هل تضررت تجارة مصر الخارجية بعد 2011؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

أدخلت الانتفاضات التي سميت بثورات الربيع العربي دول المنطقة في العديد من الأزمات والحروب الأهلية، حيث سيطرت على الشرق الأوسط حالة عامة من عدم الاستقرار الإقليمي، والتدهور الاقتصادي، وكانت تكلفة الاضطرابات الناتجة عن أحداث ما بعد الربيع العربي في مصر، ليبيا، تونس واليمن أكثر من 800 مليار دولار أمريكي.

كما سادت حالة من عدم اليقين في بعض دول الثورات العربية، واستمرار الأزمات الاقتصادية والأمنية، وإمكانية انسحاب التداعيات على الاستقرار والأمن في باقي المنطقة ودول الإقليم.

لذلك ينبغي على كافة الدول في المنطقة تجاوز أزماتها الحالية والتصدي للاختراقات الخارجية قدر الإمكان.

استنزاف اقتصادي

كبدت الثورات التي ضربت مصر، ليبيا، سوريا، تونس واليمن ما قيمته 50 مليار دولار تقريبا من ناتجها في 2016 أو 11% من ناتجها مجتمعة في 2010.

وبحسب بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي، خسرت مصر نحو عشرة مليارات دولار، وتراجع الناتج الاقتصادي لليبيا إلى النصف ليصل إلى 35 مليار دولار، وتأثرت كل الاقتصادات العربية الأخرى في شمال افريقيا وشرق البحر المتوسط بدرجة ما.

وربما تكون هذه الأرقام أقل من الخسارة الفعلية، فالعديد من الحكومات التي تحاول جاهدة احتواء الاضطرابات الاجتماعية رفعت الإنفاق على الأجور ودعم الغذاء والطاقة، وهذا يؤثر سلبا على الماليات العامة التي كانت مهتزة بالفعل ويستنزف احتياطيات النقد الأجنبي.

وقد تسبب عدم الاستقرار في ليبيا في تأثيرات ضارة على المصالح الاقتصادية والأمنية لمصر، وأدى فقدان المزايا الاقتصادية التي كانت تتمتع بها القاهرة فيما مضى مع دولة ليبية مستقرة إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية في مصر منذ عام 2011.

فقبل الأزمة الليبية، أسهم 1.5 مليون عامل مصري بحوالي 33 مليون دولار سنوياً من التحويلات المالية؛ في حين انخفض عدد العمال المصريين المهاجرين إلى ليبيا بشكل كبير.

في عام 2015 كان هناك نحو 75 ألف عامل مصري فقط مقيمين في ليبيا، الأمر الذي أدى إلى خفض العائدات من التحويلات المالية، والضغط على سوق العمل المصرية، التي تشهد حالياً نسبة بطالة تقدر بـ 12% (ذلك الرقم الذي يعد أكثر من أضعافه بالنسبة للشباب).

وفي تونس، يُعد الأثر الاقتصادي للنزاع الليبي، وحتى بالمقارنة مع مصر، أسوأ من ذلك بكثير.

ويُقدر البنك الدولي بأن تونس تخسر 800 مليون دولار سنوياً بسبب انخفاض الاستثمار والطلب من ليبيا، بينما تقدر المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بأن الأزمة الليبية قد تُكلف تونس ما لا يقل عن 5 مليارات دولار في الإجمالي.

تضرر النشاط التجاري

تعد مصر أحد أهم محاور القوة والنفوذ في أفريقيا وذلك جنبا إلى جنب مع: الجزائر، إثيوبيا، نيجيريا وجنوب أفريقيا، حيث تشكل هذه الدول الخمس من واقع الدراسات الاستراتيجية عن القارة حوالى: 40% من عدد سكان أفريقيا، 60% من اقتصادها، و58% من إنفاقها العسكرى.

وتضرر التبادل التجاري بين مصر ودول شمال أفريقيا وكذلك دول عربية أخرى بعد تلك الثورات التي ضربت بعض دول المنطقة، فالتجارة مع ليبيا ما زالت متوقفة.

ما زالت الصادرات المصرية إلى أفريقيا تدور في فلك الـ20 مليار دولار، وقد ذهب البعض إلى تقدير حجم التبادل التجارى بين مصر وأفريقيا مؤخرا بقرابة 1.3 مليار دولار سنويا، وهو رقم لا يتناسب مع دور ومكانة مصر في القارة.

فيما عانت التجارة بين مصر وليبيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وليبيا بنهاية عام 2014 حوالي 900 مليون دولار، وذلك مقارنةً بـ 2.5 مليار دولار في عام 2010 قبل الأزمة الليبية.

وفي عام 2015، صرح رئيس مجلس الأعمال الليبي-المصري ناصر بيان بانخفاض حجم الصادرات المصرية للسوق الليبية بنسبة 75%.

ولا يتجاوز حجم الصادرات المصرية إلى السوق الليبي حاليا الـ 25% من إجمالي الصادرات للخارج ويتركز معظمها في السلع الغذائية والاستراتيجية.

وكان السوق الليبي يعتمد على المنتجات المصرية بنسبة 80% من وارداته بسبب القرب المكاني جغرافياً والعلاقات القوية بين الجانبين.

وخلال عام 2016، صرح البنك الدولي بأن الأزمة في ليبيا قد أسهمت في خفض المستوى المتوقع لنمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر.

ويبقى تطور المبادلات التجارية مرهونا بإنشاء خطوط ملاحية مباشرة بين الموانئ المصرية ونظيرتها الأفريقية، وإنشاء مراكز لوجستية لتكون محور ارتكاز لنقل السلع بين مصر والدول الأفريقية وتذليل العقبات أمام الصادرات المصرية.

تنامي الاتجار بالبشر

لا يزال يشكل تسلل المتطرفين من ليبيا مصدراً كبيراً للقلق، لا سيما بسبب ما تواجهه مصر حالياً داخل حدودها.

وبالإضافة إلى ذلك، يسعى العديد من المهاجرين الأفارقة إلى الوصول إلى أوروبا عن طريق مصر بدلاً من ليبيا، نظراً للطبيعة الخطرة المتزايدة للطرق عبر ليبيا.

وكانت مصر محطة رئيسية لهجرة السوريين غير الشرعية في الفترة ما بعد عام 2011، وباتت ليبيا الغارقة في الفوضي هي الأخري تشكل البوابة الرئيسية للمهاجرين الأفارقة الذين يتوجهون إلي الاتحاد الأوروبي عبر البحر الأبيض المتوسط في رحلات محفوفة بالمخاطر.

وتصف التقارير الدولية الهجرة غير الشرعية بأنها تجارة مربحة، حيث يجني المهربون من افريقيا إلى أوروبا، ومن أمريكا الجنوبية والوسطي إلي أمريكا الشمالية، نحو6 مليارات و800 مليون دولار سنويا. في حين يجني بعض المهربين أكثر من60 ألف دولار أسبوعيا من هذه العمليات.

رواج تجارة السلاح

زاد رواج تجارة السلاح في مصر بعد ثورة يناير، جراء حالة الانفلات الأمني التي شهدتها البلاد عبر الحدود، ونشاط الإرهاب وعصابات التهريب من عدة محاور أهمها السودان وليبيا، عقب سقوط معمر القذافي، إضافة إلى التهريب عبر البحر المتوسط، وأنفاق تهريب السلاح من وإلى غزة.

كما يعد الصعيد مركزًا رائجًا لهذه التجارة، بسبب عرف الأخذ بالثأر والذي يتطلب وجود أسلحة كثيرة لتحقيق ذلك، كما تعتبر سيناء التي تنتشر فيها العديد من الجماعات الإرهابية والمتطرفة، منطقة نشطة في هذا النوع من التجارة، إضافة إلى التهريب عبر الصحراء الغربية والحدود الليبية.

وتشير التقديرات وفق تقارير من منظمات وهيئات حكومية ورقابية إلى أن حركة تجارة السلاح في مصر تصل إلى 30 مليار جنيه من خلال بيع 10 – 15 مليون قطعة سلاح، وإن ما يتم ضبطه لا يتجاوز الـ20% على أفضل تقدير.

أما عن نوعية الأسلحة المهربة، فإنها تبدأ من الأسلحة البيضاء وتصل إلى الصواريخ والقذائف.

ازدهار تجارة المخدرات

يشهد نشاط عصابات تهريب المخدرات في دول شمال أفريقيا ازدهارا منذ سنوات، تزامنا مع تدهور الوضع الأمني في ليبيا، ما جعل تنقل شحنات المخدرات عبر الحدود الصحراوية أكثر سهولة، إضافة إلى انتشار تجارة السلاح التي تغذي ظاهرة الإرهاب في المنطقة.

وضاعفت عصابات تهريب المخدرات في المناطق الصحراوية من نشاطها خلال السنوات الأخيرة، تزامنا مع تدهور الوضع الأمني في البلدان التي شهدت ثورات ما يسمى بـ”الربيع العربي” ما جعل نقل شحنات المخدرات عبر الحدود الصحراوية أكثر سهولة، إضافة إلى انتشار استهلاك الحشيش في كل تلك البلدان التي يعاني مواطنوها من مشاكل اجتماعية بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية المضطربة.

ربما يعجبك أيضا