هل التدخل السياسي وراء استقالة رئيس أكبر صندوق سيادي بالعالم؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

رئيس صندوق النرويج السيادي، صندوق الثروة الأكبر عالميًا والذي تبلغ قيمته حاليًا عشرة تريليونات كرونة، أو ما يعادل 1.09 تريليون دولار، يستقيل بعد 12 عامًا من العمل.. فماذا حدث ودفعه للإقدام على تلك الخطوة، وما هو تأثيرها على قطاع الاستثمارات العالمية؟!.

أسباب قوة الصندوق النرويجي

الأسواق محفوفة دومًا بمخاطر سياسية شائعة، والتي لا تحظى باهتمامًا كبيرًا من قبل المستثمرين، فهم يكترثون فقط بالاتجاهات الأبعد المدى والمتعلقة بالتسعير والتطور التكنولوجي ووضع الاقتصاد العالمي، فهذه هي الأشياء الهامة لأي مستثمر عندما يأخذ المخاطر بالحسبان.

ويعد الصندوق السيادي النرويجي الأكبر انكشافًا على أسواق الأسهم بين صناديق الثروة العالمية، ما يعني أن أي انهيار بنسبة 30% أو 40% في الأسهم، سيلقي بتداعيات مخيفة على أداء الصندوق وقيمته، خاصة إذا أصبح هناك على عملته “الكورونة النرويجية” كملاذ آمن.

لكن حتى اليوم صندوق الثروة النرويجي مستفيد بقوة من المخاطرة والانكشاف على أسواق الأسهم العالمية.

ينفا سلينجستاد.. شخصية استثمارية استثنائية

رئيس أكبر صندوق سيادي للثروة في العالم، ينفا سلينجستاد، في الـ56 من عمره، وظل 22 عامًا مع الصندوق (12 عامًا منها رئيسًا تنفيذيًا للصندوق منذ يناير 2008)، منذ أن كانت قيمته 300 مليون دولار واليوم تتجاوز ألف مليار دولار (تريليون دولار)، ليس فقط بفضل الاستثمارات، ولكن أيضا بفضل تنويعه لمحافظه الاستثمارية، فهناك 9 آلاف شركة به، من بينهم “أبل” و”ميكروسوفت” و”نستله السويسرية”، إضافة إلى كبريات مؤسسات المال والصيرفة العالمية، ، كما يستحوذ على ما يعادل 1.4% من قيمة الأسواق المالية العالمية.

وأظهر تحديث على الموقع الإلكتروني للصندوق أن القيمة العالمية لصندوق معاشات التقاعد الحكومي بلغت عشرة تريليونات كرونة نرويجية للمرة الأولى، أي أكثر من 200 ألف دولار لكل رجل وامرأة وطفل في النرويج. (الدولار= 9.157 كرونة).

ويستثمر الصندوق، الذي يُعرف عادة بالصندوق النفطي الذي تديره وحدة من البنك المركزي، ما يقرب من 70% من الأموال في أسهم عالمية ونحو 28% في محفظة من أصول الدخل الثابت، وتشكل حيازات عقارية غير مدرجة الباقي.

وعُرف ينفا سلينجستاد بأخلاقيات التعامل مع الأسهم، حيث ابتعد عن الاستثمار في شركات السلاح والتبغ، وقام بتسييل أسهمه في الشركات المضرة للبيئة، وكانت آخر قراراته المتماشية مع ذلك النهج هو بدء تخارج الصندوق النرويجي من استثماراته النفطية حول العالم.

وفي أبريل الماضي، أعطى الضوء الأخضر لاستثمار ما يصل إلى 2% من قيمة الصندوق في البنية التحتية للطاقة المتجددة غير المدرجة.

وهذا ما جعله أحد أكثر الشخصيات الاستثمارية نفوذًا في العالم، وفق تصنيفات مجلة “فوربس” ومجلات اقتصادية أخرى.

ويحمل “سلينجستاد” شهادات علمية في مجالات القانون والاقتصاد والعلوم السياسية من جامعات في النرويج وكاليفورنيا وباريس.

وفي يوم الأربعاء الموافق 30 أكتوبر 2019، أوضح سلينجستاد، في مؤتمر صحافي، أنه فكر كثيرًا قبل اتخاذ قرار الاستقالة من منصبه لمدة عام تقريبًا، وأنه فخور بكونه جزءًا من بناء منظمة استثمار دولية رائدة تضم موظفين موهوبين ومحترفين، وتحقيقه لعائدات جيدة من أجل مستقبل أفضل لأمته (النرويج)، مشيراً إلى أنه سيبقى في المنصب حتى العثور على خليفة له.

ورأى ينفا سلينجستاد أن هذا هو الوقت الأفضل لتغيير القيادة والبحث عن شخص آخر لصناعة مزيد من التميز للصندوق وللأمة النرويجية، نافيًا كل ما يقال عن أن سبب استقالته يعود لتدخل الحكومة النرويجية ممثلة في البنك المركزي في مبادرته لتسييل كافة استثمارات النفط والغاز، والاكتفاء فقط بتخفيفها لتشمل الشركات المنقبة، والإبقاء على إكسون موبيل وشيل في محفظة الصندوق .

وجاء هذا التصريح بعد إعلان الصندوق عن نمو عائداته بنسبة 1.6% أو ما يعادل 236 مليار كرونة نرويجية (26 مليار دولار) في الربع الثالث من 2019؛ مدعومًا بحيازته من السندات والأسهم الأمريكية والسندات اليابانية.

ووفق “فاينانشال تايمز”، فإن سلينجستاد تميز بأسلوب فريد من نوعه في إدراة أعماله، حيث كان يرفض دائمًا فكرة الاعتماد على سكرتير أو مساعد شخصي للمدير، على الرغم من المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتقه.

وحسب تقرير للصحيفة حول أسلوب عمله، لا يستعين سلينجستاد بأي شخص لتحضير جدول اجتماعاته، كما أنه يشرف بنفسه على شراء تذاكره وحجز رحلاته نحو مختلف الوجهات.

وللتذكير أيضاً، يبلغ عدد اجتماعات الرئيس التنفيذي للصندوق النرويجي للثروة السيادية نحو 3500 اجتماع في السنة، وفقاً لـ”ذي إريش تايمز”، ما يعادل 10 اجتماعات يوميًا.

وحول فلسفته في العمل، قال في مقابلة سابقة مع “فاينانشال تايمز” إن فكرة وجود مساعد شخصي في المكتب تجعل الرئيس التنفيذي بعيدًا عن الموظفين.

وبدلاً من وجود “سكرتير” يعتمد الرجل على باب مكتبه فقط، بحيث إذا تم ترك الباب مفتوحًا فإن ذلك يعني أنه متاح للقاء أي شخص، وعند الإغلاق فإن ذلك يعني أن المدير مشغول في الوقت الحالي.

ولم يتجاوز راتب “ينفا سلينجستاد” السنوي كرئيس تنفيذي 810 آلاف دولار، وهو ما يعد متواضعًا بعض الشيء، مقارنة بالعديد من المؤسسات المماثلة أو حتى الأقل قيمة حول العالم.

مستثمر الأزمات

سلينجستاد عمل رئيسًا تنفيذيًا لصندوق الثروة السيادي النرويجي منذ يناير 2008، في وقت كان العالم يعاني فيه من أزمة مالية طاحنة، لكنه استثمر بشكل كبير خلال انهيار أسواق الأسهم، وأشرف على تضاعف قيمة أصول الصندوق بخمس مرات خلال توليه المسؤولية.

وهذا ما دفع وزير المالية إلى مدحه، قائلًا: “ينفا سلينجستاد أدى خدمة ومنافع كبيرة ستتذكرها الأمة النرويجية طويلًا”.

وحذر سلينجستاد من أن يتم تفسير استقالته على أنه يعتقد وجود تحولاً في الأسواق قريباً، قائلاً: “لو كنت اعتقد أن هناك أزمة مالية وشيكة، كنت أتمنى اكون متواجداً في الصندوق، فأنا أجد أنه من الأمور الصعبة والمثيرة كذلك العمل خلال الأزمات”.

ومن المقرر أن ينتقل سلينجستاد إلى لندن بعد اختيار رئيس تنفيذي للصندوق السيادي، من أجل إدارة صندوق في البنية التحتية للطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح، لمدة عامين قادمين.
 

ربما يعجبك أيضا