هل تسير بكين على خطى واشنطن في تفعيل الحوافز المالية لدعم الاقتصاد؟

شروق صبري
الرئيس الصيني شي جين بينج

تشعر القيادة بالقلق من خطورة تفعيل الحوافز التي تزيد من الدين الحكومي أو تهدد بعدم الاستقرار المالي في الصين فماذا يحدث في بكين؟


تزايدت الدعوات للرئيس الصيني، شي جين بينج، بتقديم مليارات الدولارات لدعم الإنفاق ووقف الانزلاق إلى الانكماش، ودعم العملة الضعيفة.

وجاءت هذه الدعوات في أعقاب المشكلات الاقتصادية المعقدة في الصين، واضطرابات قطاع العقارات وارتفاع ديون الحكومات المحلية، فضلًا عن الاستهلاك الضعيف، لكن لا يهتم الرئيس الصيني كثيرًا بهذه الدعوات بسبب القضايا الأمنية الخارجية.

الأمن قبل الاقتصاد

نقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية عن محللين للاقتصاد الصيني قولهم إن “شي جين بينج امتنع عن تقديم حوافز واسعة النطاق، وهو مثال حي على وضع تركيزه على الأمن الداخلي والخارجي على حساب المشكلات الاقتصادية التي يعانيها ثاني أكبر اقتصاد في العالم”.

ووفقًا لخبراء في السياسة والاقتصاد الصيني، ومستشارين حكوميين في بكين، يشعر القادة بارتياح لمعدلات النمو البطيئة، وبالقلق من أي تغييرات كبيرة، من شأنها أن تضيف إلى الديون الحكومية أو تهدد بعدم استقرار النظام المالي، حسبما ورد في تقرير الصحيفة يوم الاثنين 4 سبتمبر 2023.

الانكماش الاقتصادي

في هذا الصدد، قال أستاذ الاقتصاد السياسي الصيني في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو، فيكتور شيه، إنها مسألة معقدة للغاية، خصوصًا في ما يتعلق الأمر بخفض الاستثمار في التكنولوجيا أو الدفاع الوطني أو الأمن الداخلي.

تراجع الاقتصاد الصيني

تراجع الاقتصاد الصيني

وقال خبير الشؤون الصينية في مركز الأبحاث تشاتام هاوس بالمملكة المتحدة، يو جي، إن “القراءة الدقيقة لإعلانات وخطابات الحكومة الصينية خلال الأشهر الأخيرة، وتصريحات المكتب السياسي، أظهرت أن القيادة العليا كانت واضحة الرؤية بشأن خطورة الانكماش الاقتصادي”.

وأضاف أن “أولوية بكين في مواجهة البيئة الخارجية المتزايدة العداء، هي الأمن والاعتماد على الذات، وليس النمو الاقتصادي، فلم يعد الأمر يتعلق بالنمو الاقتصادي، بل بالسعي إلى الأمن، والشعور بالاعتماد على الذات علميًّا واقتصاديًّا”.

قطاع العقارات

في الأسابيع الأخيرة، كشفت السلطات الصينية عن سلسلة من التدخلات لدعم الاقتصاد، خصوصًا قطاع العقارات، التي تمثل أكثر من ربع النشاط الاقتصادي في البلاد. وللمساعدة في استقرار سوق العقارات، خفضت الحكومة المركزية أسعار الفائدة.

وخفض بنك الشعب الصيني كمية العملات الأجنبية الاحتياطية التي يتعين على المؤسسات المالية الاحتفاظ بها، ما يوفر المزيد من الدعم للرنمينبي الصيني الذي انخفض أكثر من 5% مقابل الدولار هذا العام.

وأرسلت فرقًا من محافظي البنوك المركزية وغيرهم من الخبراء الماليين إلى المقاطعات المثقلة بالديون لإعادة هيكلة الالتزامات، وسط توقعات بمزيد من الاستثمار في البنية التحتية.

البيانات الاقتصادية الصينية

قلص الاقتصاديون توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من هدف الحكومة البالغ 5%، ودعوا إلى إجراءات تحفيز أقوى، ومزيد من الدعم لقطاع الإسكان، واتخاذ تدابير لتعزيز الإنفاق الاستهلاكي.

وباتت أولوية محافظي البنوك المركزية الصينية هي السيطرة على المخاطر، وليس تعزيز مبيعات المنازل، وتدرك الحكومة المركزية جيدًا أن قطاع العقارات سينكمش حتمًا.

وترى بكين أن التعديل ضروري على المدى الطويل مع استمرار تعديل نموذج النمو الخاص بها، بعيدًا عن تطوير العقارات والبنية التحتية وخدمات المستهلك، والتصنيع عالي التقنية.

التحفيز الحكومي المركزي

قال مدير استثمارات الصين في صندوق WisdomTree Asset Management الأمريكي، ليكيان رين، إن “بكين تعتقد أن توسيع التحفيز الحكومي المركزي إلى النطاق الذي شوهد في الولايات المتحدة استجابة للأزمة المالية عام 2008، من المرجح أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم وزعزعة استقرار الرنمينبي”.

وأضاف “الولايات المتحدة استثنائية في قدرتها على استخدام التحفيز المالي دون التأثير في مجالات أخرى”، مشيرًا إلى مكانة الدولار الأمريكي عملة احتياطية عالمية.

وتضاءلت آمال الاقتصاديين في إجراء إصلاحات أعمق في الإنفاق العام، وتعزيز تغطية معاشات التقاعد والرعاية الصحية في الصين، إلى درجة يشعر فيها الناس بما يكفي من الأمان، منذ أن أعرب شي عن نفوره من أنظمة الرعاية الاجتماعية التي تسير  على النمط الأوروبي في عامي 2011 و2021.

مخاوف من انكماش الاقتصاد الصيني

مخاوف من انكماش الاقتصاد الصيني

حملة «الرخاء المشترك»

أحد العناصر المهمة المفقودة في استجابة الحكومة هو محاولة إصلاح علاقة الإدارة مع رواد الأعمال في القطاع الخاص.

وقال استراتيجي الاستثمار في صندوق ماثيوز آسيا، آندي روثمان، إن “المشكلة الأكبر هي أن الثقة بين رجال الأعمال الصينيين لم تتعافَ من حملة الرخاء المشترك الكاسحة التي أطلقها شي”.

وقد سعت هذه السياسة لإعادة تأكيد سيطرة الحزب على طبقة المليارديرات في البلاد، التي وسعت نفوذها خلال عقود من النمو الاقتصادي، لكن هذه الحملة مسحت تريليونات الدولارات من أسعار أسهم الشركات الصينية، وأثارت شعورًا غامرًا بعدم اليقين التنظيمي.

الولاء للرئيس

من جانبه، قال الخبير في السياسة والاقتصاد الصيني في جامعة سنغافورة الوطنية، لانس جور، إن “الانكماش الأعمق قد لا يثير قلق شي، الذي حصل العام الماضي على فترة ولاية ثالثة مدتها 5 سنوات رئيسًا للحزب والجيش. لأنه عيّن فريقًا قياديًّا يضمن الولاء له طوال فترة حكمه”.

وكان المكتب السياسي، المؤلف من 24 عضوًا، يتمتع ذات يوم بتوازن بين الخبرة الاقتصادية والميول الأيديولوجية، لكن شي كدّس المناصب العليا مع قادة موثوقين في الأغلب عمل معهم على مدى عقود من الزمن ونجوم صاعدين أثبتوا جدارتهم بالثقة وانسجامهم مع وجهات نظره الخاصة.

وهذا يعني أنه على الرغم من احتجاجات العام الماضي بشأن ضوابط فيروس كورونا ومعدلات البطالة القياسية بين الشباب، فمن غير المرجح أن يشكك الكثير في حكمة شي.

اقرأ أيضًا| ما تأثير تراجع الاقتصاد الصيني في العالم؟.. الإيكونوميست تجيب

اقرأ أيضًا| الإيكونومست تسأل وتجيب: لماذا لن ينصلح الاقتصاد الصيني؟

ربما يعجبك أيضا