ناشيونال إنترست| مجلة فورن أفيرز النخبوية تنضم للحروب الثقافية

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

ستحتفل مجلة "فورن أفيرز" بعد ثلاث سنوات بمرور قرن على بدء طباعتها. لقد عملت هذه المجلة، التي أنشأها "مجلس العلاقات الخارجية" عام 1922، منذ ولادتها بوصفها إحدى أكثر المجلات تأثيرًا على عملية صنع القرار في الولايات المتحدة.

في العام 1947، نشرت تلك المجلة "المقال إكس" (X Article) الذي كتبه "جورج إف كينان"، والذي دعا فيه لتبنّي سياسة الاحتواء تجاه الاتحاد السوفيتي، وهي السياسة التي شكّلت ركيزة للسياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الخمسة والأربعين اللاحقة.

في عام 1996، قال "ستروبي تالبوت"، نائب وزير الخارجية الأمريكي، وأحد مهندسي العلاقات الروسية-الأمريكية في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إن "كل الذين أعرفهم في مجالي السياسة الخارجية والأمن القومي، يولون اهتمامًا بمجلة الفورن أفيرز".

يقول "جيمس إف هوج"، المحرر السابق في صحيفة "نيويورك تايمز في عام 1998:"لقد كانت مجلة فورن أفيرز دومًا مفيدة ومؤثرة للغاية أثناء المراحل الانتقالية" . وفي ضوء التغيّر المتزايد في التركيبة الديمغرافية للولايات المتحدة، ومع تصاعد حدّة الحروب الثقافية، تحاول المجلة فيما يبدو الاستفادة من هذه التحولات السياسية الأساسية.

نشرت المجلة في الخريف الماضي مقالة كتبها "فرانسيس فوكوياما" (الذي نشرت مجلة "ذا ناشيونال انترست" مقالته الشهيرة "نهاية التاريخ") ينتقد فيها البلقنة التي خلقتها سياسات الهوية، لا سيما على جانب اليمين، داعيًا الحزب الديمقراطي لمعالجة القضايا الاقتصادية التي حفّزت ناخبي ترامب.

في أخر عدد لها، نشرت مجلة فورن أفيرز ردًا مكوّنًا من ثلاثة أجزاء تدافع فيه عن سياسات الهوية في الولايات المتحدة. لقد ردّ "فوكوياما" على منتقديه بالقول إن أمريكا تحتاج لهوية وطنية "تكون مرتكزة على أفكار سياسية ليبرالية تكون متاحة لأشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة، بدلاً من أن تكون محصورة في خصائص ثابتة مثل العرق والأثنية أو الدين".  

إن المقال الأكثر إثارة للدهشة، كتبته "ستاسي أبراهامز"، الزعيمة السابقة للأقلية في مجلس ولاية جورجيا، والتي كانت مرشحة الحزب الديمقراطي للتنافس على منصب حاكم ولاية جورجيا في العام الماضي.

لقد خسرت "أبراهامز"، التي كانت أول سيدة سوداء يرشحها حزب رئيسي لمنصب حاكم ولاية، الانتخابات بفارق بسيط، وقد ركّزت حملتها الانتخابية على مغازلة ناخبي الأقليات، وتبنّت مواقف من قبيل إزالة وجوه الجنرالات الاتحاديين المنقوشة على النصب التذكاري المعروف باسم "stone Mountain". من المتوقع أن ترد "ستاسي" نيابة عن الحزب الديمقراطي على خطاب "حالة الاتحاد" الذي ألقاه ترامب.

تتبنى "ستاسي أبراهامز" نقاط حوار باتت تمثل بصورة متسارعة أساسًا لخطاب الحزب الديمقراطي. ووفقا لأبراهامز، فإن "الأقليات والشرائح المهمّشة ليس لديهم خيار سوى الكفاح ضد أساليب التمييز المستخدمة ضدهم. إن المهمشين لم يخلقوا سياسات الهوية: فهوياتهم جرى فرضها عليهم من جانب الجماعات المهيمنة، والسياسة هي الأسلوب الأكثر فعالية للثورة".

وفقا لهذه النظرية، فقد أصبحت السياسة هي مجرد تنافس على القوة بين الهويات المتنافسة، من بينها الأعراق والهويات الجنسانية والميول الجنسية. وتضيف "ستاسي أبراهامز" أنه "عندما تصرّ الجماعات الأكثر تأثرًا بهذه القضايا على الاعتراف باختلافها الجوهري، حينها لا ينبغي النظر إليها باعتبارها مثيرة للانقسامات. إن احتضان التواريخ والهويات المميزة للمجموعات في النظام الديمقراطي، يعزز من تعقيد وقدرة المجتمع بأكمله".

وتختتم "أبراهامز" بالقول "عوضًا عن ذلك، يجب على الأمريكيين السعي بصورة متعمقة لتبنّي السياسات القائمة على الهوية. إن الأصوات الجديدة والحيوية والصاخبة تمثل أقوى وسيلة لإدارة الصعاب المتزايدة الناتجة عن التعايش بين الثقافات المتعددة. ومن خلال تبنّي الهوية وجوانبها الشائكة وغير المريحة، من المرجح أن يمضي الأمريكيون للأمام كجبهة واحدة"

يا للهول. أليس من المفارقة أن تتحول مجلة "فورن أفيرز" لمنتدى لمناصرة الأقليات "المقهورة" والشرائح المهمّشة للمجتمع، والسعي لتحقيق المساواة الكاملة؟ فهذه المجلة ذاتها هي مثال نموذجي على المجلات النخبوية، تماما مثل "مجلس العلاقات الخارجية" الذي أنشأها، والذي كان يمثل معقلاً لمؤسسة الأنغلوساكسون البيض البروتستانت التي كانت تزهو بنفسها ذات يوم. عند الاطلاع على موقع هذه المجلة على الإنترنت، سنجد أنها تشجّع على شراء الإعلانات عبر التفاخر بما يلي "أكثر من أي مجلة أخرى، تمنح مجلة فورن أفيرز المعلنين موقعًا متميزًا في وجدان النخبة المؤثرة".

تمضى المجلة لتصف بالضبط نوع القرّاء الذين تلبّي احتياجاتهم. فالشخص الذي يقرأ مجلة فورن أفيرز بانتظام لديه متوسط دخل قدره 202 ألف دولار، بثروة صافية تزيد على 1.2 مليون دولار. في وقت يبلغ متوسط مدخرات الأسر الأمريكية أقل من 12 ألف دولار، يملك قارئ مجلة فورن أفيرز محفظة استثمارية بمتوسط يزيد على 400 ألف دولار. أن ثلث قرّاء المجلة تقريبا، 29 بالمائة، يشغلون على الأقل منصب في مجلس إدارة شركة.

بعيدة عن كونها صوت الطبقة الدنيا، تجسّد مجلة فورن أفيرز ما تكافح الحركة المؤيدة لسياسات الهوية بقوة ضده: الامتياز والحظوة. ربما تعتقد هذه المجلة التي تعتبر سفينة قديمة لفكر الطبقة العليا، أن الأشخاص الذين يرفضون ركوب موجة التنوع، سيواجهون أمواجًا متلاطمة في رحلتهم.  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا