هل يجر وباء كورونا أوروبا إلى ديكتاتورية اليمين المتطرف؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

وضع تفشي وباء كورونا الاتحاد الأوروبي في مأزق أمام شعوبه حيث ترتفع أعداد الوفيات يومًا تلو الآخر مسجلة أوروبا ما يفوق 30 ألف وفيات حتى لحظة كتابة هذه السطور، وفي خضم ذلك عجزت بروكسل عن تلبية احتياجات أعضائها المتزايدة من مستلزمات طبية وأجهزة تنفس صناعي، الأمر الذي وجدته تيارات اليمين المتطرف فرصة للانقضاض على فكرة التكتل الأوروبي والدعوة لإجراءات أكثر قومية تناقض المبادئ الأوروبية، وما زاد الأمر سوءًا دخول الصين وروسيا على الخط كدول تقدم المساعدة، ولكنهما تحاولان إبراز ضعف الاتحاد في حلحلة الأزمة أو على أقل تبيان عجز أوروبا عن كبح وتيرة تحولها لمقبرة كورونا.  

ترتفع التصدعات المستمرة تجاه فكرة الانفتاح والديمقراطية ونموذج التكامل الأوروبي جراء تواصل فيروس كورونا في حصد ألوف الأوروبين، على رأسها دولة إيطاليا، الدولة الأكثر تضررًا من كورونا، التي هاجم رئيس وزرائها تقاعس – على حسب زعمه – بروكسل عن مساندة إيطاليا في مقابل المساعدات الصينية والروسية، كذلك ضرب رئيس وزراء المجر مبادئ الاتحاد بعرض الحائط بفرضه حالة الطوارئ البلاد. 

المجر تفرض حالة الطوارئ 

هاجم رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الاتحاد الأوروبي تحسبًا لانتقاد محتمل لفرض قانون الطوارئ في بلده مؤخرا، وفي مقابلة إذاعية قال أوربان “أوضحت للمعترضين من الاتحاد الأوروبي بأنه ليس الوقت ليظهروا بجميع القضايا القانونية الممكنة وكأنهم يعرفون كل شيء.. فبعد الأزمة يوجد وقت كاف للنقاش.. ذا لم يكونوا قادرين على تقديم المساعدة ـ لأنهم لا يقدرون على ذلك ـ فعلى الأقل عليهم عدم منع المجريين من الدفاع”. 

وردت المفوضية الأوروبية بموضوعية على هذا الجدل: نقدم ما بوسعنا من مساعدة، قال المتحدث إريك مامير، وبالتالي بإمكان المجر الآن الاستفادة من خمسة مليارات يورو من الصندوق الجديد الخاص باستثمارات كورونا لتحسين نظام الصحة مثلا. علاوة على ذلك فإن الحكومة في بودابست تحصل كأكبر متلقي للأموال الأوروبية على مبالغ بالمليارات سنويًا من بروكسل. 

وبالفعل لم يتأخر الانتقاد طويلا، ولم يصدر فقط من بروكسل؛ فالأمينة العامة لمجلس أوروبا في ستراسبورغ، ماريا بيجينوفيتش بوريتش ردت بالتحذير من أن البلدان الأعضاء، عليها الحفاظ على المبادئ الديمقراطية، فحالة طوارئ غير معروفة وغير محددة زمنيا لا يمكن لها أن تضمن هذا الأمر. وقالت بيجينوفيتش إن النقاش أيضا في وسائل الإعلام مكون أساسي لنظام حر وديمقراطي. والقانون الجديد في المجر يعاقب بالسجن حتى الصحافيين على نشر معلومات “غير صحيحة” عن كورونا. والخوف هو أن تتعرض أي تغطية إعلامية لا تروق للحكومة للعقاب أو المنع.   

إيطاليا: الاتحاد قد يفقد وجوده 

حذر رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي، السبت، الاتحاد الأوروبي من “ارتكاب أخطاء فادحة” في مكافحة فيروس كورونا المستجد، وإلا فإن التكتل الأوروبي بكامله “قد يفقد سبب وجوده”. 

واعتبر جوسيبي كونتي أن “التقاعس سيترك لأبنائنا العبء الهائل لاقتصاد مدمر”، مضيفا: “هل نريد أن نكون على مستوى هذا التحدي؟ إذاً لنطلق خطة كبيرة، خطة أوروبية للتعافي وإعادة الاستثمار تدعم وتنعش الاقتصاد الأوروبي كله”. 

وتابع أنه خلال اجتماع المجلس الأوروبي، الخميس، حصل “أكثر من خلاف”، موضحا أنه حصلت مواجهة “شديدة وصريحة” مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل “لأننا نعيش أزمة تسفر عن عدد كبير من الضحايا من مواطنينا وتسبب ركودا اقتصاديا شديدا”. 

وأضاف: “في إيطاليا، وأيضا في دول أعضاء أخرى، نحن مرغمون على اتخاذ خيارات مأساوية… ينبغي علينا تجنب أن نتخذ في أوروبا خيارات مأساوية. إذا لم تثبت أوروبا أنها على مستوى هذا التحدي غير المسبوق، فإن التكتل الأوروبي بكامله قد يفقد بنظر مواطنينا، سبب وجوده”.

يبدو أن هناك تغيرات في مسار التحولات السياسية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا ستبدأ طريقها من بروكسل حيث النموذج الدولي الأوحد الناجح في تقديم تكتل دولي يقوم على التعددية والديمقراطية وتعزيز التجارة الحرة، بإتاحة الفرصة أمام تيارات اليمين المتطرف في إعادة توجيه ضرباتها للاتحاد الأوروبي وإعلاء مبدأ القومية، بالاستناد إلى الوضع الحالي الذي يبرهن على عجز الاتحاد في مساعدة أعضائه.

ربما يعجبك أيضا