخرى، مثل الألمانية والروسية والإسبانية والأردية والصينية والسواحيلية وغيرها، لكن على مراحل.

الرقمنة وظهور المفتين الجدد

قال إبراهيم نجم إن تصدع صناعة الفتوى في العقود الأخيرة، أفرز فاعلين جددًا أرادوا التغلب على المؤسسات الدينية الرسمية، لحيثيات سوسيوتاريخية مركبة، وظهرت مؤسسات أخرى يقودها أفراد، وظهرت المزاحمة الشديدة التي عرفتها سوق الإفتاء، ما دفع المؤسسات الرسمية للتموضع ودخول مجال الرقمنة تجنبًا “للفوضى” الناجمة عن انتشار الفتوى.

وشدد على أن تنظيم مسألة الفتوى من الإجراءات الجوهرية في إصلاح الحقل الديني، نظرًا لتعدد المنابر الإعلامية الرقمية التي تقدم الفتوى، ومن ثم فإن ردَّ الفعل المؤسساتي في موضوع الفتوى سيحد من تدفق الفتاوى والإفتاء الشخصي الفردي، ومن يمكن أن نطلق عليهم “المفتون الجدد” الذين امتلكوا ناصية التقنية ويحظون بثقة الجمهور الديني، لاستعمالهم مفاهيم جديدة تدفع بإغراء المريدين.

رقمنة الفتاوى

قال نجم إن الفتوى عرفت تغيرًا في مجالها التداولي، بفضل الرقمنة، من حيث الانتقال من التداول الواقعي إلى الافتراضي، ومن المجالات المحدودة والضيقة والمحصورة حضاريًّا إلى مجالات أوسع وحضارات وثقافات متنوعة ومتعددة، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء المصرية واكبت حالة التطور الرقمي هذه، ووضعت منظومة حديثة تعمل بتقنيات متطورة، ولديها إدارة خاصة بالوسائل التكنولوجية الحديثة.

وأضاف، في حواره مع شبكة رؤية، أن الدار وضعت خطة عمل للتواصل مع الجمهور بطرق حديثة تسهل انتشار الفتوى الرسمية، من خلال إتاحة الخط الساخن للفتاوى، وكذلك تكثيف ساعات البث المباشر عبر الصفحة الرسمية على فيسبوك،إلى جانب تفعيل دور الفتوى الإلكترونية عبر موقع الدار باللغات المختلفة وتطبيق الهواتف الذكية.

الذكاء الاصطناعي في الفتوى

رأى مستشار مفتي مصر أن تقنية الذكاء الاصطناعي وتوغلها الكبير يقتضي العمل في جميع الاتجاهات سواء في الاستعداد لما يمكن أن تنتجه تلك التقنية من تأثيرات، أو الاستفادة منها في المجالات كافةً، مشددًا على أن الذكاء الاصطناعي ترك أثرًا كبيرًا في جميع المجالات الخدمية، لكنه ترك في نفس الوقت أثرًا سلبيًّا.

وأوضح أن المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية كشف عن أن 40% من تقنيات الذكاء الاصطناعي تحمل تأثيرات إيجابية في الوضع الديني والإفتائي مستقبلًا، تتمثل في تحسين الأداء والعملية الإنتاجية الإفتائية، مقابل 60% للتأثيرات السلبية المحتملة، التي يتمثل أهمها في طريقة استقاء المعلومات من الذكاء الاصطناعي.

دار الإفتاء المصرية والذكاء الاصطناعي

قال نجم إن المؤسسات الإفتائية يمكن لها أن تستفيد من تقنية الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، وإن دار الإفتاء المصرية بدأت خطوات حقيقية للاستفادة من تلك التقنية، من خلال استراتيجية تطوير العمل بتطبيق «فتوى برو » ليشمل لغاتٍ جديدةً، إلى جانب استحداث خدمات جديدة تيسِّر وتسهِّل حصول المستفتي على خدمات التطبيق، وتحسِّن من جودة الخدمة المقدمة.

وأضاف أن الدار تسعى لاستكمال المرحلة الثانية لمحرِّك البحث الإلكتروني للمؤشِّر العالمي للفتوى، وهو بوابة رقمية ضخمة تستخدم آليات التكنولوجيا في الرصد والتصنيف والتحليل، لتكوين أكبر قاعدة بيانات إفتائية في العالم، وهو أول محرك بحث متخصص في رصد وتتبع الفتاوى وتحليلها عالميًّا، ويُعد نواةً لأكبر قاعدة بيانات للفتوى المصنفة في العالم.

وأوضح أنه جرى بالفعل رصد أكثر من مليوني فتوى على قاعدة البيانات، وبدأت المرحلة الثانية التي ستمثل تفعيل آلية الذكاء الاصطناعي في التحليل والتصنيف والاستبعاد، مَّا يوفِّر جهدًا في الرصد والتحليل، وأيضًا يضمن دقَّة في تحليل البيانات التي سيترتب عليها بناء السيناريوهات المستقبلية والدراسات الاستشرافية في الحقل الإفتائي.

دور الإفتاء في مكافحة الإرهاب

تحدث الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم  منهجية دار الإفتاء المصرية في مواجهة الفكر المتطرف، موضحًا أنها انتهجت في ذلك أسلوب الرصد والبحث والدراسة للوصول إلى طرق الوقاية والمعالجة الصحية، واستهدفت ضبط الخطاب الإفتائي، وتحديث أدواته، إلى جانب تدشين مجموعة من المراكز البحثية لمساعدة المؤسسة في بيان مختلف الظواهر ومعالجتها.

وأضاف أن المشاركة في اجتماع التحالف الدولي ضد داعش في واشنطن، جاء إيمانًا بأهمية التعاون والتكاتف بين الجهات المعنية في مكافحة الفكر المتطرف، الذي لم يعد قاصرًا على منطقة بعينها، لكن بات يهدِّد العالم أجمع، ما يحتِّم العمل معًا على جميع الأصعدة لمواجهة خطر الإرهاب ودحره.

مرجعية دينية إسلامية معتمدة دوليًّا

أشار نجم إلى أن دار الإفتاء المصرية سعتْ لإعدادِ برامج تدريب للعلماء والمفتين والدعاة على مستوى العالم، وتأهيلهم لمواجهة هذا الفكر على مستوى العالم، إلى جانب عقد المؤتمرات الدولية واللقاءات المتعددة مع القيادات العالمية المعنية بمواجهة التطرف والإرهاب، لتوعية العالم بالمخاطر التي ينشرها الفكر المتطرف ومن ثم مواجهته بالطرق الصحيحة علميًّا ومنهجيًّا.

وشدد في حديثه مع شبكة رؤية الإخبارية على أن هذه الجهود الدؤوبة في مجال مكافحة التطرف العنيف وتفكيك الخطاب المتطرف، جعلت دار الإفتاء قبلة للمؤسسات العالمية المعنية بمحاربة التطرف فكريًّا، وصارت ركيزة من ركائز مواجهة الإرهاب في العالم واختارها الاتحاد الأوروبي مرجعية دينية إسلامية له.

مسلمو الغرب والإسلاموفوبيا

لفت الدكتور إبراهيم نجم إلى حرص دار الإفتاء المصرية على مساعدة المسلمين في الغرب على الاندماج الإيجابي والفاعل في مجتمعاتهم، ودفع جهود العيش السلمي، مشددًا على أن تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام في الغرب تحتاج مجهودًا دعويًّا كبيًار، خاصة بعد انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، وإلصاق كل عمل إرهابي يقع هناك بالإسلام.

وأوضح أن المؤسسة بذلت الكثير من الجهود والمبادرات المهمة، التي تتعلق بقضية الاندماج الإيجابي للمسلمين في الغرب، وكيف يمكن أن يمثل المسلمون هناك حلقة وصل للحوار الحضاري، والتواصل الثقافي والفهم والاستيعاب المشترك، دون ذوبان، أو فرض أنماط ثقافية ودينية معينة على أصحاب المعتقد من الجانبين.

التعامل مع حوادث حرق المصحف

بشأن حوادث حرق نسخ من المصحف في دول أوروبية قال نجم إنَّ مثل هذه الإساءات المتكررة والمتعمدة وغير المسئولة تؤجج مشاعر الكراهية وتبثُّ الفتنة، وتعكس مظاهر الإسلاموفوبيا البغيضة، بما يحتِّم ضرورة تدخل المجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته كافة، وجميع المنظمات والهيئات الإسلامية على مستوى العالم للتصدي لها.

وأشار إلى إدانة دار الإفتاء المصرية تلك الحوادث، والدعوة إلى ضرورة إصدار قانون دولي يجرِّم الإساءة للأنبياء والأديان والمقدسات والرموز الدينية، حفاظًا على السِّلْم العام على مستوى العالم، واصفًا تبني مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا يدين أعمال الكراهية الدينية، بأن خطوة على الطريق للتصدي لتك الظاهرة وبحث سبل مقاضاة مرتكبيها.

ودعا إلى تبني مثل هذه القرارات لمواجهة تصاعد موجات الكراهية بين الشعوب وأتباع الديانات المختلفة، ودعا دول العالم كذلك إلى مراجعة بعض قوانينها وسياساتها التي لا تتصدى للكراهية الدينية بالحزم الواجب، والعمل على مقاضاة مرتكبي جرائم الكراهية والتحريض واتخاذ خطوات فورية لسد الثغرات القانونية في هذا الصدد.

إطلاق مركز سلام لدراسات التطرف

نوه المسؤول المصري إلى تطور مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، الذي عدّه من أبرز أداوات المؤسسة الإفتائية في مواجعة جميع أشكال التطرف الفكري والسلوكي، إلى مركز سلام لدراسات التطرف.

وأضاف أن المركز يسعى في الفترة المقبلة للعمل على عدة أصعدة وبآليات متنوعة، في مقدمتها إعداد الدراسات والبحوث وتقديرات الموقف، إلى جانب إعداد الدراسات المستقبلية المتعلقة بتحديد بؤر التطرف المتوقعة، سواء في الواقع الفعلي أو الافتراضي، واقتراح الإجراءات والخطوات الواجب اتخاذها حيالها.

وأشار كذلك إلى خطط عقد ندوات وورش عمل ومؤتمرات علمية للخبراء والباحثين في مجالات التشدد، بهدف تبادل الخبرات، والتواصل مع مختلف الخبراء والمتخصصين، إلى جانب التشبيك مع مراكز الأبحاث والمنظمات العامة المهتمة بالتطرف بأنحاء العالم، وإعداد نموذج عام لمواجهة التشدد والتطرف في مختلف المناطق، وتحديد أنجع السبل للتعامل معها والتقليل من خطرها.

التطور التكنولوجي في استطلاع الأهلة

أشار نجم إلى التعاون مع معهد البحوث الفلكية وهيئة المساحة في استطلاع الأهلة، لأنهما من أهل الاختصاص، إلى جانب إنشاء نقاط للرؤية الشرعية في عدة مناطق، منها توشكى وأسوان والوادي الجديد وسوهاج، مشددًا على اعتماد دار الإفتاء المصرية على العلم في مولد الهلال لإثبات الرؤية.

أوضح أن دار الإفتاء وقعت مذكرة تعاون مع المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية لتنسيق التعاون العلمي في ما يخص رؤية الأهلة ورصدها، تضمنت الاتفاق على تقديم الاستشارات في مجال الحسابات الفلكية اللازمة لتحديد إمكانية رؤية الهلال الجديد بعد غروب شمس يوم 29 من كل شهر هجري (يوم الرؤية)، وتدريب العاملين بدار الإفتاء على إجراء عملية الرصد.

ربما يعجبك أيضا