نورديك مونيتور | وثائق سرية مسرّبة تكشف وجود شبكة تجسس واسعة تديرها الاستخبارات التركية في كافة أنحاء العالم

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

كشفت وثائق تحمل علامة "سري" حصل عليها موقع Nordic Monitor أنشطة غير شرعية للرصد وجمع المعلومات والمراقبة، يقوم بها جهاز الاستخبارات التركي في أوروبا والأمريكتين وأفريقيا وآسيا.
وفقًا لهذه الوثائق السرية، تقوم تركيا بعمليات استخباراتية للتجسس على منتقدي الحكومة الإسلامية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان في أكثر من عشر دول حول العالم. هذه الوثائق جرى إعدادها من جانب وكالة حكومية سرية أُسست عام 2016 بموجب مرسوم خاص من الرئيس أردوغان، ويعمل هذا الجهاز تحت مظلة "مديرية الأمن الوطني".

يتضح عند مراجعة هذه الوثائق أن الجواسيس الأتراك ينشطون في جمع معلومات استخباراتية في البلدان التالية: الولايات المتحدة وكندا وألمانيا والمملكة المتحدة وبلجيكا وإيطاليا وهولندا واليونان والنرويج ورومانيا والبرازيل وأنغولا وجنوب أفريقيا ومصر والعراق وأوزبكستان وباكستان وقرغيزستان.

وتظهر الوثائق أن المعلومات الاستخبارات التي جُمعت عن مُنتقدي الحكومة في هذه البلدان أُرسلت إلى "جهاز مكافحة الجرائم ضد الأمن الوطني"، وهو جهاز أُسس في الثاني عشر من مايو 2016 في العاصمة أنقرة. وقد طلب أردوغان شخصيًّا تأسيس هذا الجهاز ونجح في مصادقته في اجتماع وزاري برئاسة رئيس الوزراء التركي حينها "أحمد داوود أوغلو" وفقًا للقرار رقم 2016/8591 بتاريخ الرابع عشر من مارس 2016. لم يعلن مكتب التسجيل الحكومي اسم هذا الجهاز الجديد، وبدلًا من ذلك، أشار إليه بوصفه واحدًا من أربع أجهزة جديدة جرى تأسيسها داخل مديرية الأمن الوطني.

تسرد الوثائق أسماء الأشخاص الذين حددت الاستخبارات التركية مواقعهم وتعقبتهم وراقبتهم. ويبدو أن العملاء الأتراك كانوا أكثر نشاطًا في الولايات المتحدة وألمانيا واليونان، إذ كان عدد الأشخاص الذين أُدرجوا تحت المراقبة في هذه البلدان أكثر من نظرائهم في البلدان الأخرى.

كانت السلطات التركية فيما يبدو قلقة بشأن تسريب تلك الوثائق، وهو ما تعبّر عنها صيغة رسالة تعريفية عُثر عليها وسط الوثائق السريّة. في هذه الرسالة، بتاريخ الثامن من نوفمبر 2018، يحذر "كايهان آي"، نائب رئيس جهاز الشرطة في أنقرة، مساعديه للتعامل بحرص مع تلك المعلومات.
ويؤكد أن المعلومات يجب مشاركتها على أساس "الحاجة للمعرفة"، "ولا يجب مشاركتها مع أي أشخاص أو وكالات غير مصرّح لها". كما طالبهم بمراجع البروتوكولات لضمان أمن المعلومات الاستخباراتية، والعمل في الوقت ذاته على اتخاذ إجراءات ضد الأشخاص الذي جُمعت لهم ملفات شخصية في بلدان أجنبية. كانت حكومة أردوغان فيما يبدو قلقة بشأن التداعيات التي ستقع عقب الكشف عن هذه الوثائق، وأرادت أن تضمن عدم حدوث تسريب.

يُعتقد أن الأشخاص الذين استهدفتهم الذراع الطولى لحكومة أردوغان في الخارج هم من المنتمين لحركة "غولين"، وهي جماعة تصدح بانتقادها لأردوغان وحلفائه بشأن عدد من القضايا، بداية من الفساد المستشري في الحكومة، وصولًا إلى مساعدة تركيا لجماعات إسلامية متطرفة في سوريا والعراق وليبيا.

إن إدراج أسماء هؤلاء الأشخاص المقيمين في الخارج في تلك الوثائق قد تكون له تداعيات كارثية عليهم؛ فهم عُرضة للاعتقال في حال عودتهم للوطن، ويُحرمون من الخدمات القنصلية في السفارات والقنصليات التركية، ويتم الاستيلاء على ممتلكاتهم في تركيا استنادًا إلى تهم إرهاب مفبركة. وتظهر الوثائق أن الأشخاص المذكورة أسماؤهم في التقارير الاستخباراتية خضعوا لمزيد من التحقيقات من جانب جهاز مكافحة الجريمة المنظمة. وتعرّض العديد منهم لمحاكمة جنائية واتهامات مشكوك فيها. 

يوضح التقرير البحثي المُرفق بالوثائق الاستخباراتية والموقّع من "رسول هولغلو" رئيس جهاز مكافحة الجريمة، كيف أن السلطات التركية مصممة على تدمير حياة الأشخاص الذين تجسست عليهم في بلدان أخرى. عُرِّف كل فرد من هؤلاء بملاحظات توضيحية مختصرة، ما يشير إلى أن الحكومة كانت تراقبهم بسبب قيامهم بأنشطة تُعدّ قانونية في أي بلد يسوده حكم القانون.

لقد جرى إرفاق هذه الملاحظات التي جمعها جهاز الاستخبارات الوطني التركي بالملفات التي استُخدمت لبناء قضايا ملفقة ضد منتقدي الحكومة. وبالرغم من أن المعلومات الاستخباراتية جُمعت بواسطة عملاء أتراك سريين في حالات عديدة، بيد أنه في بعض الحالات شارك دبلوماسيون أتراك في التجسس. على سبيل المثال، شارك دبلوماسيون أتراك يعملون في السفارات التركية في لندن والدنمارك وأوزبكستان في عمليات مراقبة غير شرعية ضد أتراك وأرسلوا تقارير لوزارة الخارجية في أنقرة.
هذه المعلومات الاستخباراتية، التي جُمعت في انتهاك واضح لمواثيق فيينا المتعلقة بسلوك الدبلوماسيين على الأراضي الأجنبية، أُدرجت أيضًا في ملف القضية. وكشف الملف المتعلق بالدنمارك أن دبلوماسيين هناك أدرجوا اسم صحفي تركي منتقد لأردوغان على القائمة.

خضع "إبراهيم أيطاش آنلي"، وهو مواطن تركي مقيم في الولايات المتحدة، للمراقبة أثناء إقامته في العراق قبل انتقاله للولايات المتحدة. هو يشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لـ "منتدى الرومي"، وهو مؤسسة غير حكومية مقرّها واشنطن تناصر فكرة الحوار بين الأديان والثقافات.

من بين الأشخاص الذين جُمعت معلومات عنهم كان الصحفي "متين يكار"، الذي كان رئيس تحرير محطة "سمانيولو خبر" التلفزيونية البارزة في تركيا. فرّ هذا الصحفي من تركيا ليتجنب حُكمًا بالسجن يستند إلى اتهامات مفبركة عقب إغلاق الحكومة لشبكته التلفزيونية عام 2016. لقد استشاط أردوغان غضبًا بسبب تقرير انتقادي بثته المحطة عن تحقيق فساد يطال الحكومة التركية ويجرّم أعضاء في أسرة أردوغان.

بقية الأسماء التي أُدرجت على القائمة هي كالتالي: إبراهيم هاسغور في قرغيزستان، وذكي ياغمور في البرازيل، وياشار بيشين في مصر، وعلي يالتشينداغ في جنوب أفريقيا، وتاشكين ديمير في باكستان، وفيصل أرتوقسلان في أوزبكستان، وأينور أتاش وصباح الدين إيرغول، وأربعة أعضاء في أسرة "كاساب" (بايرام وبرجو وشيهربان وعبد الله) في أنغولا.   

الأشخاص التالي ذكرهم جرى استهدافهم ضمن حملة الحكومة التركية الشرسة ضد منتقديها ومعارضيها في الولايات المتحدة: عمر كيرجغلو وإيرهان جوبان ومحمد كورت وحسين جينش ومصطفى يلديز وأحمد محرم أتليغ وحسين حرمالي ومتين يكار وسيركان مينغوش ومحمد أنيس يلماظ ومصطفى يتيم. أما الأشخاص الذين استهدفهم عملاء الاستخبارات التركية في ألمانيا فهم: حسين ساروهان ووداد أوغوز وجميل كوجا ومشريف أوزر ومراد كال وتوران علي باشترك وعلي كان أوزتورك وعبدالله يلماظ. وفي اليونان، رصدت الاستخبارات التركية كلًا من زهرة توركر وإبراهيم باشتيبه ونظيف ياليلي وخليل دينش وناظم كيليش ومحمد دوزنلي وكوبيلاي توركر.    
      

في تركيا، يقبع ما يزيد على نصف مليون شخص مرتبطين بحركة "غولين" في مراكز اعتقال بناءً على تهم إرهاب مزيفة منذ عام 2014، وذلك ضمن حملة أردوغان القمعية غير المسبوقة ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وآخرين. وطردت الحكومة التركية ما يزيد على 130 ألف موظف حكومي من أعمالهم دون تحقيق قضائي أو إداري فعّال، من بينهم 4.560 قاضيًا ومدعيًا جرى استبدالهم بآخرين موالين لأردوغان.
ونتيجة لهذا التطهير الهائل، تحولت الأجهزة القضائية وسلطات تطبيق القانون لأدوات في أيدي حكومة الرئيس أردوغان الإسلامية لمعاقبة المنتقدين والمعارضين. وبحلول أبريل 2020، كان هناك 161 صحفيًّا في سجون تركيا، وهو ما يفوق بكثير أعداد الصحفيين المعتقلين في بقية العالم.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا