موسكو تايمز: ترامب يريد اتفاقًا نوويًّا.. لماذا هذا خبر سيئ لموسكو؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

أعلنت الولايات المتحدة أنها بصدد تجديد المفاوضات مع روسيا حول الحد من الأسلحة النووية، حيث أدلى مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين ببيان حمل هذا المعنى في فوكس نيوز يوم 21 مايو. جرى التوصل لاتفاقية لعقد اجتماع بين الوفود الروسية والأمريكية حول الاستقرار الاستراتيجي يوم 8 مايو خلال محادثة هاتفية بين نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف والمبعوث الرئاسي الخاص الأمريكي المعني بالحد من التسلح، مارشال بيلينجسلي.

قد تبدو هذه أخبار سارة لموسكو، التي سعت طويلًا لعقد محادثات حول مد معاهدة خفض الأسلحة (ستارت، التي تنتهي في 5 فبراير 2021). غير أنه بالحكم حسب الإشارات القادمة من واشنطن حول التوجهات الحقيقية للإدارة تجاه المحادثات القادمة، فإن احتمالية تحقيق أي نوع من الاتفاق تقترب من الصفر، باستثناء اتفاقية فنية تقوم على تمديد قصير الأجل (6-12 شهر) لمعاهدة ستارت لتسهيل استمرار المفاوضات حول معاهدة جديدة. لكن حتى هذا أيضًا ليس مضمونًا.

حوار حصري

إن السيناريو الأكثر واقعية هو الانهيار النهائي لبنية الحد من التسلح وخسارة قناة التواصل الروسية المرموقة مع الولايات المتحدة. على مدار الـ30 سنة الأخيرة، ظل نظام الاتفاقيات الخاصة بالحد من التسلح النووي المتوارث من زمن الحرب الباردة هو الصيغة الوحيدة التي تمتلك فيها روسيا مكانة مكافئة تمامًا لمكانة الولايات المتحدة.

هذا عزز دور روسيا الحصري في السياسة العالمية كمنافس وحيد للولايات المتحدة بمكانة متساوية وأهمية حاسمة لبقاء البشرية. كافح القادة السوفيت والروس دائمًا (بسذاجة) من أجل المكانة الحصرية للعلاقات المتكافئة مع الولايات المتحدة، التي لم تتمتع بها أي قوة عالمية أخرى.  

وكما أوضح المؤرخ سيرجي رادشينكو مؤخرًا، في مايو 1973 شارك ليونيد بريجنيف سرًا مع هنري كيسنجر رؤيته بأن “إذا كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي استطاعتا الاتفاق على شراكة متكافئة، كنا سنحكم العالم”. وفي 1994 أخبر بوريس يلتسين بيل كلينتون أن روسيا “يجب أن تكون أول من ينضم للناتو، قبل بلدان وسط وشرق أوروبا، ثم ستشكل روسيا والولايات المتحدة نوعًا من الاتحاد لتوفير الأمن في أوروبا والعالم”.

إن هدف “الشراكة الحصرية” مع الولايات المتحدة هو أيضًا هدف المبادرة الاستراتيجية لفلاديمير بوتين لتنظيم قمة للحد من التسلح للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ومحاولات لإحياء “روح التحالف” بين روسيا والولايات المتحدة التي تعود لزمن فيلم “Encounter at the Elbe.” 

لقد سمح نظام الاتفاقيات الثنائية حول الأسلحة النووية لموسكو أن تتحدث عن “المسئولية الخاصة لروسيا والولايات المتحدة عن مصير العالم”.

هذا رفع من دور روسيا الجيوسياسي ومنع محاولات اللاعبين الآخرين لعزل موسكو أو معاقبتها على تدخلها في المشكلات الدولية الأخرى. بالطبع، ترسانة روسيا النووية هي من تقف وراء هذه المكانة المرموقة، لكن عامل الحوار الحصري مع الولايات المتحدة لم يمنح موسكو مقومات إضافية فحسب، بل خلق أيضًا فرصًا معينة للتأثير على موقف واشنطن في جوانب أخرى من علاقاتهما.

وعادةً ما تتخذ موسكو نهجًا هادئًا نسبيًّا تجاه انهيار الاتفاقيات متعددة الأطراف لعصر الحرب الباردة وتنسحب منها (اتفاقية القوات المسلحة التقليدية في أوروبا).   

لكن إذا لم يتم تمديد معاهدة ستارت، أو إذا جرى استبدالها بنوع من نظام المفاوضات متعددة الأطراف (تريد الولايات المتحدة إدراج الصين، وفي تلك الحالة ستصر موسكو على إدراج المملكة المتحدة وفرنسا بصفتهم حلفاء للولايات المتحدة، لكي تمنع إمكانية الصيغة متعددة الأطراف)، فإن قناة التعاون الحصرية هذه مع الولايات المتحدة ستتآكل وستفقد قيمتها كوسيلة لدفع المصالح الروسية.

مأزق الصين

من هذا المنظور، من الواضح تبين أنه لماذا لم ترض موسكو عن المبادرة الأمريكية لدعوة الصين إلى المحادثات حول استبدال معاهدة ستارت الثنائية باتفاقية ثلاثية جديدة.

حيث لم تثمر عدة جولات من المشاورات بين روسيا والولايات المتحدة في 2019 وبداية 2020 عن أي نتائج، ولا محاولات الولايات المتحدة للتشاور مع بكين في قضية توقيع الصين على اتفاقية ثلاثية لخفض الأسلحة النووية.

ومن المستحيل حاليًا فهم كيف يمكن أن تبدو هذه الاتفاقية، حيث إن الولايات المتحدة وروسيا يمتلكان إجمالًا حوالي 6 آلاف رأس حربي نووي (أقل من 1550 منها مُستخدم في صواريخ استراتيجية طبقًا لمعاهدة ستارت)، وتمتلك الصين 320 رأسًا حربيًّا نوويًّا غير مُستخدم (نصفهم فقط للصواريخ الاستراتيجية).

سيتعين على روسيا والولايات المتحدة إما تخفيض ترساناتهما إلى المستويات الصينية (وهو أمر غير واقعي)، أو السماح للصين برفع عدد رؤوسها الحربية إلى المستويات الروسية – الأمريكية. هذا لن يناسب موسكو وواشنطن، على الرغم من أنه من المرجح أن الصين سترفع ترسانتها الاستراتيجية على أية حال مع مرور الوقت، بهدف العمل على تهميش روسيا في الحوار النووي مع الولايات المتحدة.

وكشف مارشال بيلينجسلي مؤخرًا النقاب عن رؤية واشنطن للاتفاقية، حيث يجب أن تشمل كل أشكال الرؤوس الحربية النووية، الاستراتيجية وغير الاستراتيجية (تمتلك روسيا نحو 1800 رأس حربي غير استراتيجي؛ والولايات المتحدة تمتلك حاليًا العشرات في أوروبا، لكن صواريخ كروز النووية التي تُطلق من الغواصات ربما تعاود الظهور قريبًا. وتمتلك الصين عشرات الرؤوس الحربية للصواريخ متوسطة وقصيرة المدى). يُوصى أيضًا باستخدام الطرق التطفلية، مثل التفتيش حيث يكون هناك أسباب للشك، وتوفير مجموعة بيانات حصرية للقياس عن بُعد.

إن الحالة المؤسفة لمشهد الحد من التسلح المتداعي هي نتيجة لانعدام كفاءة إدارة ترامب وتهورها الشديد.

كان ترامب قلقًا بشكل شخصي من تهديد الحرب النووية لثلاثين عامًا ويعتقد أنه وحده يقدر على عقد صفقة كبرى والتي ستنقذ البشرية من كارثة وتمنحه جائزة نوبل للسلام (في منتصف الثمانينيات، حاول إقناع رونالد ريجان بتعيينه كبير مفاوضين حول الحد من التسلح وكان متحمسًا للقاء مع جورباتشوف، لكن ريجان رفض).  

لكن على الرغم من هذا، كانت إدارته ممتلئة دائمًا بمعينين سياسيين من خصوم الحد من التسلح.

ومن الأمثلة على ذلك مستشار الأمن القومي جون بولتون ومساعده، مدير مجلس الأمن القومي تيم موريسون، الذي أصر على انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى (في 2001، أقنع بولتون جورج بوش الابن بالانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية). هذا ينطبق أيضًا على نائبة وزير الخارجية للحد من التسلح أندريا تومسون ومساعدها كريستوفر فورد، الذي أصر على أنه لا معنى لاتفاقية حول الحد من التسلح “من أجل الحد من التسلح فقط. ومارشال بيلينجسلي، الذي يفتقر لمهارات التفاوض المهمة في هذا المجال (إنه متخصص في العقوبات المالية)، هو أحد المعارضين للحد من التسلح.

إجمالًا، إدارة ترامب لا تمتلك ما يكفي من المختصين المؤهلين (واتفاقية الأسلحة النووية أمر مُعقد بشدة ومُستهلك للوقت، حيث تتطلب مشاركة مجموعة كبيرة من الخبراء).

مع هذا، ترامب مقتنع شخصيًّا بأنه هو الوحيد القادر على إبرام الاتفاقية الشاملة حول نزع السلاح النووي، وأن كل ما يحتاج لفعله هو التفاوض على المسألة مع فلاديمير بوتين وشي جين بينج.

غير أن ترامب لا يملك أدنى فكرة عن كيف ينبغي أن تبدو هذه الاتفاقية، وحتى الآن لا يستطيع التفاخر بأي نجاح في إبرام الاتفاقيات حول الأسلحة النووية (على سبيل المثال، مع زعيم كوريا الشمالية كيم يونج أون).  

في هذا الموقف، موسكو في وضع أفضل للعب بهدوء ورفض الأفكار الغريبة لترامب وشركائه، وإظهار الكرملين المفرط لاهتمامه بتمديد معاهدة ستارت حث الولايات المتحدة على وضع شروط مسبقة غير مقبولة.

يجب أن يؤخذ في الاعتبار عامل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر؛ فإذا أُعيد انتخاب ترامب، سيكون هناك وقت كافٍ قبل انتهاء مدة معاهدة ستارت لإبرام اتفاقية ذات مدة قصيرة، أما إذا ربح جو بايدن والحزب الديمقراطي، فسوف تُستأنف المحادثات بسرعة بطريقة أكثر مهنية والتزامًا، وسيتم الحفاظ على التعاون الروسي – الأمريكي الحصري في الحد من التسلح في المستقبل القريب. وفي النهاية، يجب أن ننتظر ونرى.
 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا