مواجهة كورونا تستنزف الاقتصاد الصيني وتعرقل سوق العقارات

بسام عباس

بالنسبة للزعيم الصيني، شي جين بينج، فإن الحفاظ على الشرعية أمر حيوي أكثر من أي وقت مضى.. فهل يضحي بالنمو الاقتصادي من أجل ذلك؟


تعاني الصين مشاكل اقتصادية حادة، بعد توقف النمو وارتفاع معدل البطالة إلى مستوى قياسي، وانهيار سوق الإسكان، فضلًا عن أزمات سلاسل التوريد.

وبحسب تقرير لشبكة “سي إن إن” الأمريكية نشرته، يوم الجمعة 9 سبتمبر 2022، ازداد الوضع سوءًا بسبب تمسك بكين بسياسة صارمة بشأن مكافحة فيروس كورونا المستجد، ولا يوجد ما يشير إلى أن الوضع سيتحسن هذا العام.

عمليات الإغلاق واستنزاف الاقتصاد الصيني

منذ أواخر أغسطس، أغلقت السلطات الصحية الصينية ما لا يقل عن 74 مدينة، ما أثر في أكثر من 313 مليون نسمة، وفقًا لحسابات “سي إن إن” المستندة إلى الإحصاءات الحكومية. في حين قدّر بنك “جولدمان ساكس”، الأسبوع الماضي، أن المدن التي تأثرت بعمليات الإغلاق تمثل 35% من الناتج المحلي الإجمالي للصين.

وتُظهر القيود الأخيرة موقف الحكومة الصينية المتصلب في القضاء على كوفيد-19 بأشد تدابير الرقابة، على الرغم من الأضرار التي تسببها عمليات الإغلاق المتكررة على الاقتصاد.

مواجهة الفيروس ضمان لشرعية الحكومة

يرى الزميل البارز المختص بالشؤون الصينية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، كريج سينجلتون، أن بكين مستعدة لاستيعاب التكاليف الاقتصادية والاجتماعية التي تنبع من سياسة صفر كورونا، لأن البديل، المتمثل في العدوى المنتشرة مع العلاج في المستشفيات والوفيات، يمثل “تهديدًا أكبر لشرعية الحكومة”.

وتوقع كبير الاقتصاديين في مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية المحدودة، ريموند يونج، أن يستمر الاقتصاد الصيني في التدهور خلال الأشهر المقبلة، وأضاف أن الحكومات المحلية ستكون أكثر ميلًا لإعطاء الأولوية للقضاء على انتشار الفيروس، مع اقتراب مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم.

وبالنسبة للزعيم الصيني، شي جين بينج، فإن الحفاظ على الشرعية أمر حيوي أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا أنه يطمح إلى اختياره لولاية ثالثة غير مسبوقة، عندما يجتمع الحزب الشيوعي، الشهر المقبل، في أهم مؤتمر له خلال عقد من الزمن.

 الأولوية للسياسة قبل الاقتصاد

أوضح كريج سينجلتون أنه من غير المرجح أن تشهد السياسة الصينية تحولات رئيسة قبل مؤتمر الحزب الحاكم، ولكنه توقع انفتاحًا في سياسات معينة في أوائل 2023، بعد ضمان المستقبل السياسي لشي جين بينج، لافتًا إلى أن بكين اعتبرت سياساتها الخاصة بعدم وجود كوفيد-19 دليلاً على قوة الحزب، وقيادة شي جين بينج.

وما زالت بكين تلتزم بنهجها الصارم تجاه الفيروس من خلال الحجر الصحي القسري، والاختبارات الإلزامية الجماعية، والإغلاق المفاجئ، وهي سياسة اعتبرت ناجحة في المرحلة المبكرة من الوباء، حين أعلن شي، في العام 2020، أن نجاح الصين في احتواء الفيروس كان دليلًا على “تفوق” الحزب الشيوعي على الديمقراطية الغربية.

«صفر كورونا» ليس خيارًا

وأوضح تقرير شبكة “سي إن إن” أن التخلي عن برنامج “صفر كورونا” لا يبدو خيارًا بالنسبة للرئيس الصيني الذي شدد هذا العام على هزيمة الفيروس بدلًا من إنقاذ الاقتصاد، ففي رحلته إلى مدينة ووهان، يونيو الماضي، قال إن الصين يجب أن تحافظ على سياسة عدم انتشار فيروس كورونا.. على الرغم من أنها قد تضر بالاقتصاد”.

وفي اجتماع للقيادة في يوليو، أعاد تشي التأكيد على هذا النهج، وحث المسؤولين على النظر في العلاقة بين الوقاية من الفيروس والنمو الاقتصادي “من وجهة نظر سياسية”.

الاقتصاد الصيني نحو مزيد من التعثر

أطلقت الحكومة الصينية سلسلة من الإجراءات التحفيزية لتعزيز الاقتصاد المتعثر، بما في ذلك حزمة تريليون يوان كشفت عنها الشهر الماضي، لتحسين البنية التحتية وتخفيف نقص الطاقة.

وقال ريموند يونج إن الحكومة الصينية تحاول تحقيق “أفضل نتيجة ممكنة” للنمو الاقتصادي والوظائف، مع التمسك بسياسة صفر كورونا، ولكن “من الصعب جدًا تحقيق التوازن بين الهدفين”، وأنه من غير المرجح أن نرى الاقتصاد الصيني يكرر النمو المرتفع السابق البالغ 5.5% أو 6% خلال العامين المقبلين.

مؤشرات التراجع

تشير البيانات الأخيرة إلى أن الاقتصاد الصيني ربما يتجه نحو مزيد من الانخفاض في الربع الثالث من 2022. ولم يرتفع الناتج المحلي الإجمالي إلا بنسبة 0.4% فقط في الربع الثاني مقارنة بالعام السابق، وتباطأ على نحو حاد من النمو البالغ 4.8% في الربع الأول.

وأظهرت استطلاعات الرأي الرسمية والقطاع الخاص التي صدرت الأسبوع الماضي انكماش الصناعة التحويلية في الصين خلال أغسطس للمرة الأولى في 3 أشهر، في حين تباطأ نمو الخدمات.

ارتفاع البطالة وتباطؤ سوق العقارات

أظهرت معظم البيانات الحديثة أن معدل البطالة بين الصينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق عند 19.9% في يوليو، وهو الشهر الرابع على التوالي الذي يحطم فيه الأرقام القياسية، ما يعني أن الصين لديها الآن قرابة 21 مليون عاطل عن العمل في المدن، في حين لم تشمل الأرقام الرسمية البطالة في المناطق الريفية.

وقال ريموند يونج إن “القضية الأكثر إثارة للقلق هي الوظائف”، مضيفًا أن بطالة الشباب ربما ترتفع إلى 20% أو أكثر، في حين يرجح اقتصاديون آخرون مزيدًا من فقدان الوظائف هذا العام.

ويعدّ التباطؤ المتزايد في سوق العقارات عائقًا رئيسًا آخر، فهذا القطاع، الذي يمثل ما يصل إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي، أصيب بالشلل بسبب حملة حكومية منذ عام 2020 لكبح الاقتراض المتهور وكبح تجارة المضاربة، حتى أصبحت أسعار العقارات منخفضة للغاية، وتراجعت مبيعات المنازل الجديدة.

ربما يعجبك أيضا