ناشيونال إنترست | لماذا تُصرُّ الصين على إزعاج أستراليا؟

آية سيد

ترجمة – آية سيد

لقد شنّ “تشاو ليجيان” ومسئولون ودبلوماسيون صينيون آخرون هجمات شرسة على أستراليا والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. كان “تشاو” نفسه معروفًا قبل تغريدة الأسبوع الماضي بسبب ترويجه لنظرية مؤامرة تفيد بأن الجيش الأمريكي كان مسئولًا عن جلب فيروس كورونا إلى الصين.

ويُعد هو شي جين، رئيس تحرير جلوبال تايمز، الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي الصيني، من النقاد الشرسين أيضًا لأستراليا.

منذ أربعة أعوام، نشرت الصحيفة مقالة افتتاحية لاذعة موجهة لأستراليا بعد أن قالت كانبرا إن الصين يجب أن تلتزم بحكم المحكمة الدولي الخاص ببحر الصين الجنوبي. لقد وصفت أستراليا بأنها “قطة من ورق” ذات تاريخ “مشين”، وقالت: “إذا دخلت أستراليا إلى مياه بحر الصين الجنوبي، ستصبح هدفًا مثاليًا للصين للتحذير والضرب”.

لماذا تتمتع القومية بهذه القوة في الصين؟

هذه الهجمات غير المكبوحة والإهانات المتكررة لأستراليا تبدو غريبة، لكنها منظمة لتناسب غرضين محددين للنظام الاستبدادي في الصين: أحدهما داخلي، والآخر عالمي.

على الصعيد الداخلي، هذا الموقف الأكثر عدائية تجاه العالم، المعروف بـ”دبلوماسية الذئب المحارب”، هو مهمة رئيسية لديكتاتورية الرئيس شي جين بينج، التي تقوم بشكل شبه حصري على القومية الصينية برعاية الحزب الشيوعي.

وتمامًا مثل الزعيم السابق ماو تسي تونج، عزز شي سلطته، جزئيًّا، بسبب عبادة الشخصية التي تكونت حول حكمه. تنتشر صور شي في كل مكان في الصين وروّج أيديولوجيته الخاصة التي تُسمى “فكر شي جين بينج” بطريقة مماثلة لـ”فكر ماو تسي تونج” (وكتابه الأحمر الشهير).

لقد بُنيت قوة ماو على أيديولوجيتي الشيوعية والقومية الصينية، غير أن الشيوعية اليوم باتت قوة متراجعة في الصين.

وعلى الرغم من أن شي وأتباعه لا زالوا يستخدمون مبادئ الماركسية و”فكر شي جين بينج” لأغراض سياسية – مثل تطهير الخصوم والمعارضين – إلا أنهم يعتمدون بشدة على القومية الصينية للحفاظ على شرعية حكمهم في عيون الشعب.

إن القومية قوة هائلة في الصين اليوم. يمكن رؤيتها في كل شيء من دعوات شي المستمرة لـ”إحياء الأمة الصينية” إلى مشاعر بكين المتزايدة المناهضة لأمريكا والمناهضة للأجانب.

صعد شي إلى القمة بمسيرة مهنية متواضعة، لكنه ظهر بطريقة سحرية بمظهر الزعيم القوي صاحب الموهبة الكبيرة والإرادة الثابتة، وهي صورة أصبحت لا غنى عنها من أجل استقرار وتماسك النظام.

ومن أجل تطوير صورة شي كزعيم قوي وفرض الخضوع على الأمة بأكملها، استأنفت الآلة الدعائية للحزب الشيوعي الألقاب التي استخدمها ماو والديكتاتوريون الآخرون، مثل “قائد الدفة” و”زعيم الشعب”. أصبح الولاء للدولة، وللحزب وللقائد شيئًا متطابقًا مرة أخرى.  

مع هذا، يوجد استياء متزايد لدى بعض الصينيين من حكم شي، فيما تواجه الدولة تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية هائلة. وهكذا، يعيش شي بإحساس عميق بعدم الأمان، وحكمه التعسفي ورغبته في السيطرة المطلقة تجعل الآخرين يشعرون بعدم الأمان.

وعلى خلفية ذلك صعدت “دبلوماسية الذئب المحارب”، أولئك الذين يتعاملون بصرامة مع أي أعداء حقيقيين أو محتملين يحددهم الزعيم العظيم يُكافأون على ولائهم.

لهذا السبب لا يُعاقب تشاو ليجيان على خطابه التحريضي ضد أستراليا، والولايات المتحدة وغيرهم من الخصوم؛ بدلًا من هذا، أصبح نجمًا بسببه.

بكين ترى هدفًا أساسيًّا وسهلًا

وعلى الصعيد العالمي، روّجت الصين طويلًا لنظامها الاقتصادي والسياسي كبديل منطقي للنظام الدولي القائم على القواعد الذي تقوده الولايات المتحدة.

وهكذا، وسّعت على نحو متزايد نفوذها دبلوماسيًّا وعسكريًّا في السنوات الأخيرة وأسست مبادرة الحزام والطريق لإقامة شبكة اقتصادية وشبكة بنية تحتية عالمية جديدة تقع الصين في مركزها.

وكجزء من هذه الاستراتيجية الكبرى، استهدفت الصين دولًا مثل أستراليا التي تتجرأ على تحديها لكي تجبرها على الخضوع.

يرى الحزب الشيوعي أستراليا هدفًا أساسيًّا بسبب تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة وهدفًا سهلًا بسبب اعتمادها الاقتصادي على الصين. باختصار، تستطيع بكين مهاجمة كانبرا دون مواجهة الكثير من التداعيات – وضرب مثال لبقية العالم.

وأشار “الذئاب المحاربون” داخل الحزب إلى أستراليا بصورة متكررة بوصفها مجرد بيدق أو كلب مدلل للولايات المتحدة – وهي محاولة واضحة لإحداث وقيعة بين بلدين.

وفي ظل ذهاب حوالي نصف صادرات البضائع الأسترالية إلى الصين، حاولت بكين أيضًا استغلال هذا الاعتماد الاقتصادي لصالحها لكي تجبر كانبرا على تعديل لهجتها وسلوكها.

وفي إظهار لإصرار نظام الحزب الشيوعي على كبح جماح أستراليا، سلّمت السفارة الصينية في كانبرا الشهر الماضي ملفًا يحتوي على “14 شكوى” إلى عدة منافذ إخبارية أسترالية وطلبت أن تغير حكومة موريسون موقف أستراليا في سياسات رئيسية.

شملت هذه الشكاوى انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في هونج كونج وشينجيانج، والمطالبة بتحقيق مستقل في منشأ كوفيد-19 وحظر هواوي من شبكة الجيل الخامس للبلاد.

لن تدرك دولة الحزب الشيوعي كيف أن مسعاها إلى الهيمنة الإقليمية وسياساتها التوسعية يهددون جيرانها، ولن تفهم كيف أن سياساتها القمعية ضد مواطنيها تسبب القلق للعالم.

ولن تقبل كذلك حقيقة مقاومة أستراليا القوية للمضايقات والتدخلات الصينية من أجل حماية سيادتها، وقيمها الجوهرية وسلامتها المؤسسية.

تستعرض بكين عضلاتها لضمان خضوع أستراليا وتفكيك التحالف بين أستراليا والولايات المتحدة الذي يقوم على المصالح القومية والقيم المشتركة. لكن هذا سوء تقدير فادح والذي من المرجح أن يأتي بنتيجة عكسية.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا