«ناشيونال إنترست»: بوتين يخوض حربًا تقليدية طويلة الأمد في أوكرانيا

رنا أسامة

طوال الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فراير الماضي، لجأ الكرملين إلى تكتيكات هجينة لتعظيم الدمار وزرع مزيد من المعلومات المضللة لاستنفاد أوكرانيا، فما أبرزها؟


في رد لا يحظى بشعبية في الداخل الروسي، أمر الرئيس فلاديمير بوتين بتعبئة مئات آلاف جنود الاحتياط، إثر انتكاساته بأوكرانيا.

وقال المحاضر بكلية الدراسات العليا البحرية الأمريكية، سكوت جاسبر، إن تعبئة بوتين تصقل استراتيجية القتال الروسية التي تهدف إلى استنزاف أوكرانيا والإضرار بقواتها وبنيتها التحتية، بخسائر تجاوزت 108 مليارات دولار.

استفتاءات الضم والتلويح بالنووي

بعد وقت قصير من مرسوم التعبئة، وقع بوتين معاهدات لضم 4 مناطق تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، بموجب استفتاءات وصفتها كييف بأنها زائفة ومنظمة تحت تهديد السلاح. وقال الكرملين إن أي هجوم أوكراني على تلك الأراضي سيعد هجومًا على روسيا.

وفي خطاب متلفز، ألمح الدب الروسي أيضًا إلى استخدام أسلحة نووية، بقوله “سنحمي أراضينا بكل السبل المتاحة لدينا”، وأشار إلى أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي استخدمت النووي، مدعيًا أن قصف هيروشيما وناجازاكي “يمثل سابقة”.

انتهاك وتصعيد

في مقال نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية يوم 7 أكتوبر 2022، قال جاسبر إن إطلاق تهديدات نووية وانتهاك القانون الدولي بضم مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا، إجراءات روسية تمثل تصعيدًا حادًّا يتجاوز استخدام القوة التقليدية.

ومع ذلك، رأى أن الإجراءات الروسية تتوافق مع المفهوم الاستراتيجي لمنظمة حلف شمال الأطلنطي (ناتو) لعام 2022، الذي يقر بأن “الاتحاد الروسي يستخدم وسائل تقليدية وإلكترونية ومختلطة ضدنا وضد شركائنا”.

التهديد المختلط

يعرف “الناتو” التهديد المختلط بأنه نوع من التهديدات “يجمع بين أنشطة تقليدية وغير منتظمة وغير متكافئة زمانيًّا ومكانيًّا”. ويشير مركز “التميز للاتصالات الاستراتيجية” التابع للحلف، إلى أن التهديد المختلط له أنماط عدة.

ومن بين تلك الأنماط تهديدات القوة، والتلاعب بالقانون الدولي، وبث معلومات مضللة، وشن هجمات سيبرانية، والضغط الاقتصادي، والابتزاز بالطاقة، وتخريب بنى تحتية.

حرب كلاسيكية

في حين أن روسيا تخوض، بما لا يدع مجالًا للشك، حربًا كلاسيكية بأوكرانيا، بقوات برية وقوة نيران ثقيلة لتدمير عدوها، نوه جاسبر في مقاله بأن بوتين يستخدم كل تقنيات قواعد اللعبة المختلطة في محاولة مروعة لتحقيق أهدافه.

وفيما تستمر الحرب الروسية الأوكرانية منذ أكثر من 8 أشهر، لفت جاسبر إلى أن روسيا استخدمت وسائل غير متكافئة لمضاعفة العواقب النفسية للحرب، في وقت زعم فيه سيد الكرملين أن الضربات الروسية تستهدف أهدافًا عسكرية حصريًّا.

قصف وتقويض

أشار جاسبر إلى أن روسيا شنت هجمات صاروخية، بعد انتكاساتها في ساحة المعركة بأوكرانيا، على الرغم من أنها ليس لها جدوى عسكرية فورية، بهدف تقويض الروح المعنوية للشعب والحكومة الأوكرانيين، حسب ما قالت وزارة الدفاع البريطانية.

ومن أبرز الهجمات الروسية التي استشهد بها جاسبر، قصف موقع محطة طاقة نووية في جنوب أوكرانيا، ذلك الهجوم الذي أضر بمحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية، وقطع الكهرباء عن آلاف المواطنين.

12 ضربة صاروخية يوميًّا

قصفت روسيا سد “كريفي ريه”، مسقط رأس الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وهو ما تسبب في ارتفاع منسوب مياه نهر إنهوليتس ودخول المياه بعض المنازل.

ويأتي ذلك في حين تحتفظ روسيا بالقدرة على إطلاق أكثر من 12 ضربة صاروخية يوميًّا، لتقويض الوظائف الحيوية بأوكرانيا مع حلول فصل الشتاء.

تضليل روتيني

أشار جاسبر إلى أن أي استهداف لمواقع مدنية بأوكرانيا يتبعه روتينيًّا، معلومات مضللة، وعلى سبيل المثال، بعد القصف الروسي لمستشفى للولادة بماريوبول في مارس، زعمت موسكو أن المشفى كان خاليًا ومستخدمًا كقاعدة لميليشيات أوكرانية.

وادعى وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، حينها، أن صور الحامل الأوكرانية المصابة، التي قضت لاحقًا، وهي تحاول مغادرة المستشفى، كانت مفبركة.

دبابات روسية

المثال الأفظع

بعد أسبوع على قصف المستشفى، دمرت غارة عسكرية روسية مسرح الدراما في ماريوبول بدعوى احتضانه كتيبة آزوف الأوكرانية، بيد أن أفظع مثال على التضليل الروسي، بحسب المقال، هو الحريق الذي شب بمركز احتجاز أولينيفكا بدونيتسك في يوليو، وقتل أكثر من 50 سجينًا أوكرانيًّا.

وزعمت موسكو أن كييف استخدمت راجمة الصواريخ سريعة الحركة “هيمارس” وفي المقابل، ألقت أوكرانيا باللوم، في تفجير مركز الاحتجاز، على مجموعة “فاجنر” غير النظامية، وهي شركة عسكرية خاصة يديرها الأوليجارشي الروسي الملقب بـ”طباخ بوتين”، يفجيني بريجوجين.

تكتيكات هجينة

بحسب جاسبر، عملت جهات إلكترونية فاعلة روسية، وهي مصدر آخر للمعلومات المضللة، على تقويض الإرادة الأوكرانية وقدرتها على مواصلة القتال بتكتيكات هجينة، من بينها شن هجمات سيبرانية.

وفي هذا الصدد، أشار جاسبر إلى أن الأوكرانيين تلقوا قبل أسبوع من بدء الحرب الروسية الأوكرانية، رسائل نصية قصيرة مزيفة تدعي أن أجهزة الصراف الآلي معطلة، بغية خلق حالة من البلبلة والذعر.

هجمات تعطيلية

في الوقت نفسه، طالت هجمات إلكترونية تعطيلية، تعرف باسم “هجمات الحرمان من الخدمات”، مؤسسات حكومية ومصرفية أوكرانية، أدت إلى تدمير أجهزة الصراف الآلي لمدة ساعة. وألقى البيت الأبيض حينها باللوم على مديرية المخابرات الرئيسة في روسيا.

وفي اليوم السابق للحرب، أطلقت وحدة عسكرية روسية، تُعرف باسم “الدودة الرملية”، ما يسمى هجمات “ممسحة البرمجيات الخبيثة”، استهدفت وكالات حكومية وكيانات بنية تحتية حيوية في أوكرانيا.

تسليح الطعام

بالإضافة إلى هذه التكتيكات الهجينة، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، إن “بوتين يسلح الطعام حرفيًّا”. في يوليو، فأبرمت كييف وموسكو صفقة لإلغاء حظر موانئ البحر الأسود، لتصدير ملايين الأطنان من الحبوب، من أجل تخفيف أزمة الغذاء العالمية.

ولكن بعد 24 ساعة فقط، استهدفت سفن حربية روسية البنية التحتية لميناء أوديسا بصواريخ “كاليبر”، وزعمت وزارة الدفاع الروسية عقب الهجوم أن منشآت الحبوب كانت تخزن صوارخ زودت بها الولايات المتحدة أوكرانيا.

أرقام مضللة

في سبتمبر، روَّج بوتين لأرقام مضللة، تزعم أن البلدان النامية تحصل على 3% فقط من الحبوب التي تصدرها أوكرانيا، مهددًا بتقييد صادرات الحبوب الأوكرانية إلى أوروبا.

ومع ذلك، قالت الأمم المتحدة إن 30% من الحبوب جرى شحنها إلى الدول منخفضة الدخل المتوسط. وبعد أيام، عاودت روسيا روتينها القسري وهاجمت أوديسا بمسيرات إيرانية من طراز “شاهد -136 كاميكازي”.

نتائج عكسية

استخدم الرئيس بوتين الطاقة كسلاح أيضًا، وقطع إمدادات الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1” لإلحاق الألم بالأوروبيين، أملًا في إثارة معارضة أوروبية للعقوبات على روسيا ورفع الدعم عن أوكرانيا، وقطع الغاز الروسي كان له تأثير قاسٍ على شركات تصنيع عديدة.

ولكن قامرة بوتين بالغاز أتت بنتائج عكسية، على ما يبدو، حيث تتعاون فيه الحكومات لتعزيز إمدادتها من الطاقة. ومع ذلك، لا يزال يوجد خطر شديد على المدى القريب من نقص الطاقة إذا جاء الشتاء قارسًا وطويلًا على نحو غير مسبوق.

حرب طويلة الأمد

بالعودة إلى قرار التعبئة الجزئية التي أعلنها بوتين لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، خلص جاسبر إلى أن ذلك القرار يعكس التزام روسيا القوي بحرب تقليدية طويلة الأمد في أوكرانيا.

ولكن من المؤكد، كما يرى جاسبر، أن الإجراءات الهجينة، من حرب معلومات وهجمات سيبرانية وتخريب للبنية التحتية لخطوط الطاقة، سترافق السلاح التقليدي لاستنفاد قوى أوكرانيا وداعميها الغربيين.

ربما يعجبك أيضا