معهد الشرق الأوسط| إذا أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها للبنان.. الصين وروسيا ستملآن الفراغ

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

وسط أزمة سياسية واقتصادية ومالية غير مسبوقة وظهور خطر جديد من وباء فيروس كورونا العالمي، بات لبنان يحتاج إلى كل مساعدة يمكن أن يحصل عليها. لطالما كانت الولايات المتحدة مصدرًا مهمًا للمساعدات، لكن، وكما يتضح من النقاشات مع مسئولين في بيروت وواشنطن، يبدو أن الرأي الداعم لفكرة وقف المساعدات الأمريكية للبنان أصبح يكتسب قبولًا. إن المخاوف القديمة بشأن نفوذ حزب الله في البلاد صارت أكبر تحت حكم حكومة "حسان دياب"، بينما أصبحت الإدارة الأمريكية تنظر إلى السياسة الإقليمية على نحو متزايد عبر عدسة حَمْلتها المُسماة "الضغوط القصوى" التي تستهدف إيران ووكلاءها. إن مخاوف واشنطن شرعية، لكن لبنان لا يُعد قضية خاسرة بعد، وتحتاج الولايات المتحدة أن تبقى منخرطة في هذا البلد على المدى الطويل، كما أن الانفصال عن لبنان لن يخلق سوى فراغًا تستغله قوى أخرى مثل روسيا والصين لكي تتولى دورًا أكبر هناك.

المساعدات الأمريكية

لبنان هو متلقٍ رئيس للمساعدات الأمريكية، لا سيما المساعدات العسكرية، إذ يتلقى مساعدات إجمالية قدرها 725 مليون دولار، وفقًا لإحصائيات "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية"، منها 71 بالمائة مساعدات اقتصادية، و29 بالمائة مساعدات عسكرية. منذ عام 2006، قدّمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية تزيد قيمتها الإجمالية على 1.7 مليار دولار للقوات المسلحة اللبنانية، هدفها تقوية المؤسسة الحكومية الوحيدة التي تحظى باحترام جميع المعسكرات والطوائف والأطراف في لبنان.

ساعد الدعم الأمريكي في تحسين قدرة واحترافية الجيش اللبناني؛ ما جعله قادرًا على محاربة داعش ومجموعات متطرفة أخرى، كما أن الاستثمار في الجيش اللبناني يقوّض من حجة حزب الله القائلة إنه لو كان الجيش اللبناني قويًّا كفاية للدفاع بمفرده عن حدود لبنان من العدوان السوري والإسرائيلي، لما كان لحزب الله عذر للاحتفاظ بسلاحه، وربما لم تصل قدرات الجيش اللبناني إلى هذا المستوى بعد، لكن الجيش حقق تقدمًا كبيرًا في السنوات الـ15 الماضية. لكن هذه عملية بطيئة ومتواصلة، وصبر واشنطن محدود، لا سيما تحت حكم الإدارة الراهنة.

تغيّر الآراء في واشنطن

وفقًا لمسئول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية: "حان الوقت لأن يغيّر الناس فكرة أن المجتمع الدولي سيحمي لبنان من الانهيار الكامل". في حديث له الشهر الماضي، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي "ديفيد شنكر" إن المساعدات الأمريكية ستتواصل ولن يستفيد منها حزب الله، لافتًا إلى أن "هناك معترضين على برنامج التمويل داخل الحكومة الأمريكية والكونغرس".

وليس من مصلحة واشنطن أن تدع لبنان ينهار، لكن في مرحلة ما سيتعيّن عليها أن تضع خطًا أحمر تكون مستعدة لتنفيذه عندما يتعلق الأمر بحزب الله. وذكر المسئول في وزارة الخارجية الأمريكية: "يقول كثيرون إننا خسرنا لبنان بالفعل، وإننا سنعود إليه لاحقا عندما تتغير الظروف".

وبالرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي يجد فيها لبنان نفسه في وضع كهذا، غير أن الأمور هذه المرة مختلفة بسبب تركيز إدارة ترامب الشديد على إيران والتعاون المتزايد من الأوربيين والدول الأخرى ضمن حملة الضغوط القصوى. حتى الدول البعيدة في جنوب ووسط أمريكا بدأت تتعاون مع جهود تصنيف حزب الله منظمة إرهابية والالتزام بالعقوبات الأمريكية.

الحاجة إلى الدبلوماسية والضغط

ربما سيحدث تغيير، لكن أي سياسة جديدة تجاه لبنان يجب ألا تكون قصيرة النظر. إن الدبلوماسية هي عنصر مهم وينبغي للولايات المتحدة مواصلة زيادة ضغطها على المسئولين اللبنانيين لتغيير السلوك وإدارة الأمور. لسوء الحظ، ما يزال الكثيرون في النخبة الحاكمة اللبنانية في حالة إنكار، لهذا ينبغي أن تواصل الولايات المتحدة زيادة الضغط والتأكد في الوقت ذاته من عدم انهيار الأجهزة الأمنية اللبنانية – خصوصًا الجيش اللبناني – كما انهارت في العراق.

ولطالما اعتمد لبنان على المساعدات الخارجية، لا سيما من الخليج، لكن هذا دفع البلد لتأجيل اتخاذ قرارات حاسمة فيما يخص حل مشاكله الأساسية. لم ينفذ لبنان مطلقًا إصلاحات ضرورية، كما لم تتم محاسبة أي جهة على اختفاء الأموال أو قلة النتائج.

يجب أن تكون الأمور مختلفة هذه المرة. والمساعدات المشروطة أمر ضروري.

إن السبيل الوحيد لمنع انهيار اقتصادي هو عبر الإطاحة بحفنة الزعماء الذي أداروا البلد لعقود طويلة، وهذا سيتطلب تفعيل الدبلوماسية وممارسة الضغط المتواصل. يجب أن يشعر هؤلاء الزعماء بالضغط الشديد، وهو ما نجحوا في تجنبه حتى الآن، لكن دون دفع البلاد نحو الهاوية.

حزب الله والجيش اللبناني

بينما سيؤدي أي انهيار اقتصادي بالتأكيد لإضعاف حزب الله نظرًا لتجذره العميق في المجتمع اللبناني الآن، غير أن الضرر الذي سيلحق به لن يكون مميتًا. ومثل الوكلاء الإيرانيين في أماكن أخرى في المنطقة، يزدهر الحزب وسط الفوضى وسيجد من دون شكل فرصًا جديدة لاستغلالها.

لكن الخطأ الأكبر سيكون اتخاذ خطوات تهدد مصداقية أو قدرة القطاع الأمني، لا سيما الجيش اللبناني. ولو كان هدف إدارة ترامب هو إشعال انتفاضة شعبية ضد حزب الله، فإن هذا سيفشل بكل تأكيد. في نقاشات على أعلى المستويات في الإدارة الأمريكية، من بينها اجتماعات مجلس الأمن القومي، أوضح مسئولون لبنانيون أن الجيش اللبناني لن يفعل شيئا من هذا النوع، وفي شهادته أمام الكونغرس في العام الماضي، قال "جيفري فيلتمان"، السفير الأمريكي السابق لدى لبنان: "ربما يسأل البعض في واشنطن إذا كان الجيش اللبناني الآن يستعد لمواجهة حزب الله عسكريًّا ونزع سلاحه بالقوة. هذا سيكون وصفة لحرب أهلية" مضيفًا أنه ينبغي للولايات المتحدة التفكير على المدى الطويل.

مَن سيملأ الفراغ في حال أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها للبنان؟

ليس سرًا أن الرياض وأبو ظبي ليستا مهتمتين بلبنان في هذه اللحظة. وليس سرًّا أيضًا أن روسيا والصين توسّعان دورهما في المنطقة مؤخرًا، إذ يعمل البلدان على القفز إلى أي منطقة تنسحب منها الولايات المتحدة، وبالرغم من أن هذين البلدين يواجهان في الوقت الحالي مشاكل داخلية، بداية من المشاكل الاقتصادية، وصولًا إلى تداعيات فيروس كورونا، بيد أن موقع لبنان الاستراتيجي والفرص التي يقدّمها بفضل قطاعه النفطي والغازي الوليد، هي عوامل محفزّة قوية.

في الواقع، هناك علامات على تزايد اهتمام البلدين بلبنان. واحدة من أكبر شركات الغاز الطبيعي الروسية هي جزء من مجموعة شركات فازت مؤخرًا بمناقصة لاستكشاف مخزونات بحرية محتملة قد تكون كبيرة وذلك بالنظر إلى الاكتشافات التي حدثت في المياه القريبة بالبحر المتوسط منذ عام 2009. من جهة أخرى، وربما يكون الأهم، هو توقيع شركة "روزنيفت" الروسية صفقة مدتها 20 عامًا مع الحكومة اللبنانية، تسمح للشركة بتوسيع وتشغيل منشآت تخزين نفطية بالقرب من الحدود مع سوريا. الصين هي الأخرى تزيد من انخراطها في لبنان. وقعت شركة "هواوي" مذكرة تفاهم مع الحكومة في السابع عشر من أكتوبر 2019 لإطلاق برنامج تدريبي خاص بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لطلاب الجامعات، يُعرف باسم "برنامج بذور المستقبل". كما كانت البنية التحتية أيضًا نقطة تركيز أخرى لبكين: عرضت "هواوي" تركيب إنترنت عالي السرعية في مطار بيروت العام الماضي، وقيل إن الصين اقترحت تطوير نظام خطوط السكك الحديدية المتهالك في البلاد.

لم يتحول لبنان بعد لقضية خاسرة، لكن الولايات المتحدة تحتاج لإدراك أنه ليس هناك حلول سريعة، وأن الاستثمار في هذا البلد هو توجّه طويل الأمد. لكن في حال قررت واشنطن وقف مساعداتها للبنان والانفصال عنه، ولو مؤقتًا، فإنها ستقدّم فرصة واضحة لبلاد مثل روسيا والصين المستعدتين للتقدم وملء الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة خلفها. 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا