ناشيونال ريفيو | الانحياز بدون شك.. لماذا يقوم الجمهور بتصديق القصص الوهمية بسهولة؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

في هذا الأسبوع، استحوذت قصة الممثل والمغني "جوسي سموليت" على اهتمام وسائل الإعلام الوطنية. القصة، لمَن فاتته تفاصيلها، جرت أحداثها كما يلي:
زعم "جوسي سموليت"، الممثل في مسلسل "Empire"، وهو أسود ومثلي الجنس أنه في ليلة متجمدة من يناير بشيكاغو، في ذروة العاصفة القطبية التي ضربت الولاية، ذهب إلى مطعم محلي تابع لسلسة مطاعم Subway، لشراء سندوتش، وفي طريق عودته اعترضه رجلان يرتديان قبعات حمراء، قاما بشتمه بعبارات جنسية وعنصرية نابية. ثم رميا بحبل حول عنقه، وسكبا مادة سائلة عليه، وصرخا "هذة الولاية تؤيد  ترامب".

إن هذه القصة تعتريها بعض المشاكل الواضحة:
أولاً: شيكاغو ليست منطقة مؤيدة لدونالد ترامب، إذ حصل ترامب على 12.5 بالمائة فقط من الأصوات في هذه المدينة.
ثانيًا: من غير المرجح أن يتعقب هذان الرجلان "سموليت" في وسط ليلة تنخفض فيها درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
ثالثًا: احتفظ "سموليت" بطريقة ما بسندوتشه عقب الهجوم المزعوم!
رابعًا: تجوّل "سموليت" في مجمّعه السكني من دون إبلاغ حارس المبنى بالحادثة.
خامسًا: انتظر هذا الممثل أربعين دقيقة قبل أن يبلغ الشرطة بما حدث.
سادسًا: عند وصول الشرطة، كان ما يزال يرتدي الحبل حول عنقه.
سابعًا: زعم "سموليت" أن مدير أعماله كان يتواصل معه عبر الهاتف أثناء وقوع جريمة الكراهية المزعومة. وعندما طُلب منه تسليم هاتفه لقسم شرطة شيكاغو للتأكد من زعمه، رفض ذلك.

في بداية الأمر نشرت وسائل الإعلام القصة بحماسة من دون التفكير جديًّا في هذه الأسئلة، قال الصحفي في جريدة واشنطن بوست "يوجين سكوت": "بالنسبة للكثيرين، تُعدّ حادثة "سموليت"- والطابع السياسي للهجوم- تذكير آخر للعديد من الأمريكيين السود المثليين جنسيًا، بأن رؤية الرئيس ترامب "أمريكا العظيمة" لا تشملهم". فيما غرّد "جميل سميث" الصحفي في مجلة "رولينج ستونز" بما يلي: "إن الهجوم الوحشي على (سموليت) في شيكاغو يبدو أنه مثال آخر، ليس فقط على تزايد الانحطاط الاخلاقي؛ لكن أيضًا على هذا النوع من الإرهاب الذي يبدو أنه ما يزال لا يثير ردًّا كافيًا من الأمريكيين"، في حين أبدت "بروك بولدوين" مقدمة الأخبار في محطة "سي إن إن" أسفها لما حدث بعبارة بسيطة: "هذه هي أمريكا في عام 2019".

كما أدلى المشاهير بدلوهم بشأن الحادثة أيضًا؛ إذ ظهرت الممثلة "إلين بايج" في برنامج "ستيفن كولبريت" المسائي، حيث لامت نائب الرئيس "مايك بنس" على الهجوم، ونشرت المغنية "شير" تغريدة تقول فيها: "إن الشرّ والعنصرية وكراهية المثليين، التي يروّج لها أسوأ مهرّج في العالم، هي السمّ الذي يقتل أمريكا". وغرّدت المغنية "كاتي بيري" قائلة: "أعلن تضامني وأرسل محبتي لجوسي سموليت اليوم… هذه جريمة كراهية عنصرية، وهي أمر مقزز ومخزٍ لبلدنا".

ثم أتى دور السياسيين الديمقراطيين في إدانة الحادثة المزعومة، إذ غرّدت رئيسة مجلس النواب "نانسي بيلوسي" قائلة: "إن الهجوم العنصري المعادي للمثلية على "سموليت" هو إهانة لإنسانيتنا". في حين وصف عضو مجلس الشيوخ "كوري بوكر"، المرشح لمنصب الرئيس، حادثة سموليت بأنها "عملية قتل غوغائية في العصر الحديث". وهاجمت عضوة الكونغرس الديمقراطية "أليكساندريا أوكاسيو كورتيز" كل مَن حاول التشكيك في رواية "سموليت" قائلة: إن "هذا الهجوم لم يكن هجومًا "من المحتمل" أنه معادٍ للمثليين؛ بل كان هجومًا عنصريًا ومعاديًا للمثليين".

لماذا صدّق العديد من الأشخاص المحسوبين على اليسار السياسي هذه القصة المفتقرة للمصداقية بشكل واضح منذ اللحظة الأولى لانتشارها؟

لأنها مناسبة تمامًا للروايات التي يحبها اليسار: رواية أن أمريكا عنصرية وبأنها مرتع لكراهية للمثليين، ورواية أن مؤيدي ترامب هم عنصريون عنيفون، ورواية أن ترامب ذاته هو مصدر إلهام لهؤلاء العنصريين العنيفين. لقد كانت تلك القصة جيدة جدة لتكون حقيقية؛ لهذا لم يهتم أحد بما إذا كانت صحيحة أم لا.

إن هذه الظاهرة لا توجد فقط عند اليسار؛ فالانحياز للرواية التي تتطابق مع آرائنا بصرف النظر عن مصداقيتها هو مشكلة عامة لدى البشر، لكن على مدار الشهور الستة الماضية، رأينا كيف تحمّست وسائل الإعلان لنشر روايات غير موثوقة ولم تثبت صحتها حول الاعتداء الجنسي الذي زُعم أن القاضي "بريت كافناه" قام به منذ عقود مضت، والتقارير المزيّفة بأن طلابًا في المرحلة الثانوية مؤيدين لترامب قاموا بمضايقة رجل عجوز من الهنود الحمر، والآن الهجوم المزعوم على "سموليت".

هذه ليست مصادفة، فالرسالة الحقيقية في الأشهر القليلة الماضية هي أن وسائل الإعلام تخضع لسيطرة أشخاص متحالفين مع اليسار السياسي، هذا لا يعني أن كل شيء تبثه وسائل الإعلام هو أخبار كاذبة، لكنه يعني أن القائمين على هذه الوسائل الإعلامية هم أنفسهم مروّجون للأخبار الكاذبة، وهؤلاء في الواقع هم عبارة عن أشخاص متحفّزين مستعدين لضرب ضوابط الموضوعية الصحفية بعرض الحائط، من أجل نشر قصص تلائم روايتهم المفضلة. وعندما يتم انتقاد انحيازهم هذا، ينشرون قصصًا بشأن سلوك المحافظين "الهجومي والغاضب" ضد وسائل الإعلام، كما لو كانت القصة ليست انحياز وسائل الإعلام، ولكن غضب المحافظين من انحياز الإعلام.

هذا أمر سخيف، وكذلك كان الأمر بالنسبة لقصة "سموليت" منذ البداية؛ فإما أن تتعلم وسائل الإعلام التحقق من مصداقية أخبارها، أو أنها ستستمر في خسارة مصداقيتها! وإما أن يتعلم المتحزبون السياسيون الالتزام بالحقائق، أو أنهم سيواصلون تمزيق بلدانهم من أجل الروايات الكاذبة التي يفضلونها على الحقيقة.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا