هل تعود ألمانيا قوة عسكرية عظمى في العالم؟ نيويورك تايمز تناقش

بسام عباس

مخاوف متزايدة في ألمانيا من عدوان روسي محتمل، ما دفع العملاق الاقتصادي الأوروبي لمحاولة تاريخية لتنشيط قواته المسلحة.. فهل سينجح في محاولته؟


رصدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فعالية يوم الجيش الألماني، لحث الشباب الألماني على الانخراط في صفوف جيش بلاده.

وقالت الصحيفة إن دعوة الجيش الألماني الشباب للانضمام إلى صفوفه، نابعة من مخاوف شديدة من اعتداءات قد تشنها روسيا، وإن تلك المخاوف بدأت عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، وتفاقمت بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

نقطة تحول

ذكرت نيويورك تايمز، في تقرير نشرته أول من أمس الثلاثاء 24 يناير 2023، أن قيادات الجيش الألماني بدؤوا في التفكير في احتمالية نشوب حرب برية واسعة النطاق في أوروبا، التي لم تكن بعيدة عنهم، ما يدعو الجنود الألمان إلى الدفاع عن الأراضي الأوروبية.

وأضافت أن المستشار الألماني، أولاف شولتز، وصف الحرب الروسية الأوكرانية بأنها “نقطة تحول” تاريخية لأوروبا وألمانيا، وأضاف أن بوتين يريد بناء إمبراطورية روسية، وأعلن عن صندوق بقيمة 100 مليار يورو لدعم الجيش الألماني، ما يمثل أكبر قفزة في الإنفاق العسكري الألماني منذ الحرب العالمية الثانية.

ذكريات النازية

أوضحت الصحيفة أن مستوى الدعم الذي وجده شولتز من البرلمانيين لم يكن واردًا قبل الحرب، فألمانيا تعد شذوذًا تاريخيًّا في قلب أوروبا، فهي من ناحية قوية اقتصاديًّا إلا أنها ضعيفة عسكريًّا، والآن بعد الحرب الروسية الأوكرانية، تعهد القادة الألمان بتحويل البلاد إلى قوة عسكرية قادرة على تحمل مسؤولية أمن أوروبا.

وأضافت أن استخدام القوة العسكرية يثير ذكريات مزعجة للنازية، بالإضافة إلى أن تورط الجنود الألمان في قضايا التطرف اليميني ساعد في تأجيج هذا الانزعاج، مشيرة إلى تورط العديد من جنود الجيش الألماني السابقين في محاولة الانقلاب الأخيرة، الشهر الماضي.

ريادة عسكرية

في سبتمبر الماضي، صرحت وزيرة الدفاع الألمانية، كريستين لامبرخت، بأن موقع بلادها على الساحة الدولية يحتّم عليها أن تصبح قوة عسكرية ريادية في أوروبا، وأضافت أن “هذا يرجع إلى حجمنا، وموقعنا الجغرافي والسياسي، وقوتنا الاقتصادية، باختصار أهميتنا تجعلنا قوة رائدة، سواء أحببنا ذلك أم لا، وفي المجال العسكري كذلك”.

وأعلنت لامبرخت عن خطط لإنشاء ثلاث فرق عسكرية جاهزة للقتال بحلول أوائل الثلاثينات من القرن الحالي، بالإضافة إلى تخفيف القيود الصارمة على صادرات الدفاع الألمانية، حتى تتمكن برلين من المشاركة بنشاط في مشاريع الدفاع الأوروبية.

وأشارت وزيرة الدفاع الألمانية إلى أن برلين على المدى الطويل ستنفق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وفقًا لمعايير الناتو، حسب صحيفة فاينانشال تايمز.

التشكيك في دور الجيش

أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن دور ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، أدى إلى تشكيك شعبها في دور الجيش الألماني، فاعتاد الألمان على أن مهام الجيش تقتصر على الأعمال الإغاثية في حالات الكوارث، ومواجهة الأوبئة والفيضانات وحرائق الغابات، والمشاركة في مهمات في بلدان بعيدة مثل أفغانستان ومالي.

ونقلت عن لامبرخت قولها إن هذا القلق يحجب شيئًا أساسيًّا، وهو أن ألمانيا تقود أوروبا بحكم الأمر الواقع، حتى عندما لا ترغب في ذلك، فألمانيا تتمتع بنفوذ يؤثر في استقرار أوروبا وأمنها، على الرغم من أنها حاولت في كثير من الأحيان تجنب هذا الدور.

الاقتصاد مقدم على الدفاع

أوضحت نيويورك تايمز أن ألمانيا احتلت مكانة قوية في العالم، فاقتصادها يعتمد على التصدير، وتعد أحد أكبر مصدري الأسلحة في العالم، ولكن عندما يتعلق الأمر بمواجهة التهديدات الأمنية، فهي تترك زمام المبادرة للحلفاء.

وأشارت إلى أن كراهية ألمانيا للقوة العسكرية كانت مدعومة بدفاع الولايات المتحدة عنها، في إطار حلف شمال الأطلسي. وذكرت أن جميع الإدارات الأمريكية حاولت إقناع الألمان وحلفاء أوروبيين آخرين بتقوية جيوشهم وتحقيق هدف الإنفاق الدفاعي لحلف الناتو البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

التغيير عبر التجارة

قالت الصحيفة الأمريكية إن ألمانيا اتخذت شعار “التغيير عبر التجارة”، حتى مع ازدياد عدوانية خطابات بوتين وأفعاله، واعتقد الألمان أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل مع روسيا سيشجع التحول الديمقراطي الروسي، أو على الأقل نظام دولي قائم على القواعد يمنع الأعمال العدوانية.

وأضافت أن عائدات المشاريع الاقتصادية بين ألمانيا وروسيا وعائدات الغاز والنفط ساعدت الكرملين في تمويل توسعاته العسكرية، وفي الوقت نفسه، ظل الإنفاق العسكري الألماني كجزء من الناتج المحلي الإجمالي قريبًا من أدنى مستوى له بعد الحرب العالمية الثانية، ما أثار غضب دول أوروبا الشرقية من نهج ألمانيا تجاه روسيا.

يوم الجيش الألماني

من جهة أخرى، ذكرت الصحيفة الأمريكية أن “يوم الجيش الألماني” الذي يدعو المدنيين إلى الاطلاع على أنشطة الجيش المختلفة، تأسس في عام 2015 لترويج فكرة الانضمام إلى الجيش بين الشعب الألماني، وتخطط وزارة الدفاع الألمانية لزيادة قوتها بنحو 20 ألف جندي.

وقالت إن تحقيق هذا الهدف سيكون صعبًا، ففي عام 2021، كانت 17.5% من المناصب العسكرية الكبرى شاغرة، وعانى سلاح الجو نقصًا حادًّا في الطيارين، مشيرة إلى أن ألمانيا علقت التجنيد الإجباري في عام 2011، ما دفع الجيش الألماني إلى تنظيم مثل هذه الفعاليات لجعل الخدمة العسكرية تبدو شيقة.

ربما يعجبك أيضا