من الكفاح ضد الاستعمار إلى “الاستقالة”.. بوتفليقة يكتب السطر الأخير في رحلته

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

بعد احتجاجات غير مسبوقة، وضغوط يومية مستمرة منذ الثاني عشر من فبراير الماضي، استجاب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أخيرًا لنداء الشارع، مقدما استقالته.

وقد أخطر الرئیس الجزائري عبد العزيز بوتفلیقة رسمیاً، رئیس المجلس الدستوري بقراره إنھاء عھدته بصفته رئیساً للجمھورية.

وجاء قرار الاستقالة بعد دقائق بعد بيان ناري للفريق، أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الجزائري، رئيس أركان الجيش يدعو فيه إلى استقالة ثورية طبقا للمادة 102 من الدستور، على أساس عجز الرئيس، بل وصف فيه قايد صالح بعض المحيطين بالرئيس الجزائري بـ”العصابة” !!.

وكان بيان صادر من رئاسة الجمهورية الجزائرية، أمس الإثنين، أكد أن بوتفليقة، سيستقيل قبل نهاية عهدته، وكان من المفترض أن تنتهي العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة يوم 28 أبريل/نيسان، وذكر البيان الرئاسي حينها أن “بوتفليقة ، وبعد تعيينه للحكومة الجديدة يوم 31 مارس 2019، سيتولى إصدار قرارات هامة طبقاً للأحكام الدستورية بقصد ضمان استمرارية سير مؤسسات الدولة أثناء الفترة الانتقالية التي ستنطلق اعتباراً من التاريخ الذي سيقرر فيه استقالته”.

فيما عبّر الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، عن أمله في أن يعم الخير للشعب الجزائري، مشيراً إلى أن استقالته جاءت تعبيراً عن الإيمان بجزائر عزيزة كريمة.

وقال بوتفيلقة في رسالة للشعب الجزائري عقب استقالته رسمياً من منصبه، “اقدمت على استقالتي لتجنب انزلاقات وخيمة”.

مضيفاً “إنهاء عهدتي جاء لتهدئة نفوس المواطنين وعقولهم”، وأوضح بوتفليقة أن قرار الاستقالة جاء من منطلق صلاحياته الدستورية وللدخول في مرحلة انتقالية.

حياة حافلة

ولد عبد العزيز بوتفليقة يوم 2 مارس/اذار 1937 من أب وأم جزائريين، في مدينة وجدة المغربية، عاش وترعرع في وجدة إلى أن أنهى دراسته الثانوية، وفي سنة 1956، تخلى عن الدراسة ليلتحق، في سن التاسعة عشرة، بجيش التحرير الوطني لمقاومة الاحتلال الفرنسي للجزائر حيث خدم في الولاية التاريخية الخامسة (منطقة وهران) وكلف بمهام بعضها على الحدود الجزائرية المالية. ومن ثمة بات يعرف باسمه الحربي “عبد القادر المالي”.

وبعد استقلال الجزائر سنة 1962، تخلى عبد العزيز بوتفليقة عن مساره العسكري برتبة رائد، وانضم إلى حكومة بن بلة بحقيبة الشباب والرياضة والسياحة في سن الخامسة والعشرين. وبعد بضعة أشهر، عين وزيرا للشؤون الخارجية في سن السادسة والعشرين.

وكان حينها أصغر وزير خارجية سنا في العالم حين تولى المنصب إثر وفاة أول وزير خارجية للجزائر بعد الاستقلال، محمد خميستي، سنة 1963.

في 18 يونيو/حزيران 1965، قرر بن بلة إقالته من وزارة الخارجية، وفي اليوم التالي، حدث الانقلاب العسكري الذي نفذه وزير الدفاع آنذاك، هواري بومدين، في ما بات يعرف بـ”التصحيح الثوري”، وعاد بوتفليقة إلى منصبه الذي لم يفارقه إلا بعد أربعة عشر عاما.
وقد ذاع صيت بوتفليقة في الدوائر الدبلوماسية العالمية خصوصا فيما خص دعم الحركات المطالبة بالاستقلال في العالم، وفي حركة عدم الانحياز.

وقد ترأس، باسم بلاده، الدورة التاسعة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974. وخلال تلك الدورة، صادقت الجمعية العامة القرار 3236 الذي يؤكد حقوق الشعب الفلسطيني.

المنفى

بعد وفاة الرئيس هواري بومدين سنة 1978، وتولي الشاذلي بن جديد رئاسة الجمهورية، بدأت متاعب بوتفليقة مع الحكم في الجزائر. في سنة 1979، سحبت منه حقيبة الخارجية، وعين وزيرا للدولة دون حقيبة. في سنة 1981، طرد من اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، كما طرد هو وعائلته من الفيلا، التابعة للدولة، التي كان يشغلها في أعالي العاصمة الجزائرية. في نفس السنة، غادر عبد العزيز بوتفليقة الجزائر، ولم يعد إليها إلا بعد ست سنوات.

في 8 أغسطس/آب 1983، أصدر مجلس المحاسبة حكما يدين بوتفليقة باختلاس أموال عمومية تتجاوز قيمتها ستين مليون دينار جزائري آنذاك. ووردت الاتهامات بالتفصيل في قرار مجلس المحاسبة الذي نشر في جريدة المجاهد الرسمية يوم 9 أغسطس/آب 1983.

بعد ست سنوات قضاها بين عواصم أوروبية ودول الخليج، بعدها عاد بوتفليقة إلى الجزائر سنة 1987 بضمانات من الرئيس الشاذلي بن جديد بعدم ملاحقته. وشارك في المؤتمر السادس لحزب جبهة التحرير الوطني سنة 1989 وانتخب عضوا في لجنته المركزية.

العشرية السوداء

مع دخول الجزائر في “العشرية السوداء”، استقال الرئيس الشاذلي بن جديد وعوضت رئاسة الجمهورية بهيئة مؤقتة سميت المجلس الأعلى للدولة ترأسها محمد بوضياف. في نفس السنة، اقترح على بوتفليقة سنة 1992 منصب وزير مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة، ثم منصب مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة، لكنه رفض العرضين، كما رفض عرضا آخر سنة 1994 بتولي منصب رئيس الدولة.

الرئيس بوتفليقة

ثم تولى عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجزائر سنة 1999 بعد قرابة عقدين قضاهما بعيدا عن الحكم في بلاده.

حيث تقدم بوتفليقة كمرشح مستقل للانتخابات الرئاسية إثر استقالة الرئيس اليامين زروال وقد خاض الانتخابات مرشحا وحيدا تحت شعار “جزائر آمنة مستقرة”، وهو شعار اختزل برنامجه السياسي.

وعد بإنهاء العنف الذي اندلع إثر إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية سنة 1991 والتي فازت بالأغلبية فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

وقد فاز بوتفليقة، بدعم من الجيش وحزب جبهة التحريرالوطني، برئاسة الجمهورية بنسبة 79 في المئة من أصوات الناخبين.

في أبريل/نيسان 2004، فاز بوتفليقة بولاية ثانية بعد حملة انتخابية شرسة واجه خلالها رئيس الحكومة السابق علي بن فليس. وفي أبريل/ نيسان 2009، أعيد انتخاب عبد العزيز بوتفليقة لولاية ثالثة بأغلبية 90.24 في المئة. جاء ذلك بعد تعديل دستوري سنة 2008 ألغى حصر الرئاسة في ولايتين فقط، ما لقي انتقادات واسعة، واعتبر أنه مؤشر على نيته البقاء رئيسا مدى الحياة.

المرض

في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، تعرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لوعكة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى العسكري الفرنسي “فال دوغراس” حيث أجرى عملية جراحية تتعلق بقرحة معدية، وفي 27 من أبريل/نيسان 2013، أصيب بوتفليقة  بجلطة دماغية، نقل على إثرها إلى المستشفى الفرنسي نفسه.

وبقي بوتفليقة في المستشفيات الفرنسية إلى يوم عودته إلى الجزائر في 16 يوليو/تموز 2013 على كرسي متحرك.

ورغم معاناته مع المرض، ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة سنة 2014 وفاز بها بنسبة 81.53 في المئة من الأصوات بعد حملة انتخابية أدارها بالنيابة عنه أعضاء الحكومة ومسؤولون حزبيون.

وفي فبراير 2016، صادق البرلمان الجزائري على تعديل دستور آخر عاد فيه بوتفليقة إلى تحديد رئاسة الجمهورية في ولايتين على الأكثر، وتعالت أصوات الأحزاب الداعمة له، خصوصا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي، للترشح لولاية خامسة في انتخابات 2019.

وعلى الصعيد الشخصي، لم يتزوج عبد العزيز بوتفليقة ولم يخلف أبناءً.

ربما يعجبك أيضا