معهد الدراسات الأمنية| كيف يمكن التغلب على أسباب الانقلابات في أفريقيا؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

إن الإدانة شبه الجماعية للتمرد في مالي التي أعقبتها الاستقالة القسرية للرئيس “إبراهيم بوبكر كيتا” تُشكّك في الإجماع حول التغييرات غير الدستورية للحكومات في إفريقيا.

ففي تحالف نادر، أدان العديد من الفاعلين الدوليين في شئون السلام والأمن انقلاب مالي الذي حدث في 18 أغسطس. كما طالبوا بالعودة إلى النظام الدستوري، رغم استقالة كيتا وحل البرلمان والحكومة. وذهبت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) والاتحاد الأفريقي إلى أبعد من ذلك بفرض عقوبات مستهدفة لإكراه مدبري الانقلاب على الخروج من السلطة.

تبدو هذه الرغبة الجديدة في فرض عقوبات من جانب المنظمات الأفريقية مفاجئة، بالنظر إلى ميل الاتحاد الأفريقي لانتقاد العقوبات الدولية ضد الدول الأفريقية. لماذا أصبح التغيير غير الدستوري للحكومة الخط الأحمر للمعايير التشريعية الأفريقية بشأن الديمقراطية والحكم؟

يحدد كل من إعلان لومي لعام 2000 والميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم لعام 2007 جوانب التغيير غير الدستوري للحكومة. وهذه الجوانب تشمل: انقلابًا عسكريًّا ضد حكومة منتخبة ديمقراطيًّا؛ أو تدخل المرتزقة ليحل محل حكومة منتخبة ديمقراطيًّا؛ أو استبدال حكومة منتخبة ديمقراطيًّا بجماعات مسلحة منشقة وحركات متمردة؛ أو رفض الحكومة المنتهية ولايتها التنازل عن السلطة بعد هزيمتها في انتخابات حرة ونزيهة ومنتظمة.

إن الإشارة المنهجية إلى “الحكومة المنتخبة ديمقراطيًّا” توضح كلًا من السياق إعلان لومي وروحه. في الوقت الذي كانت فيه الدستورية الديمقراطية جديدة في إفريقيا، كان الهدف هو حماية سلطة المؤسسات السياسية المدنية من “استبداد” التدخلات العسكرية.

ومنذ عام 2000، تطور نقاش المواطنين حول الديمقراطية والحكم في إفريقيا. لقد تحولت الأولويات إلى جودة العمليات الانتخابية، وقيمة حدود المدة، ولكن أيضًا الشرعية والأداء والمساءلة في الحوكمة السياسية والاقتصادية. فيما قوبل السخط الاجتماعي، الذي تم التعبير عنه عبر الاحتجاج، بدرجات متفاوتة من القمع، والمشاركة في الخيار، وتوطيد الوضع الراهن.

أما فيما يتعلق بقضايا الحوكمة الرئيسية، التزمت المنظمات الإقليمية الصمت التام، على الرغم من تطوير الهيكل الأفريقي للحوكمة (AGA) في عام 2011. ومع توقيع 17 دولة فقط، فيما صدّقت ست دول على الميثاق الأفريقي لعام 2014 بشأن قيم ومبادئ اللامركزية والحكم المحلي والتنمية المحلية، فلم تهتم الدول للقيم الأساسية مثل الاستجابة والشفافية والمساءلة والمسئولية المدنية.

وفي عام 2014، لاحظ مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي أن التغييرات غير الدستورية للحكومة نشأت من “أوجه القصور في الحكم: الجشع والأنانية وسوء إدارة التنوع والفشل في اغتنام الفرص والتهميش وانتهاكات حقوق الإنسان وعدم الرغبة في قبول الهزيمة الانتخابية والتلاعب بالدساتير ومراجعتها من خلال وسائل غير دستورية لخدمة المصالح الضيقة والفساد، كلها عوامل مساهمة رئيسية في التغييرات غير الدستورية للحكومات والانتفاضات الشعبية”.

إن دعوة المجلس إلى “عدم التسامح المطلق مع السياسات والإجراءات الحكومية التي قد تؤدي إلى اللجوء إلى وسائل غير دستورية للإطاحة بالأنظمة القمعية” لم تغير المعايير والإجراءات السائدة. وعلى الرغم من الوضوح الذي قدمه مجلس السلام والأمن، فقد قام الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية من الناحية العملية بتقليص الديمقراطية إلى إجراء الانتخابات والاحترام الانتقائي لحدود الولاية.

وفي الوقت نفسه، تعد جودة العمليات الانتخابية نقطة انطلاق متكررة، كما كان الحال مع الانتخابات البرلمانية المتأخرة في مالي في مارس 2020، والتي يُزعم أنه تم تزويرها. وفيما يتعلق بالانتخابات، يلجأ الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية بشكل روتيني إلى بعثات المراقبة. ونادرًا ما تتحدى استنتاجاتهم النتائج الرسمية، على الرغم من أن المجتمع المدني والسلطات القضائية المتشجعة تحدد التلاعب. وما الانتخابات الأخيرة في كينيا وملاوي إلا مجرد أمثلة.

وفيما يتعلق برصد الحوكمة، يمكن التشكيك في أهمية آلية مراجعة النظراء الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي، وعلى الرغم من وجودها منذ ما يقرب من عشرين عامًا، غير أن تأثيرها على تطور الحوكمة لا يكاد يُرى.

من هذا المنطلق، بات مفهوم التغيير غير الدستوري للحكومة محور التركيز الرئيس لهيكل الحوكمة الأفريقي، في حين أن جميع الأبعاد الأخرى للحكم الشرعي والمتجاوب قد قوضتها الدول الأعضاء بشكل منهجي. ففي دول مثل مالي، فإن إعطاء الأولوية لعَرَضٍ من الأعراض– أي الانقلاب– على معالجة الأسباب الجذرية مثل الشرعية المشكوك فيها والفساد، يجعل استجابة الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تبدو وكأنها حماية لشاغل المنصب.

وقد التزمت المنظمتان الصمت حيال جمود الحكومة في عدم المساواة وسيادة القانون وإدارة انتخاب نزيهة. ويبدو أن النهج الأفريقي والدولي يميز “الشرعية” على شرعية رؤساء الدول في السلطة، وهذا النهج يضع المنظمات الحكومية الدولية في خلاف مع مواطني تلك الدول.

ولذلك فإن معايير وأدوات السلام والأمن والحكم في أفريقيا سيتم اختبارها بشكل متزايد بفعل التحديات المعقدة. وغالبًا ما تتنبأ التقارير الواردة من أنظمة الإنذار المبكر ومنظمات المجتمع المدني بإخفاقات الحوكمة. ومن دون التزام سياسي بمنع نشوب الصراعات، فإن الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية ستقوم برد فعل بشكل متزايد بدلًا من استباق الأزمات؛ ومن ثَمَّ يصبح من المناسب سياسيًّا إدانة الانقلاب بدلًا من اتخاذ خطوات سياسية جريئة لمعالجة أسباب السخط الاجتماعي.

يعكس التركيز على التغييرات غير الدستورية للحكومات مقاربات مبسطة لأزمات الحكم. الدعوات العاجلة من قبل الأحزاب الدولية لإجراء انتخابات لاستعادة النظام الدستوري هي موضع تساؤل – خاصة عندما تكون الدساتير أو أنظمة التصويت جزءًا من المشكلة.

ويُظهر تاريخ مالي الحديث أن تسريع الجدول الزمني للانتخابات يمكن أن يعيد إنتاج حكومات ضعيفة، ومثل هذه الحلول تحابي النخب السياسية الموجودة، والتي غالبًا ما تكون متواطئة في تأجيج أزمة الثقة. وغالبًا ما تعيق الانتخابات السريعة المفاوضات التي تتمتع بفرصة أفضل لتعكس الديناميكيات الاجتماعية والسياسية للدولة.

وما كانت الأزمة السياسية في مالي إلا فرصة لمراجعة أدوات منع الصراع الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضايا الحكم، فبدلًا من التركيز على الانتخابات والتغييرات غير الدستورية للحكومة، ينبغي إيلاء اهتمام أكبر للأبعاد الأخرى مثل الحوار والوساطة وإدارة الأزمات الشاملة.

أما في غياب مفهوم أكثر شمولية للحكم الديمقراطي، فإن حظر التغييرات غير الدستورية للحكومة قد يساء فهمه على أنه مكافأة للرؤساء الحاليين الذين يريدون البقاء في السلطة. ولهذا فإن التحدي الذي يواجه الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية يتمثل في بناء الجسور مع المجتمع المدني وتطوير قدرة فعالة لمنع الأزمات السياسية.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا