ناشيونال إنترست | فرصة ترامب..ما هي مظاهر انقسام الديمقراطيين بشأن السياسة الخارجية ؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

كما لو أن نانسي بيلوسي, رئيسة مجلس النواب, لم تكن ماهرة بما يكفي لإبقاء مؤتمرها الحزبي متماسكًا, فإن إصرار الرئيس ترامب على الإغلاق الحكومي بسبب "الجدار الحدودي" المقترح جعل من الأسهل عليها مقاومة التعامل مع البيت الأبيض دون تكبد تكاليف سياسية. لا يبدو أن الأغلبية الديمقراطية الجديدة في مجلس النواب ولا مؤيديهم في الدولة في مزاج يسمح لهم بتقديم تنازلات للرئيس فيما يتعلق بسياسته الداخلية المميزة. في الواقع, إذا مر هذا الشهر الأول من الكونجرس رقم 116, فإن العامين القادمين غير مرجحين للإثمار عن الكثير من الانتصارات الداخلية لإدارة ترامب.

لكن الحزب الديمقراطي أقل ترابطًا فيما يخص الشئون الخارجية مما هو عليه في معارضة أجندة ترامب الداخلية. ولذلك إذا كان الرئيس يريد الوصول إلى صيغة تعاون وتحقيق بعض النجاحات الشاملة للحزبين قبل محاولته لإعادة الانتخاب في 2020, ينبغي إذن أن يتطلع إلى السياسة الخارجية. حتى لو فشل في إلزام قيادة مجلس النواب بالمشاركة في مفاوضات الحزبين, يستطيع أن ينجح في استغلال الانقسامات داخل صفوف المعارضة إذا ما أصبح موسم الانتخابات التمهيدية مشحونًا. إن حقيقة أن ترامب لم يحاول كثيرًا استخدام هذه المناورة يجب اعتبارها اتهام آخر لقدراته الحقيقية كصانع صفقات.

وتُعد الفترة الحالية وقتًا ميمونًا على نحو خاص للبيت الأبيض الجمهوري للبحث عن نقاط الضعف في الأجندة الدولية للديمقراطيين. حتى وقت قريب, كان من الواضح نسبيًا ما يؤيده الديمقراطيون فيما يتعلق بالسياسة الخارجية: الدولية الليبرالية. تبنّى كل من بيل كلينتون وباراك أوباما, كرؤساء, استراتيجية كبرى تتمركز حول التعددية, والانفتاح الاقتصادي, والتدخلات الإنسانية الانتقائية, و"دبلوماسية الصواريخ" مع الأعمال العسكرية التوسعية "على الأرض." لو كانت هيلاري كلينتون ربحت في 2016, كانت على الأرجح ستواصل ارتداء عباءة الدولية الليبرالية.

ومن المؤكد أنه كان هناك دائمًا ديمقراطيون منزعجون من بعض المبادئ الأساسية للدولية الليبرالية, بل سيما التجارة الحرة. في التسعينيات, جرى إجبار كلينتون على الاعتماد على دعم الجمهوريين من أجل الموافقة على اتفاقية نافتا والعلاقات التجارية الطبيعية الدائمة مع الصين – وهما الإنجازان المميزان اللذان حققهما في السياسة الاقتصادية الخارجية. وبصورة مماثلة اعتمد الرئيس أوباما على الجمهوريين لإبرام اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وفشل في الحصول على دعم كبير من الديمقراطيين لسياساته الاقتصادية الخارجية الطموحة, مثل الشراكة العابرة للمحيط الهادئ والشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي.

مع هذا, ولأكثر من خمسة وعشرين عامًا, حظي خصوم الدولية الليبرالية بنفوذ محدود داخل الحزب الديمقراطي – خاصة عندما كان هناك رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض. الآن, تؤكد هذه الأصوات وجودها بمزيد من السلطة. بداية من "الوحوش الكبيرة" في مجلس الشيوخ مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وارين إلى الممثلين البارزين لكن الأقل تأثيرًا مثل ألكسندريا أوكاسيو – كورتيز وتولسي جابارد, يبدو أن أعدادًا متزايدة من المشرعين الديمقراطيين – والنشطاء الذين يدعمونهم – تتبنى مواقف من شأنها أن تعيد هيكلة علاقة أمريكا بالعالم الخارجي, من التجارة والاستثمار إلى الحرب والسلام. هذه الانقسامات في الحزب الديمقراطي بين أنصار الدولية الليبرالية التقليدية ومنتقديهم تضع أمام الإدارة بعض الفرص المثمرة المحتملة لبناء جسور بين الحزبين وإحراز انتصارات سياسية.

وحتى رئيسة مجلس النواب, نانسي بيلوسي, ربما لا تكون بعيدة المنال، ورغم أنها كانت صريحة في معارضتها لسياسة ترامب الداخلية, إلا أنها تشاركه العداوة تجاه الحكومة الصينية, على سبيل المثال. في التسعينيات, كانت بيلوسي واحدة من الأصوات الرائدة – وإن كانت سُحقت في النهاية على يد بيل كلينتون – الداعية إلى فرض عقوبات ضد الصين بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان. أبقت بيلوسي على انتقاداتها للصين في السنوات التي أعقبت والتي شملت إدارة أوباما, لكنها هي وزملاءها تعرضوا للإحباط من طرف الإدارات المتعاقبة التي ثمّنت التعاون الاقتصادي مع بكين على المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

لماذا لا نعمل مع بيلوسي والديمقراطيين الآخرون لمعاقبة الصين على اعتقالها الشنيع لما يصل إلى مليون من الأويغور؟ هذه الخطوة ستسمح لترامب بتصعيد الضغط على الصين حتى لو كانت مجرد خطوة لخدمة أجندته التجارية) بينما تُظهر للديمقراطيين أنه يمكن أن يأخذ مخاوفهم على محمل الجد. في مجلس الشيوخ, كان الجمهوريون مثل ماركو روبيو وتيد كروز يلوّحون مهددين بمؤهلاتهم المناهضة للصين لبعض الوقت ويمكن الاعتماد عليهم للتعاون مع حزمة من العقوبات، ومثلما كتب ريتشارد فونتين مؤخرًا: إجماع الحزبين لصالح التنافس مع الصين لديه الإمكانية لتوحيد الطبقة السياسية المقسمة في أمريكا. لكن حتى الآن, كان ترامب ضعيفًا في استغلال هذه الفرصة.

من الممكن حتى إشراك الديمقراطيين في بعض الجوانب من أجندة ترامب التجارية. في حين أن القيادة الديمقراطية كانت محقة في انتقاد التناول السييء لـ"الحرب التجارية" الجارية مع الصين, إلا أن عددًا كبيرًا من المشرعين الديمقراطيين يؤيدون تمامًا إجراء إصلاحات على النظام الاقتصادي العالمي بشكل عام وعلى علاقة أمريكا الثنائية مع الصين تحديدًا. ومجددًا, مع هذا, كان البيت الأبيض بطيئًا في اقتراح المبادرات بين الحزبين التي قد تفصل الديمقراطيين المتحمسين للترويج لمؤهلاتهم "الموالية للوظائف" أو "التجارة النزيهة."

الديمقراطيون في الكونجرس منقسمون أيضًا حول قضايا الأمن، فقد أعرب بعض القادة الديمقراطيين عن تشككهم في قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا, على سبيل المثال, ووصفته بيلوسي بأنه "سابق لأوانه"، لكن بعض الشخصيات الرائدة الأخرى مثل إليزابيث وارين وكيرستين جيليبراند كانوا داعمين أكثر بكثير. إذا كان ترامب لاعبًا سياسيًا أكثر براعة, ربما كان سيحاول بجهد أكبر حث الديمقراطيين على تأييد خططه لتقليص حجم التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. على الأقل, كان سينجح في إلقاء الضوء على انقساماتهم الداخلية.  

في الواقع, كانت هناك علامات على أن الجناح المناهض للحرب من الحزب الديمقراطي ربما يعطي ترامب قدرًا كبيرًا من الدعم السياسي. في نوفمبر 2016, التقت عضوة الكونجرس توسلي جابارد بالرئيس المنتخب حينها لمناقشة القضايا المتعلقة بسوريا والإرهاب وقضايا السياسة الخارجية الأخرى. وبالفعل, أصبحت جابارد الآن واحدة من المتنافسين على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئيس في 2020، ورغم أنه غير المرجح أن تصمد طويلًا في المنافسة الأولية, إلا أن ترشحها سيفعل الكثير لكشف الانقسامات الموجودة داخل حزبها عندما يتعلق الأمر بالتدخل العسكري. في الحقيقة, ربما تصبح إحدى النتائج هي الكشف عن أن بعض الديمقراطيين الرائدين يتفقون مع رغبة ترامب في تقليص التواجد العسكري الأمريكي في سوريا وأفغانستان والعراق. يجب أن يستغل الرئيس هذه الفرصة.

تُعد كوريا الشمالية منطقة سياسة خارجية أخرى؛ حيث انتقد الديمقراطيون الرئيس لاندفاعه المزعوم, لكن يمكن الضغط عليهم لدعم جهد دبلوماسي يهدف إلى الحد من التوترات على شبه الجزيرة الكورية، ومن المستبعد بشدة أن تثمر قمم ترامب مع كيم جونج أون عن أي شيء قريب من نزع سلاح بيونج يانج النووي, بالطبع, لكن النتائج الأكثر تواضعًا مثل وضع حدود للترسانة النووية الكورية الشمالية ربما تجذب دعم بعض الديمقراطيين. إن الصعوبة الواضحة التي تواجه ترامب هي أن إحراقه للاتفاق النووي الإيراني ما زال يثير استياء معظم الديمقراطيين. لكن حتى في وجه الرياء المكشوف من البيت الأبيض, سيكون هناك بعض الديمقراطيين المستعدين لدعم الجهد الدبلوماسي الرامي إلى وضع العلاقات الأمريكية – الكورية الشمالية على أساس أكثر أمنًا.  

مع هذا, بدلًا من اتباع خطوات سياسية محسوبة من شأنها استغلال هذه الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي وربما تحظى بفرصة الفوز ببعض التأييد من الحزبين, يبدو ترامب مُصرًّا على اتباع سياسات مثيرة للانقسام (في الداخل والخارج) والتي تدفع خصومه السياسيين إلى الاحتشاد ضده. على الصعيد الداخلي, يظهر هذا بوضوح في الجدار الحدودي، وفي السياسة الدولية, يتضح في إساءات الرئيس الطائشة للتحالفات الأمريكية الأساسية وإصرار إدارته الواضح على تخفيف العقوبات على روسيا, وهو شيء أحبط الديمقراطيين والجمهوريين على حدٍّ سواء.

المغزى هو أن الحزب الديمقراطي, من التجارة والأمن إلى حقوق الإنسان والتعددية, يمر اليوم بتحول، ولا يوجد حامل راية ديمقراطي واضح للدولية الليبرالية التي ميّزت رئاسة كلينتون وأوباما, كما لا يوجد إجماع واضح على نوع السياسة الخارجية التي ينبغي أن يعتمدها الحزب عوضًا عن ذلك، فإذا كان صانع صفقات جادًّا واستراتيجيًّا سياسيًّا, سيستغل ترامب تلك الانقسامات عن طريق إجبار الديمقراطيين على اتخاذ مواقف في القضايا التي تقسمهم، لكنه لم يفعل ذلك.  

ولعل السبب وراء هذا هو أن ترامب يفتقر للمهارة السياسية؛ وربما لأنه يفضّل سياسة الانقسام والضغينة والتناحر الدائم على سياسة التنازل والمساومة الصعبة. في كلتا الحالتين, من الصعب تخيل أن الإدارة يمكنها الاستمرار في تفويت الفرصة تلو الأخرى عندما يتعلق الأمر بصياغة السياسة الخارجية، وحين يدرك ترامب أنه لا يملك فرصة كبيرة للنجاح في الجبهة الداخلية, سيأتي الوقت الذي سيركز فيه على الشئون الدولية، وعندما يفعل ذلك, ربما تجد الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب أنه من الصعب أن يبقوا موحَّدين كما هم اليوم.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا