“مشروع الهلال العثماني” وتركيا الكبرى.. مغامرات السلطان والداخل المأزوم!

دعاء عبدالنبي
رؤية – شيماء عبدالمنعم
في الوقت الذي تشتعل فيه الخلافات والتوترات السياسية بين تركيا واليونان على خلفية النزاع على موارد النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، وتتدخل فيه أنقرة عسكريًا في العديد من المناطق التي أججت أزماتها مثل الشمال السوري والعراقي، وليبيا، علاوة على نزاعها مع قبرص.
نشر متين غلونك النائب التركي المقرب من أردوغان خارطة “تركيا الكبرى”، ومن سياسة صفر مشكلات التي وضعها أحمد داود أوغلو، انتقلت تركيا – أردوغان إلى الصدام المباشر مع أكثر دول الجوار، وتوترت علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، وحتى الولايات المتحدة.
وبدأ الجيش التركي عمليات عسكرية امتدت من شمال سوريا والعراق حتى ليبيا، حيث تم تجميع المرتزقة لخدمة أغراض السلطان.
تركيا العظمى
وفي تقرير نشره موقع”greekcitytimes” اليوناني، أشار إلى أن تركيا تسعى للسيطرة على أجزاء من اليونان ودول أخرى في سياق إنشاء ما يسميه مقربون من أردوغان “تركيا العظمي”.
وتحت عنوان “منظّر أردوغان يطالب بإقامة تركيا العظمى التي تضم اليونان، بينما يدعم ترامب وألمانيا حليفهما التركي”، قال الموقع إنه في الوقت الذي يدعو فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قيام تركيا العظمى، التي تضم شمال اليونان، والجزر الشرقية في بحر إيجه، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وألمانيا يواصلان دعم حلفائهما الأتراك في عدوانهم على اليونان.
ونقل الموقع تصريحات لـ”متين كولونك”، وهو أحد المقربين من الرئيس التركي، وعضو برلماني عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو من نفس الحركة الشبابية التي ينتمي إليها أردوغان، ومن نفس الإقليم الذي ينحدر منه والدا أردوغان، على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، طالب فيها بإقامة تركيا العظمى.
وأوضح التقرير: طالب كولونك بإقامة تركيا العظمى التي تتضمن أجزاء كبيرة من شمال اليونان، والجزر الشرقية في بحر إيجه، ونصف بلغاريا، وقبرص، وأرمينيا كاملتين، وأجزاء واسعة من جورجيا والعراق وسوريا.
وأردف: في سلسلة من التغريدات، أشاد كولونك بانتصار السلاجقة على الإمبراطورية البيزنطية في معركة ملاذكرد عام 1071، ما سمح للأتراك الآسيويين بدخول الأناضول للمرة الأولى في التاريخ.
وقال كولونك، في تغريداته على تويتر، إن تركيا دخلت القرن الحادي والعشرين بخطوات كبيرة، مستلهمة روح 1071، إنها تتقدم من خلال اتخاذ خطوات عملاقة.
وأشار الموقع إلى أن التغريدات التي كتبها كولونك جاءت مرفقة بخريطة لتركيا العظمى، تتضمن شمال اليونان، وجزر بحر إيجه الشرقية التي تحتلها تركيا.
وأضاف: رغم إعلان غزو اليونان من جانب أحد المنظرين المقربين للغاية من أردوغان، والذي ينتمي إلى نفس الحزب، وهو في نفس الوقت عضو في البرلمان التركي، إلا أن ترامب وألمانيا لا يزالان مستمرين في دعم حلفائهما الأتراك، من خلال استرضاء أنقرة، ووضع اليونان في نفس ميزان الأزمة بالبحر المتوسط. منذ يومين أشاد ترامب مجددًا بأردوغان، وهذه المرة بحضور قس أمريكي، تعرض للسجن بطريقة غير قانونية وتم أخذه رهينة في تركيا لمدة عامين.
ونقل التقرير عن ترامب قوله: “بالنسبة لي فإن أردوغان شخص جيد للغاية”، وذلك أمام القس أندرو برونسون، الذي كان يواجه السجن لعشرات السنين في السجون التركية بناءً على أوامر أردوغان.
وسبقت هذه التصريحات ما قاله جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق في حكومة ترامب، الذي وصف العلاقة بين الرئيس الأمريكي وأردوغان بأنها حميمة.
واستطرد الموقع: أجرى رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأمريكي ترامب، مساء يوم الأربعاء، حيث طلب ترامب خفض حدة التصعيد، وكأن اليونان هي المسؤولة جزئياً أو كلياً عن الأعمال العدوانية التي تقوم بها تركيا.
وواصل: هدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اليونان باستخدام القوة، وقال إن رد الفعل التركي لن يكون عرضيًا، ولكنه سيكون إجراء مباشر دون تردد، وجاءت هذه التصريحات خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الألماني هيكو ماس، الذي حاول الوساطة من خلال الحوار، رغم أن تهديدات حليفه التركي صدرت بصورة مباشرة وهو إلى جانبه.
وختم التقرير: رغم هذه الاستفزازات، والحشد العسكري، والدعوات العلنية لتوسيع حدود تركيا كي تضم أجزاء من اليونان، فإن ترامب وألمانيا يرددان فقط شعارات الحوار، دون أن يكون لديهما أي استعداد لإلقاء اللوم أو إدانة حلفائهم الأتراك، إنهم في واقع الأمر يوجهون اللوم إلى اليونان وكأنها المسؤولة عن التوترات في شرق المتوسط، وفي نفس الوقت يقومون بحماية تركيا من العقوبات أو أي وسائل أخرى لاحتواء العدوان التركي أو الدعوات العلنية للحرب ضد اليونان.

الوطن الأزرق

وفي هذا السياق يقول الكاتب اللبناني حنا صالح، في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، إن مشروع الهلال العثماني الذي يمتد من جبال كردستان والشمال السوري والحرب المفتوحة على الأكراد إلى ليبيا – السراج والحرب على الشعب الليبي بوهم ترسيخ النفوذ من البوابة الليبية.
 مع تدخل مكثف في تونس من خلال الغنوشي وحركة النهضة الإسلامية، وقاعدة كبرى في الدوحة بوجه دول الخليج، وأخرى في الصومال على مقربة من باب المندب! ويتسع حجم التحرش باليونان وقبرص، وتحدي الناتو، بعد انكشاف الطمع التركي في ثروات المنطقة! إنه هلال مطامع يتطلب إمكانات أكبر بكثير مما لدى تركيا من قوى عسكرية وموارد. لكن مع نشر خريطة تركيا الكبرى يبدو أنَّ أحلام الرئيس التركي تهدّد بإشعال المنطقة ما لم ينجح الشعب التركي بإزاحة الخطر المقيم في القصر الرئاسي في أنقرة!
ويشير الكاتب إلى أن خريطة تركيا الكبرى تعود إلى حقبة السلاجقة، قبل نحو ألف عام، ربما كانت تصلح لزمن آخر، كزمن الفتح العثماني قبل أكثر من ستة قرون، لأنَّها تشتمل على الثلث الشمالي من سوريا، ومساحة كبيرة من العراق، وكذلك من جورجيا، وتضمُّ كل أرمينيا، ونصف بلغاريا، والشمال اليوناني والجزر الشرقية من بحر إيجة وقبرص (…) وتزامن نشر هذه الخريطة مع نقاش عسكري في أنقره عن الوطن الأزرق، لخصه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بأنه يستهدف فرض تركيا سيطرتها على البحار المحيطة، مثل البحر الأسود وبحر إيجة والبحر المتوسط!
ويضيف بين “تركيا الكبرى” و”الوطن الأزرق”، تواجه تركيا أزمات اقتصادية خانقة، مع مديونية خارجية مرتفعة، وتدهور في سعر صرف الليرة، وبطالة عالية، وتداعيات تفشي فيروس كورونا.
وسبق لأنقرة من خلال التهديد والوعيد أن حصلت على دعم مالي غربي، من خلال الابتزاز بورقة اللاجئين السوريين.
كما يقوم حاكم قطر بتوفير تمويل دوري للنظام التركي، لكن الانهيار، واتساع الفساد الذي يحاكي فساد المافيا اللبنانية، دفع أردوغان إلى البحث عن مصادر بديلة، فوجد ضالته في محاولة السطو على غاز المتوسط الذي حرَّك شهية الحاكم المتسلط. فتضاعفت الأطماع بعد فشل التنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا قبالة مرسين وأنطاليا، فأعلنت أنقرة عن اعتزامها التنقيب في المنطقة التابعة لقبرص، متذرعة باتفاقية مع جمهورية شمال قبرص غير المعترف بها، استغلتها للتنقيب بدعوى الحفاظ على حقوقها وحقوق قبرص التركية في منطقة تعوم على بحر غاز طبيعي هو ثاني أكبر مخزون من الاحتياطي على مستوى العالم.

وحذر الكاتب اللبناني من أن ما يجري بالغ الخطورة، ويضع المنطقة كلها على كف عفريت؛ الرئاسة التركية التي تبشر بـتركيا الكبرى، وتهدّد بمغامرات عسكرية، ولا يردعها خطر إضرام النار في الجوار.

ربما يعجبك أيضا