هل يشن بوتين حربًا نووية؟ تقديرات استخباراتية أمريكية وتلويح روسي

رنا أسامة

التهديد باحتمال استخدام روسيا سلاح نووي تكتيكي أو منخفض القوة في أوكرانيا "لا يُستهان به" من وجهة نظر المخابرات المركزية الأمريكية.


بعد أيام من بدء الحرب الروسية الأوكرانية، المستمرة منذ 24 فبراير من العام الحالي 2022، أمر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بوضع قوات الردع النووي لبلاده في حالة تأهب، ما هدّد العالم فعليًّا بحرب نووية.

وبينما الاستخبارات الأمريكية تقول إنها لا ترى أي أدلة عملية على ذلك، تواصل روسيا حتى الآن التلويح بورقة “النووي”، وسط تقديرات غربية لاحتمال أن يستخدم بوتين أسلحة نووية تكتيكية في أوكرانيا، وتحذيرات من هجوم وشيك في إقليم دونباس.. فماذا تقول التقديرات؟

 

تهديد لا يُستهان به

وليام بيرنز مدير المخابرات المركزية الأمريكية

حذّر مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، من أن التهديد باحتمال استخدام روسيا سلاح نووي تكتيكي أو منخفض القوة في أوكرانيا “لا يُستهان به”، لكن الـ”سي آي إيه” لم ترَ أي أدلة عملية أو تحركات عسكرية روسية تعزز هذا القلق.

وأبرزت تصريحات بيرنز، وهي الأشمل منذ بدء حرب بوتين، مخاوف من أن يقود الهجوم الأكبر ضد دولة أوروبية منذ عام 1945 إلى تصعيد نووي. وطبقًا لأحدث تقارير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، فإن مجموع ما تمتلكه دول العالم، سواء المعترف وغير المعترف رسميًّا بامتلاكها سلاحًا نوويًّا، وصل إلى أكثر من 13 ألف قنبلة نووية، حتى يناير 2021.

نكسات بوتين

في كلمة بمعهد جورجيا للتكنولوجيا، يوم الخميس الماضي 14 إبريل 2022، تحدّث بيرنز عن “يأس مُحتمل” و”نكسات” تواجه بوتين، واصفًا إيّاه بـ”رسول الثأر” الذي وقف على مر السنين وسط “مزيج قابل للاشتعال من التظلم والطموح وعدم الأمان”. ووفق تقديرات بيرنز، قد يلجأ بوتين  إلى استخدام سلاح نووي، بعد خسائر قواته وانسحابها من أجزاء في شمال أوكرانيا، إثر فشلها في الاستيلاء على كييف.

وتوضح وكالة رويترز أن الأسلحة النووية التكتيكية، ومنخفضة القوة، مصنوعة للاستخدام في ساحة المعركة، وأن روسيا تمتلك نحو 2000 سلاح منها، يمكن إطلاقها جوًّا وبحرًا وبرًّا.

ما مدى قوة الأسلحة النووية التكتيكية؟

أسلحة نووية تكتيكية

تختلف الأسلحة النووية التكتيكية اختلافًا كبيرًا في الحجم والقوة، فوفق شبكة بي بي سي البريطانية قد يصل حجم أصغرها إلى كيلوطن واحد أو أقل، ما يعادل ألف طن من مادة “تي إن تي” المتفجرة، وقد يصل إلى 100 كيلوطن.

ويعتمد تأثير هذا السلاح على حجم الرأس الحربي، ومدى انفجاره فوق الأرض والبيئة المحلية. وعلى سبيل المقارنة، فإن وزن القنبلة التي قتلت نحو 146 ألفًا في هيروشيما باليابان، خلال الحرب العالمية الثانية، كان 15 كيلوطنًّا. وتشير تقديرات الشبكة البريطانية إلى أن أكبر الأسلحة الاستراتيجية لروسيا يبلغ 800 كيلوطن على الأقل.

قلق أمريكي وتحذير أوكراني

صورة مركبة لبايدن وبوتين

تعليقات مدير المخابرات المركزية الأمريكية جاءت ردًّا على سؤال من السيناتور الأمريكي السابق، سام نان، أحد كبار المدافعين عن الحد من التسلح، ومنها قوله: “أعلم أن الرئيس (الأمريكي جو) بايدن يشعر بقلق عميق بشأن تجنب عتبة قد يصبح بعدها الصراع النووي ممكنًا”.

وتمتلك روسيا أكبر ترسانة رؤوس حربية نووية في العالم، وتُعد إلى جانب الصين وأمريكا رائدة في تكنولوجيا الصواريخ فوق الصوتية، وفق رويترز. وتتميز العقيدة العسكرية الروسية بمبدأ “التصعيد من أجل خفض التصعيد”، الذي قد يشمل ضربة أولى بسلاح نووي منخفض القوة لاستعادة المبادرة إذا سارت الأمور على نحو سيئ في صراع تقليدي مع الغرب.

لكن في ظل هذه الفرضية يرى بيرنز أن “حلف شمال الأطلسي سيتدخل عسكريًّا على الأرض في أوكرانيا. هذا راجح كما أوضح الرئيس بايدن جليًّا”.

تقييم استخباراتي: النووي قد يستنزف روسيا

الرئيس الروسي بوتين

في مارس الماضي، توقّع تقييم لوكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، أن يلوّح بوتين بالتهديد باستخدام أسلحة نووية ضد الغرب، إذا استمرت المقاومة الأوكرانية الشديدة ضد القوات الروسية، ما قد يؤدي إلى استنزاف روسيا على صعيد قواها البشرية ومعداتها التقليدية، بحسب وكالة بلومبرج.

وقال اللفتنانت جنرال سكوت بيرييه، مدير وكالة استخبارات البنتاجون، إن “الاحتلال الذي طال أمده لأراضٍ أوكرانية يهدد باستنزاف القوة البشرية العسكرية الروسية، وتقليل ترسانة أسلحتها الحديثة، وفي الوقت نفسه قد تؤدي العقوبات الاقتصادية المترتبة على ذلك إلى كساد اقتصادي طويل الأمد في روسيا، وعزلة دبلوماسية” لبوتين.

تهديد روسي

إطلاق صاروخ باليستي في روسيا

التقديرات الاستخباراتية الأمريكية عزّزها تهديد روسي بنشر أسلحة نووية في بحر البلطيق وما حولها، حال انضمت فنلندا والسويد إلى حلف الناتو. فوفق رويترز قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس الروسي السابق من 2008 إلى 2012، دميتري ميدفيديف، في منشور عبر تليجرام، الخميس الماضي: “إذا حدث هذا، لا يمكن الحديث عن وضع غير نووي لبحر البلطيق”.

وأشار ميدفيدف، على وجه الخصوص، إلى إمكانية نشر روسيا صواريخ إسكندر، وأسلحة فائقة سرعة الصوت، وسفن حربية مُسلحة نوويًّا في المنطقة، في مدى يطال كلًا من فنلندا والسويد، وعقَّب: “نأمل أن يسود الفكر السليم لشركائنا في الشمال، وإلا ستتحرك روسيا”.

الزر النووي

مسؤول روسي مع شبكة سكاي البريطانية

خلال مقابلة مع شبكة سكاي البريطانية في مارس الماضي، قال نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، إن روسيا تحتفظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية إذا “استفزها” الناتو، وذلك بعد أن قال المتحدث باسم الرئيس الروسي إن بوتين قد يضغط على الزر النووي إذا واجهت بلاده تهديدًا “وجوديًّا”.

وبسؤاله عما إذا كان بوتين محقًّا في تهديده بشن حرب نووية، قال بوليانسكي: “إذا استفز الناتو روسيا وهاجمها. فلمَ لا؟ نحن قوة نووية”. وأضاف متوعدًا: “عندما تتعامل مع قوة نووية، عليك بالطبع أن تحسب كل العواقب المحتملة لسلوكك”.

هل سيشن بوتين حربًا نووية؟

فلاديمير بوتين

رغم التلويح الروسي المستمر بورقة النووي، استبعدت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، في تقرير نشرته في مارس الماضي، إقدام بوتين على شن حرب نووية، لأن القوات الروسية قادرة على تدمير مدن أوكرانية بأسلحة غير نووية. وكذلك استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا سيجعل روسيا “منبوذة عالميًّا” وستكون أمام تهديد بـ”انتقام نووي” أمريكي وبريطاني وفرنسي.

لكن هذا لا يعني أن بوتين لا يقوى على استخدام النووي في أوكرانيا، أو أن صانعي السياسة الأمريكية ورؤساء المخابرات عليهم أن يتجاهلوا سيناريو الحرب النووية، بحسب الصحيفة التي أضافت أنه “كلما وقعت الولايات المتحدة في فخ رسائل بوتين النووية، وكلما خافت من نشوب حرب نووية أكثر من موسكو، كان بوتين أقل انضباطًا في أوكرانيا، ما قد يؤدي إلى إزهاق مزيد من أرواح الأوكرانيين”.

ربما يعجبك أيضا