ناشيونال إنترست | التسلح ببطء.. كيف تقوم اليابان بزيادة قدراتها العسكرية تدريجياً؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

قررت اليابان, التي دائمًا ما كانت مسالمة, أن تسرّع إنفاقها الدفاعي وتبدأ بفاعلية في الاستعداد، هذه ليست مفاجأة. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء شينزو آبي سعى طويلًا لنقل اليابان من السلمية إلى ما يسميه "دولة طبيعية"، إلا أن صواريخ كوريا الشمالية وعدوانية الصين في المحيط الهادئ لم تكن ستترك الكثير من الخيارات أمام طوكيو على أية حال.

وفي حين تصاعد الإنفاق بصورة ضخمة, وكذلك أيضًا التخطيط، استجابت طبيعة التعزيز للضغوط الأخرى من حليفها الكبير, الولايات المتحدة, التي ترغب في أن تشتري اليابان المزيد من المعدات الأمريكية, ومن الضروريات الديموغرافية والتكنولوجية التي تواجه تلك الأمة.

والآن, وبعد حوالي اثنين وسبعين عامًا من إصدار دوجلاس ماكارثر توجيهات بكتابة دستور اليابان المهزومة في ذلك الحين, لا تزال الوثيقة تقيد مساحة الدولة للمناورة، بيد أنه لا يمكن أن يتجاوز الإنفاق 1,0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ورغم أن المحاسبة الذكية تتيح مساحة للمناورة, تفرض هذه القاعدة قيدًا صارمًا، لا سيما بجانب الصين والولايات المتحدة, التي تنفق كل منهما أكثر من 3,0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأكبر بكثير على الدفاع. ولأن الدستور يشدّد على الدفاع بصورة حصرية, فإنه يشكّك بشكل طبيعي في أية استعدادات لاستعراض القوة, وأبرزها نية وزارة الدفاع لبناء حاملتي طائرات وربما نشر قوات برية يابانية خارج البلاد، فيما يحظر الدستور أيضًا على اليابان الدخول في أية اتفاقيات دفاع مشتركة.

وعلى الرغم من التحالف طويل الأمد بين اليابان والولايات المتحدة, إلا أنها لا يمكنها تقديم المساعدة لأمريكا إذا, مثلًا, هوجمت قاعدة أمريكية في آسيا، كافح رئيس الوزراء آبي من أجل تغيير الدستور وحصل على امتيازات, لكنه يظل قيدًا.

مع هذا, توضح طلبات وزارة الدفاع لميزانية 2019 الاهتمام العسكري الجديد، وفقًا لوثائق نُشرت في سبتمبر, تطلب وزارة الدفاع 5,3 تريليون ين (48 مليار دولار) للنفقات الدفاعية الكلية, وهو ما يمثّل زيادة 7,2 في المائة عن ميزانية 2018، ولا شك أن قفزة كهذه ستكون جديرة بالملاحظة في أية دولة, لكنها جديرة بالملاحظة على نحو خاص في اليابان, حيث كان الإنفاق الدفاعي فيما سبق ينمو بنسبة كسور في العام، وسوف تعزز الخطط الخمسية هذا المستوى المرتفع من الإنفاق، مع هذا, الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو التخصيص المقترح لهذه الأموال، وتعكس كل نقطة فيما يلي الضغوط المختلفة على اليابان:

وجود كوريا الشمالية هو على الأرجح الأكثر وضوحًا، حيث تؤكد وثيقة الميزانية على "الردع"، الذي يقف دون شك وراء قرار تحديث القدرة الحربية الإلكترونية لطائرات إف-15 المقاتلة اليابانية وشراء ست مقاتلات إف-35 إيه من لوكهيد مارتن، في الوقت الذي تدعو الخطط الجديدة إلى شراء 147 من هذه المقاتلات الحديثة على مدار السنوات القليلة القادمة, وهو عدد أكبر من الخطة الأصلية لشراء اثنتين وأربعين منها، أما الضغط الأمريكي فهو واضح أيضًا في هذا القرار, حيث إنه سيحول دون شراء مقاتلات إف-2 المطوّرة محليًا.

وحسب كلمات أحد المحللين الأمنيين اليابانيين, ماساهيرو ماتسومورا, "يجري التضحية بالصناعة الدفاعية اليابانية لصالح الهدف السياسي الذي يرمي إلى الحفاظ على العلاقات اليابانية – الأمريكية الجيدة". والأمر الآخر الأقل إثارة للجدل لكنه يستهدف بوضوح التهديد الكوري الشمالي هو أن الميزانية تدعو إلى تحديث اليابان لقدرة الإنذار المبكر المحمول جوًا وإنفاق 300 مليار ين تقريبًا (2,7 مليار دولار) لنشر منظومتي أيجيس المضادة للصواريخ (Aegis Ashore) وغيرها من أجهزة اعتراض الصواريخ المصنوعة في الولايات المتحدة.

لكن إجراءات مواجهة الصين في البحر غالبًا تصنع قائمة أطول. وبالطبع, تشكّل تحديثات طائرات إف-16 وإف-35 نوعًا من الرد على الصين، والشيء الموجه أكثر هو خطط وزارة الدفاع لشراء طائرات آر كيو – 40 جلوبال هوك بدون طيار, وتمويل الأبحاث لتطوير أجهزة مراقبة غير مأهولة لمسافات طويلة تحت الماء, وتعزيز الثقل البحري عن طريق شراء المزيد من الصواريخ المضادة للطائرات والذخيرة المضادة للطوربيدات، بالإضافة إلى المزيد من الصواريخ التي تُطلق من بُعد معين عن الهدف.

تدعو الخطط أيضًا إلى بناء غواصة جديدة تهدف, بحسب وثائق ميزانية وزارة الدفاع, إلى "الاستشعار, إلخ". (إلخ هنا تشير بلا شك  إلى القدرات الهجومية التي ربما تثير مشكلات دستورية.)

تمتلك اليابان أيضًا خططًا لبناء مدمرتين مدمجتين متعددتي الأغراض والتي يمكنها أيضًا كسح الألغام، وسوف ترفع القوة المصاحبة للأسطول إلى أربعة وخمسين سفينة، وهو تحديث كبير عن الماضي.

الأمر الأكثر إثارة للجدل من وجهة النظر الدستورية هو الجهود الأخرى التي سوف تمكن الجيش من استعراض القوة،و تُلزم اليابان تجاه حلفائها، حيث تسعى وزارة الدفاع إلى شراء سفينة صهريجية لكي تدعم القوات البحرية في البحر, وهو تصريح واضح بأن القوة البحرية اليابانية قد تجاوزت الدفاع الساحلي.

تطلب الوزارة أيضًا شراء طائرة نقل سي-2 جديدة وست مروحيات يو إتش- إكس التي تهدف بشكل خاص للانتشار السريع. أيضًا, تطلب ميزانية تدريب لإعداد القوات البرية اليابانية للانتشار في أماكن أبعد؛ فيما تسعى الوزارة أيضًا إلى إعادة تجهيز حاملة مروحيات موجودة على مدار الأعوام القليلة المقبلة لكي تحمل بعض مقاتلات إف-35 الجديدة ثم بناء حاملة ثانية؛ وبحسب بعض التفسيرات, هذا يخالف بوضوح قيود الدفاع عن النفس في دستور اليابان, على الرغم من أن رئيس الوزراء ووزارة الدفاع صاغوا الطلبات ضمن البنود الدفاعية، وفيما قد يُشكل مخالفة أكبر للدستور, طلبت الوزارة امتيازات لإتاحة اندماج أكبر للقيادة, والسيطرة, والتخطيط الياباني مع الحلفاء, الولايات المتحدة والهند وأستراليا ودول آسيان, بعبارة أخرى تلك الدول التي تحاول الحد من التوسع الصيني.  

بعيدًا عن هذه الإجراءات المضادة الواضحة تجاه كوريا الشمالية والصين, أكدت وزارة الدفاع أيضًا على الحاجة للتحديث، فقد خصصت أموالًا لتأسيس ما يُعرف في الولايات المتحدة بقيادة دفاع سيبرانية وبحث الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي.

وفي سياق متصل, خصصت الوزارة أموال تطوير لتركيب منظومات حماية للأقمار الصناعية اليابانية, والتي تشمل تليسكوب بصري يُحدد بواسطته الأجسام الطائرة بالجوار، كما خصصت أيضًا 2,7 مليار ين (24 مليون دولار) للعمل مع الولايات المتحدة على ما تسميه "الوعي الدولي بالفضاء السحيق". هذه الجهود لا تحظى فحسب بالمزيد من الاحتياجات؛ بل تؤكد وثائق الميزانية على أن الجيش سيساعد اليابان في التعامل مع معدل المواليد المنخفض والعجز الناتج في عدد الأشخاص الذين يستوفون شروط السن للالتحاق بالجيش.

إن أحد الجوانب الأخرى لهذا الجهد هو سعي الوزارة لإلحاق المزيد من النساء بالجيش.  

وحتى لو لم يصل كل "ين" إلى المكان المحدد له, من الواضح أن اليابان ستبدأ في تغيير المعادلة الأمنية بغرب المحيط الهادئ في المستقبل القريب، وإذا نجح آبي في تعديل الدستور كما هو مُخطط, فإن التغيير سيحدث دون شك بوتيرة متسارعة، وسوف يغير هذا حسابات واشنطن، وستلاحظ بكين أيضًا ذلك بالتأكيد.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا