مع بعض الاختلافات… مالي هى أفغانستان بالنسبة لفرنسا

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية
المصدر – warontherocks
ترجمة – آية سيد

في مقالة افتتاحية حديثة في صحيفة لوموند الفرنسية, يعقد الصحفي الفرنسي كريستوف أياد مقارنة بين العمليات العسكرية الفرنسية في مالي -التي ستبلغ عامها الخامس في شهر يناير- والتدخل الأمريكي في أفغانستان. للوهلة الأولى، المقارنة مقنعة، وببعض الطرق المهمة, دقيقة. مع هذا, يحمل هذان التدخلان اختلافات جوهرية تجعل حالة أفغانستان مستعصية أكثر من حالة مالي, وتمنح سببًا للتفاؤل في فرنسا.

تتعلق حُجة أياد بمسار الحربين والمأزق الظاهري الذي يجد الجيشان الأمريكي والفرنسي نفسهما فيه. يلاحظ أياد أنه في كلتا الحالتين الهجوم الخاطف أفسح المجال لمكافحة تمرد طاحنة. لا يستطيع المرء في أي من الحالتين أن يتبين بديلًا لمواصلة دفع الغالي والنفيس لدعم حكومات تعمل باستمرار بطرق تتعارض مع المنطق أو الاستراتيجية الجيدة.

في الواقع, يستطيع المرء أن يلوم تلك الحكومات, مثلما يفعل الكثير من النقاد, لكن أياد يصر على عجز الجيوش الغربية عن فعل المطلوب منهم فعله في بلاد مثل أفغانستان ومالي. إنه يجادل بأنهم لا يملكون "التفويض, أو الكفاءة, أو المؤهلات اللازمة لإعادة إعمار الدول التي يتدخلون بها." إنهم "لا يعرفون ماذا يفعلون" وعليهم الاختيار بين الاختباء في الخنادق لمنع وقوع خسائر بلا فائدة وفي نفس الوقت يصبحون جيش احتلال, أو شن غارات لتخويف العدو مع المخاطرة بالتعرض لحوادث وأفخاخ مثل تلك التي أودت بحياة أربعة جنود أمريكيين في النيجر في شهر أكتوبر. إن "ربح القلوب والعقول" من خلال العمليات المدنية-العسكرية يُفترض أن يكون خيارًا ثالثًا, لكن أياد يصر على أن هذه ليست مهمة الجنود, "مثلما رأينا في أفغانستان, حيث تم إهدار عشرات المليارات من الدولارات بلا جدوى."

أياد محق إلى حد كبير. تبدو كل من الولايات المتحدة وفرنسا عالقتان في حروب مستعصية, ومحبطتان بسبب العبث الظاهري لجهودهما المضنية. علاوة على هذا, الحكومتان الأفغانية والمالية تتحمل جزءًا كبيرًا من المسئولية عن فشل الحربين. كلاهما بددا النوايا الحسنة التي منحها لهما شعبيهما من خلال التجاوزات, والفساد وعدم الكفاءة. في أكثر الأحيان يبدو قاداتهم غير مهتمين بمحاولة الفوز, أو غير مدركين لأنهم لا يفعلون شيئًا (على الرغم من أنه في هذا السياق يعتبر الرئيس الأفغاني الحالي أشرف غني تحسنًا كبيرًا عن سلفه, حامد كرزاي). والنتيجة النهائية في كلا البلدين هي أن الموقف يزداد سوءًا, ولا يوجد سبب للتفكير بأن واشنطن أو باريس لديهما خطة جيدة لقلب مجريات الأمور.

مع هذا, توجد بعض الاختلافات المهمة بين الحالتين والتي تمنح بصيصا من الأمل للفرنسيين. أولًا, بالرغم من تأكيد أياد على أن القوات الغربية غير مؤهلة, يعرف الجيش الفرنسي في مالي جيدًا البيئة التي يعمل بها والأشخاص الذين يتعاملون معهم. إن الجيش الفرنسي متورط في المنطقة منذ القرن التاسع عشر, وعلى الرغم من أن أنشطته تغيرت تغيرًا كبيرًا (من الاحتلال إلى التدريب والنصيحة), هذا التدخل شبه المستمر مده بالمعرفة عن البشر والتضاريس وهو الشيء الذي افتقدته الولايات المتحدة في أفغانستان. في حين أن هذه المعرفة بعيدة كل البعد عن المثالية وتأتي ببعض الأعباء -في صورة تصورات عن الاستعمارية الجديدة والامتعاض من الفرنسيين دائمي التواجد- إلا أن منحنى التعلم أقل انحدارًا بالنسبة للجنود والقادة الفرنسيين من نظرائهم الأمريكيين.

ثانيًا, تستفيد فرنسا من قدرتها على العمل مع ومن خلال الأجهزة الأمنية لمالي وجيرانها, الحلفاء في المعركة. المقاتلون في مالي يعبرون الحدود بصورة متكررة, لكن أينما يذهبون, يكون عليهم مواجهة الأجهزة الأمنية التي تنسق بفاعلية مع الفرنسيين. إن تعزيز هذا التنسيق هو أحد أهداف خطة فرنسا لتطوير "قوة جي 5 الساحل" المشتركة والتي تعتمد على جيوش بوركينا فاسو, والتشاد, ومالي, وموريتانيا, والنيجر.

ثالثًا, لا توجد باكستان في الساحل. لا توجد دولة تمد المقاتلين الإسلاميين بالدعم ومنافع الملاذ الآمن, لا يوجد مفسد إقليمي لإثارة الصراع في اتجاهات يراها نافعة له. لقد انتهى دور ليبيا كقوة عازمة على فرض سياسة في دول الساحل مع سقوط القذافي, على الرغم من أن آثار الوضع الداخلي الفوضوي لتلك الدولة مازال يؤثر على جميع أنحاء المنطقة. يتلاشى دور الجزائر تدريجيًا جنبًا إلى جنب مع رئيسها البالغ 80 عامًا من العمر. وعلى أية حال, في حين أن كلاهما تنافسا في الماضي على الهيمنة الإقليمية وشجعا في بعض الأحيان الاضطراب لدفع مصالحهما, لم يتسامح أي منهما مع المسلحين الإسلاميين، وهو النقيض من دور باكستان في تمكين المتمردين الأفغان.

هل هذه الاختلافات كافية للفرنسيين لكي يساعدوا في قلب الوضع؟ الأهم هو أن نفهم أولًا ما الذي تحاول فرنسا تحقيقه في مالي, وكيف تأمل أن تنهي تدخلها. إن استراتيجية الخروج الفرنسية الشائعة هي تسليم الوضع لبعثة أممية, بمجرد أن ترسي قدر يسير من الاستقرار. في مالي, الأمم المتحدة متواجدة بالفعل من خلال "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" لحفظ السلام لكنها كانت تتكبد خسائر فادحة -مما منحها لقب "البعثة الأكثر خطورة في العالم"- في بيئة لا يوجد بها الكثير من السلام لحفظه. وبالتالي فرنسا, مثل الولايات المتحدة في أفغانستان, سيكون عليها التركيز على تنمية قدرات قوات الأمن المحلية على أمل إنها ستعتمد على نفسها في يوم من الأيام.

إن شكوى أياد المتعلقة بأن القوات الغربية ليست ماهرة في بناء الدول تبدو صحيحة. أنها ليست بارعة في ذلك. بغض النظر, في كل من أفغانستان ومالي سيتطلب النصر أكثر بكثير من الجهود العسكرية. ينبغي أن تكون هناك حلول سياسية, وتنمية اقتصادية, وحوكمة محسنة بشكل كبير. الفرنسيون يعلمون هذا. أنهم يصرحون علانية بأن استراتيجيتهم تعتمد على ثلاثة محاور وهي الأمن, والسياسة, والتنمية. التحدي هو المتابعة وتجاوز التصريحات السياسية؛ تميل فرنسا, مثل الولايات المتحدة, للتركيز على الأمور العسكرية بالرغم من السياسة الرسمية لأن المحور الأمني أقل تعقيدًا أو على الأقل أسهل بالنسبة لكثير من الحكومات لكي تعمل عليه.

هذا يأخذنا إلى اختلاف جوهري آخر بين الحربين. فرنسا لديها الكثير على المحك, نظرًا للعلاقة المباشرة بين الاستقرار في الساحل ورخاء فرنسا نفسها. دول الساحل هي الفناء الخلفي لفرنسا. والجماعات الإرهابية في الساحل تهدد فرنسا تهديدًا مباشرًا. إن الاضطراب السياسي والاقتصادي في المنطقة يغذي أزمة اللاجئين. فرنسا أيضًا لديها مصالح اقتصادية في المنطقة، بالإضافة إلى عدد ضخم من المواطنين المقيمين هناك (8 آلاف في مالي وحدها). الولايات المتحدة, على النقيض, واجهت تهديدًا مباشرًا في أفغانستان من تنظيم القاعدة, لكن ليس بالضرورة من باقي المسلحين في أفغانستان. إن الفشل في إرساء الاستقرار في مالي -وبشكل عام, في منطقة الساحل- قد يكون له تداعيات جوهرية على فرنسا.

إن المخاطر الأكبر لا تُترجم بالضرورة إلى فرصة نجاح أعلى, وإنما تجعل فرنسا مرجحة أكثر لتحقيق هذا النوع من الجهد الشامل طويل الأمد الذي يحتاجه النجاح. على الجانب الآخر, فرنسا, على عكس الولايات المتحدة, تفتقر للموارد اللازمة لإجراء "طفرة" وتصارع من أجل الحفاظ على مستوى الالتزام الحالي, الذي يقف عند 4 آلاف تقريبًا. لا يمكن لفرنسا أن "تعود للوطن," ولا يمكنها أن "ترفع العدد" أيضًا. في حربها على الإرهاب, تحارب فرنسا على جبهتين – مالي وأرض الوطن, حيث ينتشر ما يصل إلى 10 آلاف جندي (وهو ما يساوي, بالإضافة إلى الـ4 آلاف في الساحل, حوالي 20 في المائة من قوة الانتشار الفرنسية البالغة 77 ألف) لتأمين مواقع وأحداث حساسة. يجب أن يعتمد خروج فرنسا من مالي على حلول جديدة – سياسية أكثر من عسكرية, ومعقدة أكثر من بسيطة تراهن على جهد فاشل. هذه الحاجة للإبداعية ربما تكون هي الحل لتجنب أفغانستان جديدة.
 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا