ناشيونال إنترست | كيف تتجنب أفغانستان الوقوع في الكارثة؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لقد سقطت العشرات من مقاطعات أفغانستان البالغ عددها أربعمائة مقاطعة في أيدي حركة طالبان منذ الربيع، كما سقطت عواصم ستة أقاليم الأسبوع الماضي، وذلك بعد رحيل شركاء الولايات المتحدة وحلف الناتو عن البلاد، باستثناء بضع مئات من القوات التركية والأمريكية التي تحرس المطار والسفارات الرئيسية في العاصمة كابول.

ومثل روما وسايجون من قبلها، هل ستسقط كابول قريبًا؟ وهل ستتولى طالبان السيطرة على كافة البلاد، تمامًا كما فعلت في أواخر التسعينيات باستثناء جيوب في شمال البلاد؟ يبدو أن وكالة الاستخبارات المركزية تعتقد ذلك؛ إذ يبدو أن تقريرًا سُرِّب مؤخرًا من لانجلي يقول إن حكومة الرئيس “أشرف غني” ربما تنهار خلال هذا العام.

للأسف، أدى قرار الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بسحب ما تبقى من ثلاثة آلاف جندي مقاتل أمريكي من أفغانستان سريعًا هذا العام، إلى وضع مستقبل البلاد في مهب الريح! من المؤكد أن الأوضاع في البلاد كانت متأزمة من قبل، ولكنها الآن أصبحت أكثر تأزمًا. وسواء أصبحت أفغانستان التي ستديرها طالبان ملاذًا للقاعدة أو الإرهابيين المرتبطين بها مرة أخرى أم لا، فسيتعين علينا بذل المزيد من الجهود للتأكد من أن الأمر لن يصبح كذلك؛ ما يعني أن بايدن قد يضطر في النهاية إلى إنفاق المزيد من الوقت والموارد على أفغانستان بعد رحيلنا عما كان عليه الحال من قبل. حيث يواجه الملايين من الأفغان، بما في ذلك النساء والأقليات والمفكرون والإصلاحيون وأصدقاء الولايات المتحدة، الآن خطرًا أكبر من أي وقت مضى.

ومع ذلك، فإننا لم نفقد كل شيء بعد. على الأقل، ربما لا يكون كذلك، فلا القيادة المركزية الأمريكية ولا خبراء وكالة الاستخبارات المركزية يعرفون حقًا. فقد اعتقدت وكالة الاستخبارات المركزية أن الرئيس السوري “بشار الأسد” لن يستمر أكثر من بضعة أشهر بمجرد اندلاع ثورة الربيع العربي. والآن بعد عشر سنوات، لا يزال رئيسًا. وهذا ليس لانتقاد وكالة الاستخبارات المركزية بقدر ما هو ملاحظة للمظان المتأصلة في تقييم المخاطر السياسية والعسكرية.

وهناك مستقبل آخر محتمل لأفغانستان، وعلى الرغم من أنه ليس جميلًا، إلا أنه مفضل جدًا من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة: حالة الجمود العسكري، حيث تسيطر طالبان على جزء من البلاد وتتولى أيضًا جزءًا من الحكومة، بينما تمتلك الميليشيات الصديقة جزءًا كبيرًا آخر. ربما، مع بعض الحظ، يمكن أن ينتج عن هذا النوع من المواجهة بمرور الوقت إمكانية إجراء مفاوضات حول تقاسم السلطة.

وكحد أدنى، يمكن أن يساعد هذا في تمكين حلفاء الولايات المتحدة، وتوفير أجزاء آمنة نسبيًّا من البلاد يمكن أن تستند إليها أصول الاستخبارات الصديقة، ما يسهل منع ظهور ملاذات للمتطرفين الإرهابيين في أفغانستان مستقبلًا.

لمعرفة كيف يمكن أن يظهر هذا النوع من التقسيم الفعال للبلاد، من المفيد رسم صورة تقريبية لأفغانستان. يعيش معظم سكان البلاد (البالغ عددهم 40 مليون نسمة) في المناطق الريفية. لكن المدن هي الأساسية، حيث تقع كابول تقريبًا في المركز الجغرافي، ثم أربع مدن إقليمية كبيرة على طول محيط البلاد، متصلة بواسطة “الطريق الدائري”: مزار الشريف في الشمال، وجلال أباد في الشرق، وقندهار في الجنوب وهرات في الغرب. ولم تسقط أي من هذه المدن الكبرى في يد طالبان، على الرغم من أن قندهار (موطن حركة طالبان، والمقر السابق لأسامة بن لادن) أصبحت الآن محل نزاع. وتضم كابول وهذه المراكز الإقليمية الرئيسية معًا حوالي عشرة ملايين شخص؛ يعيش عدة ملايين آخرين في مدن أصغر مثل قندوز، التي سقطت في يد طالبان، وكذلك مساحات معينة من الأراضي التي يمر بها الطريق الدائري.

ولذلك تحتاج الاستراتيجية المنطقية للحكومة الأفغانية، بدعم من الشركاء الدوليين، إلى التركيز على هذه الأولويات. ربما لا يرغب الرئيس الأفغاني “أشرف غني” في الإعلان صراحةً عن المدن الأصغر التي سيتم التنازل عنها لطالبان في المستقبل المنظور. ومع ذلك، لا تزال الحكومة بحاجة إلى تشكيل خطة حملة حول متى وأين ستقاتل. ربما يجب أن يتضمن جوهر الاستراتيجية هذه العناصر التالية:

* حماية كابول والمراكز الإقليمية الرئيسية الأربعة، حتى لو سقطت قندهار. أدرك أيضًا أن الهجمات بالسيارات المفخخة، مثل تلك التي حدثت الأسبوع الماضي في كابول بالقرب من منزل وزير الدفاع، وغيرها من الهجمات “الرهيبة” لا يمكن منعها تمامًا.

* تحديد أكثر قطاعات الجيش فاعلية، بدءًا من القوات الخاصة وربما التشكيلات الرئيسية للجيش مثل الفيلق 201 و203، اللذين يتمركزان في شرق البلاد. ولا تستخدم هذه القوات الثمينة لاستعادة الأراضي التي لا يمكن السيطرة عليها بشكل واقعي (مثل معظم المدن في مقاطعة هلمند في الجنوب، وبعض المناطق الجبلية في الشرق، والكثير من المناطق الريفية في البلاد). بل عليك استخدامها للدفاع عن المدن الرئيسية وشن هجمات مضادة انتقائية.

* وضع خطة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو لتمويل الجيش والسياسيين وبعض الميليشيات المناهضة لطالبان التي يمكن أن تساعد في السيطرة على بعض المناطق في البلاد، حيث تكون الميليشيات أقوى من الجيش، شريطة أن تلتزم الميليشيات بالمعايير الأساسية لحقوق الإنسان وضبط النفس.

* تحديد الأماكن التي يمكن للمتعاقدين الغربيين العمل فيها مع الأفغان للحفاظ على القوة الجوية الناشئة في البلاد، واللازمة لتوصيل القوات الخاصة سريعًا إلى ساحة المعركة ولمهاجمة تجمعات طالبان.

* مطالبة الولايات المتحدة بتضمين القوات الخاصة الأمريكية مع بعض وحدات الجيش الأفغاني (كما حدث في خريف عام 2001، عندما ساعدت في شن ضربات جوية ضد مواقع طالبان أثناء العمل مع ما يسمى بالتحالف الشمالي).

* مطالبة الولايات المتحدة أن تكون على استعداد لاستخدام قوتها الجوية الهجومية المتمركزة في المنطقة الأوسع للمساعدة في الدفاع ضد هجمات طالبان ضد المدن الرئيسية، وخاصة أي هجمات مركزة قد تشبه “هجوم تيت” الذي شنته طالبان مؤخرًا.

* وضع خطة الملاذ الأخير لإعادة توطين السكان البشتون في شمال وغرب البلاد، بطريقة إنسانية وآمنة، حيث إنهم يوفرون الغطاء والدعم لحركة طالبان والتي لا يمكن التحقق منها أو ضمانها. والبشتون هم أكبر مجموعة عرقية في أفغانستان (ولكنهم ليسوا الأغلبية)، وتقريبًا يشكلون جميع مؤيدي طالبان والمتعاطفين معها. ورغم أن معظمهم لا يؤيدون طالبان، إلا أن معظم أفراد طالبان من هؤلاء البشتون. ولإنشاء قاعدة موثوقة للعمليات فوق جبال “هندو كوش”، فإن هذه الخطوة تحتاج في النهاية إلى التأني والتفكير العميق.

من الواضح أن الوضع في أفغانستان يزداد سوءًا. وفي الواقع، البلاد في حالة حرب لا يخففها أي أمل واقعي في عملية سلام ناجحة في أي وقت قريب، وسيستمر تأجج نيران قبل أن تنطفئ، لكن هذا هي الأوضاع على أرض الواقع، وهذه هي الخيارات الواقعية.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا