ناشيونال إنترست| لمواجهة نفوذ روسيا المتنامي.. على بايدن التحالف مع الصين في القطب الشمالي

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

لو تابعت الأوضاع السياسية الأمنية في القطب الشمالي، ربما تكون على دراية تامة برواية روسيا الصاعدة التي تقترب شيئًا فشيئًا من تحقيق هيمنة عسكرية هناك عامًا تلو العام. في عام 2021 فقط، أعادت روسيا تنظيم أسطولها الشمالي، وبدأت في استخدام طائرات قاذفة استراتيجية من طراز Tu-160 لتسيير دوريات في القطب الشمالي، وشرعت في بناء أربع كاسحات جليد جديدة بقيمة 400 مليون دولار. أفادت القيادة العسكرية الأمريكية في ألاسكا هذا العام، أن عدد الطائرات الروسية التي حلّقت فوق الأرضي الأمريكية وتم اعتراضها في العام 2020 كان أكثر من أي وقت مضى منذ انتهاء الحرب الباردة.

وبينما تعد الهيمنة الروسية في منطقة القطب الشمالي أخبارًا قديمة، إلا أن هناك لاعبًا جديدًا بدأ يظهر في الأفق. ترسل الصين إشارات للقوى الموجودة في القطب الشمالي بأنها ترغب في قطعة من كعكة القطب الشمالي. في عام 2018، طوّرت الصين استراتيجية خاصة بالقطب الشمالي، مُعلنة خططها لبناء “طريق حرير قطبي” وتوسيع دورها في القطب الشمالي. كما حاولت الصين أيضًا شراء إحدى القواعد الجوية الفنلندية في القطب الشمالي، ما كان سيجعلها دولة قطبية رسمية. وبالرغم من فشل تلك الخطوة، إلا أنه في إبريل عام 2021، موّلت الصين مشروعًا روسيًّا للغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي تبلغ قيمته 11 مليار دولار، ما يجعلها طرفًا معنيًّا رئيسيًّا في واحد من أكبر مشاريع القطب الشمالي.

منذ دخول الصين في ذلك المشروع، تزايد حجم التعاون مع روسيا بثبات. في عام 2019، أنشأ البلدان مركز أبحاث صينيًّا – قطبيًّا مشتركًا. كما رفضت روسيا انتقاد الصين بعد إعلان نفسها دولة “قريبة من القطب الشمالي”، وهو إعلان انتقدته بشدّة دول قطبية أخرى، من بينها الولايات المتحدة. في الواقع، أشاد سفير روسيا في القطب الشمالي مؤخرًا بالصين لممارستها “ضبطًا للنفس” أكبر من دول حلف الناتو القطبية الشمالية.

وإذا كان بايدن قد أحجم في الماضي عن اعتبار الصين لاعبًا في القطب الشمالي، فإنه ينبغي له بالتأكيد أن يفعل هذا الآن. إن الصين لم تكتفِ فقط بتوضيح أهدافها؛ إنما أشارت لرغبتها في التحالف مع موسكو لكسب موطئ قدم في المنطقة. مع هيمنة موسكو العسكرية وموارد الصين الاقتصادية، سيكون هذا تحالفًا لا يمكن لواشنطن ببساطة أن تسمح له بالمرور.

إن الولايات المتحدة لديها ثلاثة أهداف أساسية في القطب الشمالي، أهمها الهيمنة العسكرية، كما أن مبادئ الردع الأساسية تشير إلى أن التفوق في القطب الشمالي سيردع أي طموح أو عدوان من دول أخرى، وسيتيح الفرصة لاستغلال موارده الكثيرة. فالوصول إلى القطب الشمالي يعني وجود ممرات بحرية رخيصة ومفتوحة وكميات وفيرة من الغاز الطبيعي. وأخيرًا، ترغب الولايات المتحدة في إجراء أبحاث في القطب الشمالي؛ فالأبحاث تعني المحافظة على جليد القطب الشمالي الذائب، وتسعى للمحافظة على جليد القطب الشمالي، ليس بسبب الشواغل البيئية، ولكن أيضًا لأن المحافظة على القطب الشمالي تعني بقاءه مفتوحًا أمام النشاط الاقتصادي.

إن تحالف الصين المحتمل مع روسيا، سيقوّض جميع هذه الأهداف الثلاثة، وإذا تحالف البلدان، فستساعدهما مواردهما المجتمعة على التفوق على الولايات المتحدة من حيث الموارد العسكرية وحقوق الأراضي والقدرات البحثية.

وللحدّ من هذه العلاقة المتنامية، ينبغي للولايات المتحدة التحالف مع الصين عوضًا عن هذا. بالرغم من اتخاذ إدارة بايدن نهجًا متشددًا تجاه الصين حتى الآن، إلا أن القطب الشمالي هو مجال مستقل تمامًا للمنافسة الأمنية، وينبغي أن تتعامل معه الإدارة على هذا الأساس. إليكم لماذا يمكن أن يعمل هذا لمصلحة الولايات المتحدة:

العلاقات التجارية تضمد كل الجروح.. والتحالف مع الصين سيقلل من التوترات الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة   

إن قيام علاقات مفيدة للطرفين، سيلطّف من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. تتنافس الصين والولايات المتحدة عادة في المجال الاقتصادي، وفي حال تحالف البلدان في القطب الشمالي، فسيتمكنان من تحقيق فرص اقتصادية مفيدة للطرفين؛ ما سيفتح قناة تواصل بينهما. ونظرًا لوضع الولايات القانوني بوصفها بلدًا قطبيًّا شماليًّا، ووضع الصين بوصفها أكبر دولة مُصدّرة في العالم، يمكن للبلدين التوصل لاتفاق نقل بحري عبر القطب الشمالي ينافس الاتفاق مع روسيا، أو نظرًا لوصول الولايات المتحدة لموارد النفط والغاز، ووضع الصين كأكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم، يمكن للبلدين إنشاء تحالف قوي في مجال الطاقة في القطب الشمالي.

لا تحتاج الولايات المتحدة أو لا ترغب في التقارب مع الصين. في الواقع، أي تحالف علني مع الصين في أي مجال، قد لا يحظى بشعبية سياسية في البلدين. مع هذا، فإن تأسيس قناة حوار ومجال تعاون مشترك، ربما يسمح للولايات المتحدة بتحقيق أهدافها مع غريمتها في مجالات أخرى. فضلًا عن هذا، لا تعاني الولايات المتحدة نقصًا في الدول الحليفة غير الديمقراطية، مثل السعودية وهندوراس وتركيا. وعبر تقاربها مع الصين، ستخلق الولايات المتحدة وضعًا يجبر الطرفين على التعاون – وتفادي الصراع – من أجل البقاء.

الصين ملتزمة بتمويل الأبحاث والتطوير        

بينما تُعدّ الولايات المتحدة دولة قطبية عريقة، إلا أن الصين تتفوق عليها من ناحية التزامها المالي في القطب الشمالي. تمتلك الولايات المتحدة كاسحتي جليد، كانت قد بنتهما في عامي 1976 و1999، وتمتلك الصين أيضًا، وهي دولة ليس لديها أراضٍ تطل على الدائرة القطبية، كاسحتي جليد بنتهما منذ تاريخ أحدث عهدًا بكثير في عامي 2012 و2019. تطوّر الصين أيضا محطة أبحاث قطبية ثالثة تعمل على مدار العام، ما سيجعلها في مكانة متساوية مع الولايات المتحدة التي تمتلك ثلاث محطات. بالرغم من امتلاك الولايات المتحدة لوجود بحثي أكثر رسوخًا وتفوقًا في المنطقة، إلا أن أولويات التمويل لديها تشهد ركودًا فيما يبدو. على الجانب الآخر، من المتوقع أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة في الإنفاق الإجمالي في البحث والتطوير بحلول عام 2025.

وبالرغم من أن زيادة التمويل للقطب الشمالي أصبح ضمن أجندة بايدن السياسية، إلا أنه لم يتم إحراز تقدم ملموس حتى الآن. فتكلفة كاسحات الجليد ومحطات الأبحاث تزداد على كل حال. في يونيو 2021، طلب خفر السواحل تمويلًا إضافيًّا بقيمة 170 مليون دولار لبرنامج كاسحات الجليد، ما سيوفر لهم مواد لبناء سفينة ثالثة. يقول الأدميرال “كارل شولتز” قائد خفر السواحل، إنه إلى حين موافقة الإدارة على خطة العام المالي 2022 “ستعاني الولايات المتحدة كدولة من نقص حاد من ناحية قدراتنا”.

وعلى النقيض من هذا، فإن القيود التنظيمية على إنفاق الصين أقل بكثير، ونظرًا لعدم مواجهة الجيش الصيني مشكلة الانتظار لسنوات لحين المصادقة على الموازنة، يتسارع إنفاق الصين في القطب الشمالي. وما لم تبدأ الولايات المتحدة في توجيه تمويل كبير لتطوير محطات أبحاث وكاسحات جليد جديدة، فقد يكون التعاون مع الباحثين الصينيين أفضل خيار.

لو أرادت الولايات المتحدة منافسة روسيا، فستحتاج للتفكير خارج الصندوق.

بالرغم من تعامل الولايات المتحدة والصين عادة كمتنافسين، إلا أن التحالف في القطب الشمالي سيمنح الولايات المتحدة ميزة على روسيا. في الوقت الراهن، تهيمن روسيا على منطقة القطب الشمالي، لكونها صاحب أكبر مطالبات إقليمية في المنطقة، وبفضل وجودها العسكري وقدراتها للشحن البحري.

لو كانت الولايات المتحدة جادة بشأن مضاهاة النفوذ الروسي في القطب الشمالي، فستحتاج إلى شريك مثل الصين لمنحها تفوقًا. في حال تحالفهما، سيمتلك البلدان تمويلًا وقدرات عسكرية أكبر بكثير، فضلًا عن امتلاكهما، لا سيما الصين، قدرة أكبر على الوصول إلى أراضي القطب الشمالي أكثر من أي وقت مضى.

وللحدّ من نفوذ روسيا المتزايد، ينبغي للولايات المتحدة التنازل عن بعض القوة والنفوذ لطرف ثالث غير متوقع. خلافًا لحلفاء الولايات المتحدة في “الناتو” المتواجدين في القطب الشمالي، تمتلك الصين مجالًا للنمو، منذ عشر سنوات مضت، لم يكن للصين أي وجود في القطب الشمالي، واليوم، باتت الصين في حال صعود وتهدد هيمنة روسيا القطبية، وبسبب حداثة وجودها في المنطقة، تُعدُّ الصين الخيار الأفضل لهذه الخطوة السياسية الجريئة.

للاطلاع على الرابط الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا