هل يطيع أتراك ألمانيا أردوغان في الانتخابات المقبلة؟

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – آية سيد

صدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الألمان الشهر الماضي عندما طالب الألمان الأتراك بمقاطعة عدة أحزاب كبرى في الانتخابات الفيدرالية المقبلة. وفي إشارة لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي, والحزب الديموقراطي الاشتراكي, وحزب الخضر بـ"أعداء تركيا," حث أردوغان المواطنين الألمان ذوي الأصول التركية باختيار أحزاب أخرى في انتخابات 24 سبتمبر.

الآن, مع اقتراب تلك الانتخابات, يبقى من غير المؤكد ما إذا كان المليون ألماني من أصل تركي المخولين للانتخاب سيستجيبون لطلب أردوغان, حيث إنه لا توجد استطلاعات حديثة عن السكان الأتراك. ليست نتيجة الانتخابات فقط التي على المحك. إذا أظهر التصويت أن الألمان الأتراك يبتعدون عن الأحزاب التي شجبها أردوغان, قد يدل هذا على مستوى مخيف من التأثير الأجنبي على المواطنين الأوروبيين وحتى, كما يقول البعض, فشل في الاندماج.

كان دعم الألمان الأتراك للحزب الديموقراطي الاشتراكي مرتفعًا بشدة. حوالي 70 في المائة منهم يدعمون الحزب الديموقراطي الاشتراكي, مقارنة بـ27,9 في المائة فقط من الألمان و40,9 في المائة من إجمالي المهاجرين الجدد, وفقًا لدراسة في عام 2016 أجراها مجلس خبراء المؤسسات الألمانية حول الاندماج والهجرة. 

هذا بسبب تركيز الحزب الديموقراطي الاشتراكي على العمال, حيث أن الكثير من الألمان الأتراك وفدوا كعمال في الستينيات والسبعينيات, وبسبب سياساته الصديقة للمهاجرين والمسلمين. إن دعم الألمان الأتراك لحزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل, حزب الإتحاد الديموقراطي المسيحي, منخفض للغاية, حوالي 6 في المائة, بسبب معارضته طويلة الأمد لعضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي. جاءت تصريحات أردوغان في الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات بين ألمانيا وتركيا بشدة في الشهور الأخيرة. إن الدولتين حليفتان في الناتو وشريكتان رئيسيتان, لكن الانقلاب الفاشل في أنقرة العام الماضي وقمع أردوغان اللاحق للمجتمع المدني, والمحامين, والقضاة, والصحافة أحدث وقيعة بينهما.

لكن الاستفتاء الدستوري الذي عُقد في تركيا في شهر أبريل بدا وأنه نقطة تحول نحو الأسوأ، في العلاقات الثنائية رفيعة المستوى وفي المشاعر الشعبية أعرب القادة الأوروبيون عن قلقهم من الاستفتاء, والذي سيعدل الدستور ليضع المزيد من السلطة في أيدي أردوغان. منعت ألمانيا المنظمات المرتبطة بحزب العدالة والتنمية المحافظ الذي ينتمي له أردوغان من إطلاق حملات في ألمانيا لحشد الناخبين من الألمان الأتراك – مما أزعج الرئيس التركي، الذي استنكر الخطوة ووصفها بـ"الفاشية."

مع هذا، كان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الدعم القوي الذي وجده الإصلاح الدستوري لأردوغان بين السكان الأتراك في ألمانيا. من ضمن ثلاثة مليون شخص تقريبًا ذي أصل تركي في ألمانيا, حوالي 1,4 مليون كانوا مؤهلين كمواطنين أتراك للتصويت في الاستفتاء، ومن ضمن أولئك الذين أدلوا بأصواتهم, 63 في المائة صوتوا بالموافقة على منح أردوغان سلطات دستورية موسعة, معربين عن تأييدهم لما وصفته الحكومات الغربية بإنه استيلاء على السلطة في تركيا.

رأى بعض الخبراء في ألمانيا النتائج كمؤشر على دعم الألمان الأتراك لأردوغان – وكفشل للألمان الأتراك في تبني القيم الديموقراطية الليبرالية. حسنين كاظم, مراسل دير شبيجل السابق في تركيا, كتب في مقال افتتاحي: "بالرغم من العيش في ديموقراطيات وفي حرية وأمان, صوّت هؤلاء الأشخاص للقضاء على الديموقراطية في تركيا."

إن الدعم المرتفع للاستفتاء قد يشير إلى أن الألمان الأتراك مستعدون لاتباع توجيهات أردوغان بمقاطعة أحزاب معينة في ألمانيا. ذلك الدعم قد ينشأ من الإحساس بالتشرد في الوطن والمخاوف المتعلقة بالاستقرار في تركيا. إن مذهب الأهلانية المتنامي وصعود حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي اليميني تحدى وضع المهاجرين الأتراك هناك. والهجمات الإرهابية المتعددة, مصحوبة بمحاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي, جعلت صورة أردوغان كقائد قوي أكثر قيمة من أي وقت مضى. في هذه البيئة, يمكن أن يبدو الانتقاد الأوروبي لأردوغان تهديدًا لتركيا نفسها.

قال كريستيان جوبك, عالم الاجتماع في جامعة بيرن بسويسرا والخبير بشئون الهجرة, "هناك إحساس قوي بالتهميش، ازداد منذ "الهجمات" المتصورة على أردوغان. بالحكم عن طريق الدعم القوي بين الألمان الأتراك للاستفتاء التركي (الذي يمنح المزيد من السلطات للرئيس), أظن أن توجيهاته بعدم التصويت ستلقى قبولًا."

رد الشعب الألماني والقادة السياسيون بقوة ضد توجيهات أردوغان بخصوص التصويت, معتبرينها تدخلًا أجنبيًا غير مقبول في الشئون الداخلية للدولة. قالت ميركل إنها "لن تتهاون مع التدخل من أي نوع." دعا سيفين داجدلين, متحدث الشئون الخارجية لحزب الأقلية اليسار, دعا لأن تفرض ألمانيا عقوبات على أردوغان ودائرته المقربة.

حذر أخرون من المخاطر بعيدة الأمد لجهود أردوغان
كتب عضوان قياديان في الحزب الديموقراطي الاشتراكي, وزير الخارجية سيجمار جابرييل ووزير العدل هيكو ماس, في مقال لمجلة دير شبيجل, "استفزازات أردوغان تثير صراع جوهري للقيم. إنه يريد أن يدفع أصدقاءنا الأتراك في ألمانيا نحو حرب ثقافية."
لكن بعض الألمان الأتراك ربما لديهم وجهة نظر مختلفة حول مقاطعة الأحزاب المقترحة. قال جوبك لفورين بوليسي إنه من الممكن أن الألمان الأتراك المحافظين دينيًا, الذين يشكلون أغلبية في مجتمعهم في ألمانيا, لا يرون مشكلة في طلب أردوغان, على الرغم من أن "قطاع علماني ضئيل لا يتفق بالتأكيد مع أردوغان."

مع هذا, مازال لا يوجد إجماع حول ما إذا كان أردوغان سيتحكم في أصوات المجتمع لاحقًا هذا الشهر أم لا. سرهات كاركايالي, الباحث في قضايا الهجرة والأستاذ في جامعة هومبولت في برلين, يعتقد أن دعم الألمان الأتراك للسياسات الاستبدادية بالخارج لا يعني بالضرورة إنهم سيدعمون نفس الإجراءات في ألمانيا.
أخبر كاركايالي فورين بوليسي, "سوف افترض أن المهاجرين الأتراك لديهم انقسام أو وعي مزدوج عندما يتعلق الأمر بتركيا وألمانيا كعالمين مختلفين حيث تُطبق معايير مختلفة."

كان المهاجرون الأتراك محافظين اجتماعيًا قبل أن يصبح نفوذ حزب العدالة والتنمية في ألمانيا مصدرا للقلق القومي بوقت طويل. على الرغم من هذا, قال كاركايالي, كانوا يصوتون لحزب الخضر ذي التوجه اليساري والحزب الديموقراطي الاشتراكي أكثر من الناخب الألماني العادي. هذا لأن تلك الأحزاب يُنظر لها على إنها أكثر تعاطفًا مع مخاوف المهاجرين والمسلمين.

لكن القضايا التقليدية التي استمالت الألمان الأتراك, مثل سياسات الهجرة والبرامج السياسية الداخلية, "طغى عليها الجدل حول تركيا في الأشهر الأخيرة," وفقًا لكركايالي: "ليس كل المهاجرين الأتراك يدعمون نظام أردوغان. السؤال هو, هل عدد من لا يدعمون أردوغان أكبر بين الأتراك الذين يحملون الجنسية الألمانية أم لا".

المصدر – فورين بوليسي

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا