نجوم يوتيوب كوريا الشمالية.. منشقون تحدوا قيود «مملكة الراهب»

رنا أسامة

يقول منشقون كوريون شماليون وخبراء للسي إن إن، إن هذه المنصات لا توفر فقط طريقًا للاستقلال المالي، لكنها تمنح أيضًا إحساسًا بالاستقلالية والاكتفاء الذاتي في عالم جديد شاق.


ألقت شبكة سي إن إن الأمريكية الضوء على انشقاق بعض الكوريين الشماليين، الذين أضحوا مشاهير على السوشيال ميديا بعد فرارهم إلى كوريا الجنوبية.

وهذه المجموعة تحدت القيود المشددة التي تفرضها بيونج يانج على شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي. ومن بين أولئك المنشقين، الممثلة والمغنية الكورية، جانج نا- را، التي ترعرعت في كوريا الشمالية ولم تستخدم الإنترنت مطلقًا.

أفكار شاذة

ترى كوريا الشمالية أن مواقع مثل جوجل ويوتيوب وإنستجرام، منصات تبث أفكارًا شاذة ودخيلة على المجتمع، ولكن نا- را، تحدت تلك النظرة، وأضحت من نجوم يوتيوب، بقناة يتابعها أكثر من 350 ألف شخص، في حين تحصد مقاطع الفيديو الخاصة ملايين المشاهدات. أما حسابها على إنستجرام، الذي يتابعه أكثر من 130 ألفًا، فيضج بإعلانات ترعاها علامات تجارية كبرى.

ومن هؤلاء الرعاة “شانيل الفرنسية” و”بوما الألمانية”. ويجري هذا في وقت لم يسمح فيه إلا لعدد قليل من الكوريين الشماليين باستخدام هواتف ذكية، والوصول إلى شبكة الإنترنت الخاصة بالدولة، حسب ما ذكرت الشبكة الأمريكية، في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، أمس الأحد 4 سبتمبر 2022.

الحياة في مملكة الراهب

حسب التقرير، فإن نا- را واحدة من ضمن عدد متزايد من المنشقين الكوريين الشماليين، الذين أضحوا نجومًا على منصة الفيديوهات “يوتيوب”، ومؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، بعد أن فروا إلى دولة كوريا الجنوبية.

وتظهر حسابات وفيديوهات عشرات الكوريين الشماليين، الذين سلكوا دربًا مشابهًا في العقد الماضي، كيف تبدو الحياة في كوريا الشمالية، التي يسميها الغرب “مملكة الراهب” لسياستها الانعزالية، بما في ذلك الطعام الذي يتناوله مواطنوها، ولغتهم العامية، وروتينهم اليومي.

جانج نا را 1

محتوى متنوع

يتنوع المحتوى الذي تقدمه قنوات المنشقين الكوريين الشماليين على يوتيوب، فيأتي بعضه مغلفًا بطابع سياسي يكشف عن علاقات كوريا الشمالية مع دول أخرى، في حين يغوص البعض الآخر في عوالم الأثرياء والثقافة الشعبية والترفيه، لا سيما في قنوات المنشقين حديثًا.

ولكن بالنسبة إلى العديد من هؤلاء المؤثرين، الذين فروا من إحدى أكثر دول العالم انعزالًا وفقرًا لإحدى أكثرها تقدمًا تكنولوجيًّا وترابطًا رقميًّا، فإن هذا المسار المهني ليس غريبًا كما قد يبدو. ويقول منشقون كوريون شماليون وخبراء لـ”سي إن إن” إن هذه المنصات لا توفر فقط طريقًا للاستقلال المالي، لكنها تمنح أيضًا إحساسًا بالاستقلالية في عالم جديد شاق.

ظاهرة حديثة نسبيًّا

أشار التقرير إلى أن الانشقاق ظاهرة حديثة نسبيًّا في كوريا الشمالية، في وقت فرت فيه أعداد كبيرة من الكوريين الشماليين إلى كوريا الجنوبية خلال 20 عامًا الماضية، عبر حدود بيونج يانج مع بكين، حسب ما قال سوكيل بارك، مدير منظمة “الحرية في كوريا الشمالية” غير الحكومية في كوريا الجنوبية.

ومنذ عام 1998، فر أكثر من 33 ألفًا من كوريا الشمالية إلى جارتها الجنوبية، وفق إحصائيات وزارة التوحيد في سيول، في حين بلغت الأعداد ذروتها عند ألفين و914 شخصا في عام 2009. وهذا الأمر يفسر أن طبيعة القيود المفروضة، تتمرد عليها الأجيال جيلًا بعد آخر، نظرًا إلى تطور الزمن وبحث الإنسان دومًا عن حريته.

فيديو لجانج نا را على يوتيوب

مخاطر وصعوبات

كانت جانج، 25 عامًا، من بين منشقين عديدين فروا إلى سيول في رحلة محفوفة بمخاطر، لعل أبرزها استغلالهم في تجارة الجنس بالصين، أو إلقاء القبض عليهم وإعادتهم مجددًا إلى كوريا الشمالية، في حين يمكن أن يخضعوا لتعذيب أو سجن أو حتى قتل. وفرت جانج إلى كوريا الجنوبية عام 2014، في سن المراهقة، لتنضم إلى والدتها المنشقة.

وكمنشقين كثر، واجهت جانج صعوبات في البداية، بما في ذلك الشعور بوحدة وصدمة ثقافية، فضلًا عن الضغوط المالية، لا سيما أن سوق العمل في سيول أكثر صرامة للمنشقين الذين يتعين عليهم التكيف مع مجتمع رأسمالي والتأقلم مع عداء بعض السكان المحليين. ومن 2020 كان 9.4% من المنشقين عاطلين مقارنة بـ4% من إجمالي الكوريين الجنوبيين، وفقًا لوزارة التوحيد.

نافذة المنشقين

في عام 2010، أفرز الانجذاب العام المتزايد للكوريين الشماليين، ظاهرة جديدة من البرامج التليفزيونية التي يقدمها منشقون يتبادلون خلالها خبراتهم، أطلق عليها اسم “نافذة المنشقين”. ومن أشهر تلك البرامج “Now On My Way To Meet You”، الذي جرى بثه لأول مرة عام 2011، و”Moranbong Club” في عام 2015.

وظهرت جانج على كلا البرنامجين، لكنها اهتمت أيضًا ببث مقاطع فيديو حول الجمال والموضة والمكياج على يوتيوب، ودشنت قناتها الخاصة بحلول عام 2017، تلك القناة التي حظيت بشعبية كبرى، لدرجة أنها تمنحها الآن تدفقات ثابتة للدخل، وفق “سي إن إن”.

بارك سيو هانج

فكر رجال الأعمال

أشار التقرير إلى منشقين كوريين شماليين آخرين حذوا حذو جانج، من بينهم كانج إيون جونج التي يتابع قناتها على يوتيوب أكثر من 177 ألفًا، وجون هيو بأكثر من 270 ألفًا، وبارك سو هيانج التي يتابعها 45 ألفًا، وألهمت آخرين للانضمام إلى يوتيوب.

وعزا سوكيل بارك هذا النجاح إلى أن المنشقين يتحلون بفكر رجال الأعمال، من دون الحاجة إلى اتخاذ أوامر من رئيس كوري جنوبي أو الالتزام بثقافة العمل في كوريا الجنوبية. وأضاف: “قد يكون الأمر أشبه بصراع، ولكنك في النهاية رئيس نفسك، وفق جدولك الخاص”.

ربما يعجبك أيضا