هل يشهد العالم «حربًا اقتصادية باردة»؟ خبراء يجيبون

آية سيد

أثارت الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا مخاوف من اندلاع حرب باردة اقتصادية.


بدأت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير الماضي، ولا تزال مستمرة دون أي مؤشرات على التهدئة، وفي محاولة لردع روسيا، فرضت أمريكا حزمة من العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة عليها.

ألقت العقوبات المفروضة بظلالها على الاقتصاد، وأدت إلى ارتفاع الأسعار، خاصة أسعار الغاز، ما دفع إلى التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة تخوض حربًا اقتصادية باردة مع روسيا؟ أورد تقرير لمجلة فورتشن الأمريكية، في 19 مارس 2022، آراء بعض الخبراء في هذه المسألة وتقييمهم للوضع الحالي.

حرب باردة في مراحلها الأولى

قال أستاذ العلوم المالية بكلية ليدز للأعمال التابعة لجامعة كولورادو بولدر الأمريكية، سنجاي بهجات: “قد نكون بالفعل في حرب اقتصادية باردة”. ووصف بهجات الخطوات مثل تجميد أصول البنك المركزي الروسي وحظر الواردات الروسية ومنع روسيا من استخدام نظام سويفت المصرفي وإلغاء الكونجرس وضع “الدولة الأكثر تفضيلًا” لروسيا بأنها “إجراءات لا نحب اتخاذها مع دولة صديقة ولا دولة محايدة”.

وتابع مضيفًا: “قد نكون في المراحل الأولى من  حرب باردة، أو إذا لم تكن حربًا باردة فهي صراع بارد بوضوح”.

ليست حربًا باردة

صرح الأستاذ المساعد في العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة كولورادو بولدر، ديفيد بيرس، بأنه ليس مرتاحًا لفكرة مساواة التوتر الاقتصادي الحالي بين الولايات المتحدة وروسيا بحرب باردة. وقال: “بعد الخروج من الحرب العالمية الثانية وبدء الحرب الباردة، لم يكن يوجد قدر كبير من العلاقة الاقتصادية كي ننهيها، وهذا هو ما تفعله العقوبات الحالية”.

وأضاف: “لم تمثل الحرب الباردة مأزقًا اقتصاديًّا؛ لأننا لم نكن نتعامل تجاريًا مع الاتحاد السوفييتي قبل الحرب الباردة”. وذكر أنه في حين أن الولايات المتحدة لا تملك علاقة اقتصادية كبيرة مع روسيا، فإنها تستورد نفطها منها، وكذلك يفعل غرب أوروبا، المعتمد على الطاقة الأجنبية.

خطر متبادل

وصف بيرس الوضع الاقتصادي الحالي بأنه أصعب من الوضع أثناء الحرب الباردة، وقال إن العقوبات الأمريكية والأوروبية “لديها الإمكانية للإضرار بروسيا بطرق لم تفعلها عقوبات الحرب الباردة على الاتحاد السوفييتي”.

لكنه رأى أن الخطر متبادل، وأوضح: “مستحيل أن تؤثر العقوبات والسياسة الأمريكية في روسيا دون أن يكون لها آثار في الداخل، إذا لم ترتفع أسعار الغاز في الاقتصاد الأمريكي وإذا لم نشعر بتأثير العقوبات، فلن تفعل روسيا. وفي هذه الحالة، لن يتحرك الأوليجارش ضد بوتين ولن يثور الشعب الروسي”.

نسخة مكبرة مما يحدث مع إيران

رأى بيرس أن التوترات الاقتصادية بين روسيا وأوكرانيا تعكس الوضع بين الولايات المتحدة وإيران، وقال: “في 2010، استبعدنا البنوك الإيرانية من نظام سويفت، وهو ما جلب إيران إلى طاولة المفاوضات، وأثمر عن خطة العمل الشاملة المشتركة”.

وتابع موضحًا أن روسيا وإيران أصبحتا الآن “تشبه كلاهما الأخرى بطرق لم تحدث من قبل، هذا لأن كليهما اقتصادات بترولية، وتخضعان لعقوبات من الغرب”. وقال إن أفضل تشبيه لما يحدث الآن مع روسيا هو أنه “نسخة مكبرة مما يحدث مع إيران”.

نقطة فاصلة في التاريخ

في تقرير لموقع “إن بي سي نيوز” الأمريكي، في 6 مارس 2022، رأت أستاذة التاريخ بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز الأمريكية، ماري إليز ساروت، أن “السرعة التي حدثت بها الأمور صادمة، هذه الحرب الباردة الجديدة تصاعدت سريعًا، إنها نقطة فاصلة في التاريخ”.

وقال مدير مركز الولايات المتحدة وأوروبا في مؤسسة بروكنجز، توماس رايت، إن “هذه لحظة خطيرة جدًّا، لا سيما نظرًا لشخصية بوتين. وقد يكون هذا هو الفرق الأكبر بين الأزمة الحالية والمنافسة الأمريكية-السوفييتية”. وأضاف رايت أن بوتين سيرد بالتأكيد على العقوبات المالية الشاملة المفروضة على روسيا. وقال: “من المرجح أن يحاول التصعيد وفرض ضغط علينا”.

حرب اقتصادية عالمية

نشرت صحيفة جلوب آند ميل الكندية تقريرًا للكاتب كامبيل كلارك، في 20 مارس 2022، رأى فيه أن تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن للصين بأنها ستواجه عواقب إذا ساعدت روسيا في حربها على أوكرانيا أثار تهديدًا بنشوب حرب اقتصادية عالمية. وذكر أنه حتى إذا جرى تجنب الصدام الاقتصادي المدمر فإن الساحة تمهدت لحرب اقتصادية باردة.

وقال كلاك، إن الحرب الاقتصادية استُخدمت لأول مرة كطريقة مُجدية للتعامل مع صراع جيوسياسي، وهذا سيكون له تداعيات. وأضاف أنه حتى لو لم تمتد الحرب الاقتصادية المباشرة إلى الصين وتصبح عالمية، فمن المؤكد أن أكبر اقتصادات في العالم، وهي الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ستستنتج أنها يجب أن تعزل نفسها عن الحرب الاقتصادية في المستقبل.

تكتلات اقتصادية

في بكين وواشنطن، يمكن أن نتوقع تسريع جهود “فصل” اقتصاداتهما عن إحداهما الأخرى، بحسب كلارك. هذا قد يقسم الاقتصاد العالمي إلى تكتلات ويُبطئ التجارة، وسوف يشجع نشوب حرب اقتصادية باردة. لكن آثار الصدام الاقتصادي المباشر بين الصين والولايات المتحدة مدمرة للغاية لدرجة أن الرهان الذكي هو أن الرئيسين الصيني والأمريكي سيتجنباه.

قال الأستاذ في كلية الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية بجامعة أوتاوا الكندية، باتريك ليبلوند: “الصين وضعها مختلف من الناحية الاقتصادية، ستكون كارثة للصين إذا لم تستطع تصدير البضائع إلى بقية العالم، وستكون كارثة أيضًا لبقية العالم”. وستحدث اختناقات في سلاسل الإمداد أكثر مما شهدناها أثناء جائحة كوفيد-19، ما يرفع التضخم أكثر. وقد يؤدي تباطؤ التجارة العالمية إلى كساد عالمي.

احتمال مستبعد

قال ليبلوند: “سوف ينهار سوق الأسهم، يمكنك رؤية هذا السيناريو المفزع”. واستبعد أن يحدث هذا لأن كثيرًا من الأمور على المحك. ورأى إنه إذا ساعدت الصين روسيا ستكون المساعدة محدودة، وسترد الولايات المتحدة على الأرجح بعقوبات محددة الهدف، ربما عبر منع الوصول إلى الرقائق الإلكترونية والسلع التكنولوجية.

رأى أستاذ الاقتصاد السياسي بكلية مانك للشؤون العالمية والسياسة العامة بتورنتو، مارك مانجر، أن الاعتماد المتبادل للاقتصادات الأمريكية والأوروبية والصينية سيؤدي إلى تجنب الصدام الكبير، لكنه قال، إن “الأمور قد تخرج عن السيطرة سريعًا” إذا أدت المساعدات الصينية المحدودة لروسيا إلى فرض عقوبات أمريكية محددة الهدف؛ لأن الصين قد تنتقم.

واختتم تقرير كلاك بأن تهديد الحرب الاقتصادية بات ملموسًا الآن، ولهذا ستريد الصين تحصين نفسها، وسترغب أمريكا وأوروبا في ضمان ألا يصبحوا معتمدين بشدة على الصين لدرجة لا تجعلهم قادرين على استخدام الإجراءات الاقتصادية، لذلك سيتطلعون إلى تسريع جهود الفصل الاقتصادي.

ربما يعجبك أيضا