مودرن دبلوماسي | ما بين طالبان وداعش خراسان.. تهديدات جديدة تواجه أفغانستان وباكستان

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لقد ذُهل العالم من استيلاء طالبان السريع على أفغانستان، فقد كان جيش الحكومة الأفغانية السابقة أكبر بأربعة أضعاف من جيش طالبان، ولكن العالم رأى كيف استسلم الجيش الأفغاني لحركة طالبان في وقت قصير. وذلك يرجع إلى التغاضي عن – أو التقليل من – أهمية جيش طالبان الصغير والشرس من المقاتلين الملتزمين بالقضية، ذلك الجيش ذو الموارد المالية الضخمة، والدعم اللوجستي من الدول ذات التفكير المماثل في المنطقة. ويبدو أن طالبان ستستمر في تعزيز جيشها وزيادة مواردها المالية طالما أنها تحكم البلاد، ما يخلق تهديدًا مستمرًا ليس فقط لمستقبل أفغانستان ولكن أيضًا على المنطقة والعالم الغربي.

وإضافة إلى ذلك، كثف تنظيم داعش – خراسان هجماته في أفغانستان. وقد كان هذا التنظيم من أكثر التنظيمات الإرهابية دموية في العالم في عام 2019، وكشفت هجماته في أكتوبر 2021 أنه سيشكل تهديدًا في المنطقة.

من ناحية أخرى، فإن حركة طالبان باكستان، والمتمركزة على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، كانت جماعة نشطة أخرى في أفغانستان وباكستان. وهي تشارك بنشاط في الهجمات الإرهابية في كلا البلدين، وقدمت برامج تدريبية لطالبان في أفغانستان، واستهدفت الجيش الأفغاني السابق في المقاطعات الشرقية المتاخمة لباكستان.

 * طالبان

فتح المجاهدون الذين قاتلوا ضد احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان دون قصد الباب أمام طالبان لدخول أفغانستان ما بعد الاحتلال. ودُرِّبَ هؤلاء المجاهدون المقاتلون في معسكرات تمولها باكستان والمملكة العربية السعودية والدول الغربية. وعندما انتهت الحرب في عام 1989 وانسحبت القوات السوفيتية، تجاهل العالم الغربي هؤلاء المقاتلين على الرغم من جهودهم لإنهاء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان. ومن هنا بدأ المجاهدون، دون أن يثنيهم الازدراء، في الانتقال إلى مناطق جهادية أخرى في العالم، مثل البوسنة وكوسوفو، للانضمام إلى حروب تواجه فيها المجتمعات المسلمة اضطهاد الحكومات المختلفة.

مع خروج كل من الاتحاد السوفيتي والمجاهدين من أفغانستان، دخلت البلاد في أتون حرب أهلية ضروس. وبعد عامين، بدأت مليشيا تسمى حركة طالبان في جذب انتباه العالم، والتي درس العديد من أعضائها في مدارس دينية محافظة في أفغانستان وعبر الحدود في باكستان. وكان بعض أعضاء هذه الحركة قد قاتلوا في السابق كمجاهدين ضد السوفييت. وحرصًا على نشر أيديولوجيتها، رأت طالبان فرصتها في أفغانستان. لقد سئم الشعب الأفغاني الاشتباكات والحرب العِرقية وانعدام القانون بشكل عام في بلاده. ومن الشمال حيث زحفت من قندهار وعبر مقاطعات أخرى على طول الطريق، استولت طالبان في النهاية على العاصمة كابول في عام 1996. أعلنت حركة طالبان على الفور أفغانستان إمارة إسلامية وبدأت في فرض رؤيتها الصارمة للشريعة الإسلامية.

وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة، وسعيها إلى إلقاء القبض على زعيم القاعدة “أسامة بن لادن”، الذي كان يختبئ في أفغانستان برعاية طالبان، التي لم تسلمه، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى غزو أفغانستان، وفي غضون شهرين، تم طرد طالبان من السلطة وتم تشكيل حكومة مؤقتة جديدة.

بعد ثلاث سنوات، أصبح لأفغانستان دستور جديد، وانتخب “حامد كرزاي” رئيسًا للبلاد، ودعمت الولايات المتحدة الزعيم الأفغاني الجديد منذ البداية، لكن هذا الدعم لم يكن كافيًا لإنهاء الاشتباكات بين طالبان والحكومة الأفغانية. وأعادت حركة طالبان تجميع صفوفها وعملت على طرد الأجانب من البلاد وفي النهاية عادت طالبان لتحكم البلاد من جديد، فمع انسحاب الولايات المتحدة لقواتها من أفغانستان في نهاية أغسطس 2021، تمكنت طالبان أخيرًا من تحقيق هدفها. ولكن في غضون ذلك، أسفرت الاشتباكات بين طالبان والحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة عن مقتل أكثر من 40 ألف مدني أفغاني، وما لا يقل عن 64 ألف جندي وشرطي أفغاني، وأكثر من 3500 جندي دولي. وذهبت جهود الولايات المتحدة على مدى عشرين عامًا لإنشاء وتطوير دولة ديمقراطية في المنطقة، سدى دون تحقيق النتائج المرجوة.

* القدرة العسكرية والمالية لطالبان

لا تزال القدرة المالية لطالبان قوية، على الرغم من تجميدإدارة بايدن مليارات الدولارات من الاحتياطيات الأفغانية بعد سيطرة طالبان على البلاد. كان الهدف من هذا الإجراء حرمان حركة طالبان من الأموال؛ ومع ذلك، تمكنت طالبان من تحقيق قدر كبير من الإيرادات من مانحيها الدوليين، والدول التي ترعى المنظمة ومشاركتها في أنواع مختلفة من الاتجار والتهريب، ونظام جباية الضرائب. ولعل أهم مصادر الدخل هذه هو تهريب المخدرات، وهو النشاط الذي جعل من طالبان واحدة من أغنى المنظمات الإرهابية في العالم. فوفقًا للأمم المتحدة، حققت طالبان في عام 2019 حوالي 1.5 مليار دولار من زراعة خشخاش الأفيون وإنتاج الميثامفيتامين. وتعد زراعة الأفيون مصدرًا رئيسيًّا للعمالة في المنطقة، حيث توفر أكثر من 120 ألف فرصة عمل للعمال للحصاد. والمزارعون الذين يوظفون هؤلاء العمال مطالبون بدفع 10٪ ضريبة زراعة على أرباحهم لطالبان. ووفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2018، يشكل إنتاج الأفيون ما يصل إلى 11% من الاقتصاد الأفغاني.

وقد بذلت طالبان أيضًا جهودًا كبيرة لحماية المزارعين الذين يلعبون دورًا أساسيًا في توفير مصدر دخل مربح. فعلى سبيل المثال، عندما اشتكى المزارعون المحليون من قوات إنفاذ القانون والعسكريين الذين كانوا يتصدون لجماعات المخدرات، استهدفت طالبان تلك الجماعات للحد من إجراءات فرض القانون التي تتخذها ضد المزارعين.

وبالإضافة إلى تجارة المخدرات، يوفر التعدين وتجارة المواد عائدات سنوية تبلغ 464 مليون دولار لطالبان. كما أدى قطع الأشجار غير القانوني، الذي يوفر عائدات لطالبان، إلى تدمير غابات البلاد، ما قلّل من عدد الهكتارات بنحو 60% مقارنة بالمساحة التي كانت موجودة قبل الغزو السوفيتي في عام 1979.

* داعش خراسان في أفغانستان

بالإضافة إلى طالبان، ارتكبت شبكة حقاني وداعش خراسان وطالبان باكستان العديد من الهجمات الإرهابية في أفغانستان. وترتبط شبكة حقاني بعلاقات وثيقة مع القاعدة وتعمل كجسر بين القاعدة وطالبان. ونظرًا إلى أن المصادر الإعلامية أبلغت عن هجمات شبكة حقاني تحت اسم طالبان، فليس من الواضح عدد الهجمات الإرهابية التي نفّذتها شبكة حقاني. ومع ذلك، فمن المعروف أنها كانت تنشط في كابول.

وينبغي أن يحظى تنظيم داعش خراسان في أفغانستان باهتمام أكبر مما حظي به، فقد كان مسؤولًا عن تفجيرات في كابول أسفرت عن مقتل 13 من أفراد الخدمة الأمريكية وأكثر من 170 مدنيًّا أفغانيًّا. وأعلن تنظيم داعش عن تشكيل فرعه في خراسان في عام 2015 وعين “حافظ خان”، المقاتل السابق في حركة طالبان باكستان، قائدًا له. وعلى الفور بايعت الحركة الإسلامية في أوزبكستان تنظيم داعش خراسان وأعلنت أنها جزء من ولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش. كما جنّد تنظيم داعش خراسان منشقين عن طالبان للانضمام إلى صفوفه. ويعد تنظيم داعش خراسان وطالبان عدوَّين لدودَين لا يمكن التوافق بينهما. وقد أدى العداء بين الجماعتين إلى العديد من الاشتباكات في إطار تنافسهما على السيادة.

إن قدرة داعش في خراسان على العمل على المستوى الإقليمي وعبر الوطني، وكوادره من المقاتلين الأجانب من أوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، جعل التنظيم أكثر تهديدًا للأفغان والغربيين على حدٍّ سواء. وقد أثبت تحقيق في ألمانيا، على سبيل المثال، قدرة التنظيم، ودفع الحكومة الألمانية إلى توجيه الاتهام إلى أربعة مواطنين طاجيك مرتبطين بداعش بالتخطيط لمهاجمة منشآت عسكرية تابعة للولايات المتحدة وحلف الناتو.

والآن بعد أن استولت طالبان على أفغانستان، من المنطقي أن نفترض أن داعش ستتاح لها فرصة لكسب دعم الفئات المناهضة لطالبان بينما تجد في الوقت نفسه صعوبة في صد مقاتلي طالبان المجهزين تجهيزًا جيدًا والذين يحتفظ زعيمهم بمقر السلطة الحكومية في أفغانستان.

* حركة طالبان باكستان

حركة طالبان باكستان هي جماعة متمردة أخرى متحالفة مع البشتون ومقرها في باكستان. وعلى عكس طالبان أفغانستان، صنَّفت وزارة الخارجية الأمريكية حركة طالبان باكستان رسميًّا على أنها منظمة إرهابية أجنبية.

ونفّذت حركة طالبان باكستان سلسلة من الهجمات المميتة وأعلنت مسؤوليتها عنها. ففي ديسمبر 2009، استهدفت الحركة قاعدة عسكرية أمريكية في أفغانستان؛ ما أسفر عن مقتل سبعة مواطنين أمريكيين. وفي ديسمبر 2014، أعلنت الحركة مسؤوليتها عن هجوم مدرسة بيشاور الذي أسفر عن مقتل 150 شخصًا، من بينهم طلاب.

وتتمتع طالبان باكستان بعلاقات قوية مع تنظيم القاعدة الذي يعتمد عليها لتوفير ملاذ آمن على طول الحدود الباكستانية الأفغانية. وبعد سيطرة طالبان على أفغانستان، تصاعدت الهجمات على أفراد الأمن والمدنيين في باكستان، وسجلت بوابة الإرهاب في جنوب آسيا 240 حادثًا من بينهم 191 مدنيًّا و190 من أفراد قوات الأمن في باكستان.

وقد يؤدي استيلاء طالبان الأفغانية مؤخرًا على أفغانستان واتفاقية الدوحة إلى تشجيع الجماعات المسلحة الأخرى، مثل حركة طالبان باكستان، على محاولة التفاوض مع الدولة للوصول إلى السلطة. وعلى الرغم من وجود هدنة مؤقتة، ربما تؤدي المفاوضات إلى وضع حد لانعدام الأمن في البلاد خلال هذا الوقت، فقد كان هناك تاريخ من اتفاقيات السلام الفاشلة في المنطقة في السنوات الماضية، مثل مفاوضات السلام في 2014 بين طالبان باكستان والحكومة الباكستانية، بالاتفاق على إنهاء العنف ضد أفراد الأمن والمدنيين. وكانت محادثات السلام التي استمرت ثمانية أشهر محاولة فاشلة.

إن التحدي الرئيسي في محادثات السلام هو عدم قدرة طالبان باكستان على التنازل عن أيديولوجيتها. ففي عام 2014، وافقت الحركة على عرض باكستان بإجراء محادثات سلام؛ ومع ذلك، رفضت الجماعة التنازل عن أيديولوجيتها لتطبيق تفسيرها للشريعة في جميع أنحاء البلاد.

وفي الختام، لا ينبغي أن يكون مفاجأة لأي شخص تمكن طالبان من الاستيلاء على أفغانستان بهذه السرعة، حيث من الواضح أنها تتمتع بالقوة العسكرية وتمتلك الموارد المالية. وطالبان هي مثال على كيف أنه من المستحيل كسب حرب ضد منظمة لديها جيش قوي وموارد مالية هائلة. ومن ناحية أخرى، خلقت الفراغات الأمنية في أفغانستان أرضية مواتية لحركة طالبان باكستان وداعش خراسان، لتشكيل تهديد لطالبان وباكستان والعالم الغربي من خلال ارتكاب الهجمات الإرهابية.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا