“مضيق كيرتش” وصراع المناورات بين روسيا وأوكرانيا

جاسم محمد
رؤية ـ جاسم محمد
شهدت دول أوروبا قلقًا بالغًا في أعقاب توتر العلاقات القائم بين روسيا وأوكرانيا، بعد إطلاق البحرية الروسية النار على ثلاثة زوارق تابعة للبحرية الأوكرانية يوم 24 نوفمبر 2018 واحتجزت القوات الروسية الزوارق الأوكرانية الثلاثة بمن عليها.
تقول روسيا إن الزوارق الأوكرانية دخلت مياه إقليمية روسية بصورة غير مشروعة قاصدة مضيق كيرتش، ونفذت مناورات خطرة واستفزازية قرب جسر القرم، ما دفع البحرية الروسية لإطلاق النار واحتجاز السفن الأوكرانية، متهمة أوكرانيا بالسعي “لخلق حالة صراع”  لكن اوكرانيا قالت: إنها أعطت إخطاراً مسبقا للروس بأن السفن ستتحرك عبر المضيق.

مضيق كيرتش هو مضيق بحري يصل البحر الأسود ببحر آزوف، ويفصل القرم في الغرب عن شبه جزيرة تامان في الشرق ويبلغ عرضه 4.5 كم وعمقة نحو 18 متراً. أهم المدن عليه ميناء كيرتش. هناك خط ناقلات بحرية عبر المضيق منذ 1952 القرم بكراسنودار كراي، وهو خط پورت قريم – پور قوقاز في التاريخ القديم كان مضيق كيرتش يسمى البوسفور الكيميري.
 

ردود أفعال دولية

وفي سياق ردود الأفعال، عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن قلق موسكو البالغ في أعقاب فرض أوكرانيا قانون الطوارئ مطالبا المستشارة بإقناع كييف بعدم القيام بأي عمل “متهور”.

حلف الناتو تابع التطورات في بحر آزوف ومضيق كيرتش، ودعا إلى  ضبط النفس ونزع التوتر، مضيفا أن على روسيا ضمان حرية دخول أوكرانيا لموانئها على شاطئ بحر آزوف وفقا للقانون الدولي.
أما الاتحاد الأوروبي فأعلن في بيان رسمي ارتفاع حدة التوتر بشكل خطير بعد ما وصفه بحيادية بأنه حادث وقع بين سفن حربية روسية وأوكرانية وطالب روسيا بإعادة حرية المرور عبر مضيق كيرتش، ودعا الجميع للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس، من أجل خفض حدة التوتر فورا.
من جهته دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس روسيا وأوكرانيا إلى التهدئة، بالقول: “ليس من المقبول أن يكون هناك حصار مفروض من جانب روسيا… لا يمكن سوى دعوة الطرفين إلى التهدئة، وآمل أن يتم الاستجابة لهذه الدعوة، التي لا تأتي من ألمانيا وحدها”.
في حين وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دخول ثلاثة زوارق تابعة للبحرية الأوكرانية مياه إقليمية روسية بصورة غير مشروعة قاصدة مضيق كيرتش بأنه “عمل استفزازي”.
ودانت بريطانيا روسيا ووصفته بانه عمل عدائي، بالقول: “ندين العمل العدائي الروسي باحتجاز ثلاث سفن أوكرانية وطواقمها”. وأضاف: “الحادث يوفر مزيدا من الأدلة على سلوك روسيا المزعزع لاستقرار المنطقة”.
أما بولندا فقد دعت كلا الطرفين لضبط النفس، وطالبت روسيا بإعادة حرية الملاحة.
واقترحت النمسا عقد جلسة للجنة الاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة والأمن ، لبحث الوضع في منطقة مضيق كيرتش “وبلورة موقف أوروبي موحد” من هذه المسألة.
أما جمهوريات البلطيق فأصدرت الإدانات الأشد لهجة، حيث ندد وزير خارجية ليتوانيا ليناس لينكافيتشوس دانت كل من جورجيا وإستونيا “اعتداء روسيا على سفن حربية أوكرانية”، باعتباره “تصعيدا متعمدا للتوتر وانتهاكا خطيرا للقانون الدولي وعدوانا على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها”.

وأعلنت جمعية دول البلطيق أنها أوصت في بيانها لثلاثة دول لاتفيا وليتوانيا واستونيا بإعطاء قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) الحرية بالتنقل ونقل العتاد والمعدات العسكرية برا وبحرا وجوا في أراضيهم، وطالبت (الناتو) ان يعتمد رد فعل دفاعي للتهديدات من قبل القوات العسكرية الروسية.

الناتو يكثف تواجده في دول البلطيق
كثفت الولايات المتحدة وحلفاؤها انتشارهم العسكري في الخاصرة الشرقية لحلف شمال الأطلسي وتحديدا في بولندا ودول البلطيق السوفيتية سابقا والمحاذية لروسيا تماما، تحت ذريعة استعادة موسكو لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014.
واتخذ الجيش الأمريكي من بولندا مقرا جديدا له في أوروبا في مايو 2017 لقيادة نحو ستة آلاف من عناصره، ينشرهم ضمن عمليات لحلف شمال الأطلسي ووزارة الدفاع البنتاغون في المنطقة.
وتقود الولايات المتحدة كذلك مجموعة قتالية تابعة للحلف الأطلسي متعددة الجنسيات في بولندا. وتقود ألمانيا وبريطانيا وكندا ثلاث مجموعات أخرى في دول البلطيق القريبة إستونيا ولاتفيا وليتوانيا  حيث تجري تدريبات “سابر سترايك”.

وباشر نحو 18 ألف جندي من 19 دولة معظمها من حلف الناتو مطلع شهر يونيو 2018، تدريبات عسكرية بقيادة واشنطن في بولندا ودول البلطيق لتعزيز قدرات الحلف القتالية في خاصرته الشرقية بمواجهة روسيا.
 

الخلاصة
إن المخاوف من اندلاع مواجهات ما بين اوكرانيا وموسكو هذه اصلا قائمة بعد ان قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم عام 2014 ويعتبر مضيق كيرتش هو الطريق الاستراتيجي البحري الوحيد بين البحر الأسود وبحر آزوف، ويعتبر محوراً استراتيجياً ذا أهمية قصوى لكل من روسيا وأوكرانيا وتصدر عبره كييف الكثير من الخامات والمنتجات الزراعية.
ما تحاول العمل عليه دول البلطيق هو سحب الناتو والولايات المتحدة ودول أوروبا لتعزيز دفاعاتها في دول البلطيق، لكن بدون شك أوروبا تحديدا ربما اكثر من واشنطن، على يقين، بأن هذه المرحلة لا تحتاج إلى التصعيد، بسبب تدهور العلاقات ما بين ضفتي الأطلسي، مع شكوك أوروبا برد عسكري سريع للناتو ضد موسكو.
بعض المراقبين يعتقدون بأن حادثة مضيق كيرتش كانت مدبرة، لأغراض سياسية داخلية تصب في صالح الرئيس الأوكراني تيموشينكو، بعد أن تدنت شعبيته، وفقا لاستطلاعات الرأي.
التقارب الألماني الروسي ظهر واضحا خلال هذه الحادثة في اعقاب اتصال هاتفي ما بين بوتن وميركل، وهذا يعكس حجم التقارب مابين موسكو وبرلين، ورهان كلاهما على الآخر في حل الأزمات الدولية.

إلى جانب ذلك كانت لهجة ردود فعل الاتحاد الأوروبي “متفهمة” إلى ما يجري في مضيق كيرتش، ومشكلة ضم القرم من قبل موسكو، بعيدا عن التصعيد.

ربما يعجبك أيضا