معهد الشرق الأوسط: ما هي آفاق الطاقة في مصر؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

في صيف عام 2014 الحارق، واجه المصريون أزمة انقطاع التيار الكهربائي المتواصل لمدة تصل إلى ست ساعات في اليوم، وساعات انتظار طويلة في طوابير محطات الوقود التي تمتد أحيانًا عبر أحياء بأكملها، وتحملوا مئات الهجمات الإرهابية التي استهدفت البنية التحتية.

كانت محطات الطاقة تعمل بنسبة 70% فقط نتيجة نقص الإمدادات؛ ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، وتجاوز الاستهلاك الإنتاج، وعندما حولت الحكومة نسبة النفط والغاز المخصصة عادة للتصدير لتغطية العجز في السوق المحلية، تراكمت عليها ديون بمليارات الدولارات لشركات النفط العالمية. لم تكن أزمة الطاقة في 2013/2014 هي الأولى التي تواجهها مصر؛ كان مجرد الفصل الأخير في تاريخ مصر الطويل والمضطرب المتعلق بالطاقة.

وبعد ست سنوات، حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، كما أن لديها فائضًا في المعروض من الكهرباء، وسددت الدولة أكثر من 80% من ديونها النفطية الدولية. كما أن اكتشاف حقل ظهر، أكبر حقل غاز في البحر الأبيض المتوسط، عام 2015، جعل من مصر مكانًا جذابًا لاستثمارات الغاز، وقد أدى ذلك إلى زيادة استثمارات الغاز الطبيعي بنسبة 13.29٪ في السنة المالية 2017/2016.

كذلك تستثمر مصر الآن في الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث قامت بتنويع القطاع، ومن المتوقع أن تساعد في تمهيد الطريق للاستثمار والازدهار في المستقبل. وبفضل تحولها الناجح وموقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية الواسعة، مَوْضَعت مصر نفسها من جديد في مستوى مختلف، بدا مستحيلًا في صيف 2014، كمركز إقليمي للطاقة ليس فقط لأوروبا والشرق الأوسط، ولكن لأفريقيا أيضًا.

ومن المفيد التفكير في التحول الناجح لقطاع الطاقة في مصر مع تقييم موقف القطاع اليوم، وكيف سيتفاعل مع التحدي المزدوج لوباء كورونا العالمي وصدمة أسعار النفط.

 الإصلاح في جميع القطاعات

من عام 2014 إلى عام 2016، خضع قطاع الطاقة لإصلاحات واسعة النطاق شملت خفض دعم الطاقة مع تطوير حقل غاز ” ظهر” المكتشف مؤخرًا بسرعة. وفي يونيو 2016، أطلقت وزارة البترول والثروة المعدنية، مشروع تحديث النفط والغاز، الذي يهدف إلى تحرير سوق البترول، والأخذ بالتحديثات، وإعادة هيكلة الصناعة عبر سلسلة القيمة بأكملها لتلبية احتياجات القرن الحادي والعشرين. ومع تركيزه على الإصلاح على مستوى الوزارة، فقد أنشأ المشروع أيضًا نموذجًا جديدًا للقطاعات الأخرى لتحتذي به.

بعد بضعة أشهر، في نوفمبر 2016، وقّعت مصر اتفاقية قرض من صندوق النقد الدولي مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار تم تجميعها مع أجندة إصلاحية تركز على ثلاثة مجالات رئيسية: الإصلاحات النقدية والمالية والهيكلية.

وبشكل أكثر تحديدًا، تحولت مصر إلى نظام سعر صرف مرن. وشمل ذلك تعويم الجنيه، ما خفض قيمته بنسبة 50% بين عشية وضحاها.

أما من الناحية المالية، فقد خفضت مصر الدين العام من خلال خفض دعم الوقود مع توسيع الإنفاق على الفئات الضعيفة. ومن الناحية الهيكلية، نفّذت سياسات تركز على تبسيط العمليات البيروقراطية قدر الإمكان.

وقد أدى التقدم السريع في تنفيذ الإصلاحات واكتشافات الغاز الطبيعي الأخيرة إلى تجدد الاهتمام بين المستثمرين الأجانب بقطاع الطاقة في مصر، كما أدت الإصلاحات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر بنسبة 5.6% في السنة المالية 2019 مقارنة بـ 4.6% في السنوات الثلاث السابقة. وشملت التحسينات الإضافية “توليد فائض أولي قوي في الميزانية، وخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وتجديد الاحتياطيات الأجنبية”.

 مطلوب مزيد من الإصلاحات والإنجازات

من المهم التأكيد على أنه بينما حقق ما جرى تحقيقه نجاحًا كبيرًا، فإن المزيد من الإصلاح ضروري لمصر لتعظيم إمكاناتها، كما يجب التأكيد على أنه في حين أن نجاح الاقتصاد الكلي جدير بالثناء، إلا أنه لم يخلُ من المعاناة؛ ولهذا السبب أنشأت مصر، بدعم من البنك الدولي، برامج شبكات الأمان الاجتماعي مثل “تكافل” و”كرامة”.

و”تكافل” و”كرامة” هما برنامجان للتحويلات النقدية يهدفان لحماية المواطنين الأكثر فقرًا في مصر من الآثار الاقتصادية السلبية؛ حيث يحصل هؤلاء المواطنون على دفعة شهرية تتراوح من 325 جنيهًا إلى 450 جنيهًا مصريًّا (أي ما يعادل 20.70-28.65 دولارًا أمريكيًا).

وتدعم “كرامة” و”تكافل” نحو مليوني أسرة، أي ما يعادل 10 ملايين فرد، أو نحو 10% من سكان مصر.

في الوقت الذي أصبحت فيه مصر فعّالة في توليد الطاقة، هناك حاجة إلى مزيد من الإصلاح في قدرات النقل والتوزيع؛ فلا تزال شبكات النقل والتوزيع القديمة تسبب الانقطاعات، ولحل هذه المشكلة

استثمرت الحكومة 25 مليار جنيه مصري (1.6 مليار دولار) بين عامي 2019 و2020، كما أنها تخطط أيضًا لإنفاق 12 مليار جنيه مصري (760 مليون دولار أمريكي) خلال السنة المالية الحالية.

وتعمل الحكومة والقطاع الخاص على تحديث الشبكة الوطنية عن طريق زيادة خطوط النقل واستبدال الخطوط الهوائية بكابلات تحت الأرض ومد الشبكات إلى مناطق جديدة من الدولة.

وهذه التجديدات على الشبكة القومية ستعمل على تحسين نقل وتوزيع الكهرباء لجميع المصريين، ولكن الحكومة، بمساعدة القطاع الخاص، تخطّط لتتقدم خطوة بهذه التجديدات من خلال إنشاء شبكات ذكية تدمج التكنولوجيا الرقمية مع النظام الكهربائي التقليدي الحالي.

وستعمل الشبكات الذكية على زيادة الكفاءة إلى أقصى حد من خلال السماح بتخزين الطاقة، وبالتالي توفير الفرصة لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل أفضل.

وستوفر الشبكة الذكية أيضًا الموثوقية والمصداقية لدى المستهلكين من خلال العدادات الذكية الفردية؛ حيث يمكن تتبع استخدام الطاقة وتنظيمه.

 القطاع الخاص: النفط والغاز

يعد النفط والغاز من أكثر الصناعات ديناميكية في مصر، حيث إن إنتاج الهيدروكربونات هو أكبر صناعة منفردة في البلاد، ويمثل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019. وخارج دول الأوبك

تعد مصر أكبر منتج للنفط في أفريقيا، وواحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في القارة.

كان الإصلاح الأكثر نفوذًا هو فتح صناعة الغاز الطبيعي التي كانت تسيطر عليها الحكومة من قبل أمام القطاع الخاص؛ ما أدى إلى تحرير السوق وزيادة المنافسة.

محور الطاقة

تلعب مصر دورًا حيويًّا في قطاع نقل الطاقة العالمي؛ حيث تقوم بتشغيل قناة السويس وخط أنابيب السويس المتوسط (سوميد)، وهي طرق استراتيجية لنقل شحنات النفط الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي المسال القادمة من الخليج العربي متجهةً إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.

وبعيدًا عن قناة السويس وخط سوميد، فإن البنية التحتية للطاقة في مصر تعزز مكانتها كمركز للطاقة من خلال محطتي تسييل الغاز في إدكو ودمياط، حيث تصدر منها شحنات الغاز إلى الأسواق العالمية، فيما تشمل البنية التحتية الإضافية 19 محطة بترولية على طول البحر المتوسط وخليج السويس، و29 مرفقًا لمعالجة النفط، ووحدة تخزين عائمة لإعادة تحويل الغاز.

 منتدى غاز شرق المتوسط

ودعمًا لطموحاتها في أن تصبح مركزًا إقليميًّا للطاقة، أطلقت الحكومة المصرية منتدى غاز شرق المتوسط في يناير 2019. ضم المنتدى كلًا من مصر وإسرائيل وإيطاليا واليونان وقبرص والأردن والسلطة الفلسطينية، التي اجتمعت في القاهرة ووافقت على ميثاق المنظمة

وأنشأت منصة للتعاون في شرق البحر المتوسط في مجال الغاز الطبيعي.

وقد تأسس المنتدى رسميًّا كمنظمة حكومية دولية يوم 22 سبتمبر، بعد أن وقعت الدول الأعضاء ميثاقها وشاركت في حفل توقيع افتراضي.

 طاقة متجددة

وتماشيًا مع الجهود العالمية لتقليل استهلاك الوقود الأحفوري، تعمل مصر على تنويع مصادرها من الوقود لإنشاء محفظة طاقة أكثر كفاءة واستدامة.

وتهدف إلى الحصول على 20% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2022، و42% بحلول عام 2035، و55% بحلول عام 2050. وبحلول عام 2035، تهدف مصر إلى توفير طاقة الرياح بنسبة 14%، والطاقة المائية 2%، والطاقة الشمسية 25%.

وعلى غرار إصلاحات الغاز الطبيعي، من المتوقع أن يقدّم القطاع الخاص معظم طاقة الطاقة المتجددة هذه، كما أدت الإصلاحات إلى تحفيز مشاريع الطاقة المتجددة للقطاع الخاص.

 الطاقة الشمسية وطاقة الرياح

لطالما جذبت إمكانات الطاقة الشمسية في مصر، البلد المعروف بطقسها المشمس، المستثمرين في هذا المجال. ولكن نظرًا لأن البنية التحتية للطاقة الشمسية كانت باهظة الثمن تاريخيًّا، فقد اضطرت مصر إلى الاعتماد بشكل أساسي على الوقود الأحفوري لإضاءة مدنها.

ومع ذلك، ومع انخفاض أسعار مكونات الطاقة الشمسية في السنوات الأخيرة، تتطلع مصر إلى زيادة إنتاجها للطاقة من المصادر المتجددة بشكل كبير.

ويتكون مجمع “بنبان” للطاقة الشمسية، وهو مشروع ضخم للطاقة الشمسية في مصر، من أكثر من 32 مشروعًا للطاقة الشمسية على مساحة 36 كيلومترًا مربعًا من الصحراء المصرية في محافظة أسوان.

وسينتج أكثر من 2000 ميجاواط من الطاقة، والتي ستنير نحو مليون منزل وشركة. وبمجرد التشغيل الكامل، ستعمل المجمع الشمسي على خفض انبعاثات الكربون بمقدار مليونَي طن سنويًّا

وافتتحت المرحلة الأولى من الحديقة في فبراير، ويدير القطاع الخاص هذا المجمع الذي اجتذب أكثر من 2 مليار دولار من الاستثمارات.

كما تتجلى جهود مصر لتحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة من خلال محطة كوم أمبو للطاقة، وهي مشروع آخر للطاقة الشمسية قيد التنفيذ حاليًا في أسوان.

وستتألف المحطة من ألواح شمسية مزدوجة الجوانب، ومن المتوقع أن تكتمل أعمال البناء في أوائل عام 2021، وبمجرد تشغيلها، ستلبي المحطة احتياجات الكهرباء لـ 130 ألف منزل.

كذلك تمتلك مصر أيضًا موارد طاقة رياح وفيرة، خاصة في خليج السويس ووادي النيل، وقد زادت من قدرتها الإجمالية لتوليد طاقة الرياح من خلال مزارع الرياح في الزعفرانة وجبل الزيت والغردقة.

وقد بدأ بناء محطة جديدة لطاقة الرياح، غرب بكر في خليج السويس، في وقت سابق من هذا العام.

ومن المتوقع أن تنتج المحطة نحو 250 ميجاواط من الطاقة؛ ما يزيد طاقة الرياح بنسبة 18%. ويتم بناء محطة الرياح هذه بالتعاون مع ليكيلا مصر، حيث من المقرر أن يبدأ العمل بها في عام 2021.

 الصدمة المزدوجة

في الأشهر الأخيرة، تأثرت المنطقة بصدمتين رئيسيتين: جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط.

فقد أدى انهيار أسعار النفط، جنبًا إلى جنب مع انتشار الوباء، وعمليات الإغلاق، واضطرابات سلاسل التوريد، إلى أدنى طلب على النفط في التاريخ. وبسبب هذه الأسعار المنخفضة، أوقفت الشركات متعددة الجنسيات أهداف الاستثمار مؤقتًا.

ستخفف الإصلاحات التي اتخذتها مصر سابقًا والاحتياطيات الدولية الكبيرة من بعض تأثير جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط على التصنيف الائتماني للبلاد؛ فيما يتوقع الخبراء إمكانية ملء تدفقات رأس المال الخارجة بالسيولة عبر العملات الأجنبية على المدى القصير.

إن مصر تواصل تبني عملية الإصلاح الناجح كما يتضح من علاقتها مع صندوق النقد الدولي؛ فقد وقّعت على اتفاقيتي قرض بقيمة إجمالية قدرها 8 مليارات دولار: أداة تمويل سريع بقيمة 2.8 مليار دولار، والاتفاقية الاحتياطية بقيمة 5.2 مليار دولار.

وقد ساعدت كلتا الاتفاقيتين في تعزيز الاحتياطيات الأجنبية لأول مرة منذ أربعة أشهر منذ أن ضرب فيروس كورونا الاقتصاد المصري.

كما تأثرت ثقة المستثمرين، حيث باعت الحكومة سندات اليوروبوندز وأذون الخزانة غير المسبوقة للمستثمرين الأجانب، وكل هذه العوامل مجتمعة، أدت إلى عكس الجنيه المصري لاتجاهه السابق بالانخفاض.

ومع وجود قطاع الطاقة على قمة الأولويات، شقت مصر طريقها من خلال تحول اقتصادي صعب ومثمر، غير أنها لم تصل بعد إلى غايتها النهائية؛ حيث إن المطلوب مزيد من الإصلاح والتكيف في الأفق، وهما عاملان ضروريان لنجاح مصر في المستقبل، ومن الصعب تحديد الشكل الذي سيبدو عليه العالم ومصر بالضبط في مواجهة “الوضع الطبيعي الجديد” لفيروس كورونا، لكن من الأفضل القول إنه من غير المحتمل أن تنطفئ الأضواء في أي وقت قريب.

للاطلاع على الموضوع الأصلى .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا