هل ينذر الانخفاض الكبير في أعداد الحشرات الطائرة بكارثة بيئية؟

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

كشفت دراسة جديدة صادمة للعلماء، أن أعداد الحشرات الطائرة تهاوت بمقدار ثلاثة أرباع خلال السنوات الخمسة وعشرين الماضية.

تعدّ الحشرات جزءا لا يتجزأ من الحياة على الأرض، بوصفها ملقّحات إلى جانب كونها فرائس للكائنات البرية الأخرى، وقد كان من المعلوم أن هناك انخفاضا في أعداد بعض الأنواع مثل الفراشات. لكن الكشف الآخير الخاص بحجم الخسائر التي طالت كل الحشرات ينذر بأن العالم "مُقبل على كارثة بيئية" ستكون لها تأثيرات عميقة على المجتمع البشري.

لقد جُمعت هذه البيانات الحديثة في المحميات الطبيعية في عموم ألمانيا، لكن تأثيراتها ستطال كل المناطق التي تسيطر عليه الزراعة، حسبما يقول الباحثون.  

لم يُعرف بعد سبب هذا الانخفاض الهائل، غير أن تدمير المناطق البرية والاستخدام الواسع النطاق لمبيدات الحشرات هما العاملان الأكثر ترجيحا، وربما يلعب التغير المناخي دورا في هذا الأمر. لقد استبعد العلماء فرضية أن يكون الطقس والتغييرات في مناطق المحميات الطبيعية سببًا لهذا الانخفاض، لكن البيانات الخاصة بمستويات المبيدات الحشرية لم تُجمع حتى الآن.

يقول "هانز دي كروون" من جامعة "رادبود" في هولندا، والذي قاد البحث الجديد:"إن تناقص أعداد الحشرات الطائرة بهذا المعدل المرتفع في هذه المساحات الشاسعة، هو اكتشاف مثير للقلق".

 يقول البروفيسور "دايف جولسون" من جامعة سوسيكس في المملكة المتحدة، وعضو الفريق الذي كشف عن الدراسة الحديثة:" تشكّل الحشرات نحو ثلثي الكائنات على الأرض، لكن أعدادها شهدت انخفاضا مخيفا". ويمضي البروفيسور قائلا: "يبدو أننا حوّلنا مساحات شاسعة من الأرض إلى مكان يصعب العيش فيه لمعظم أشكال الحياة، ونحن مقبلون على أرمجيدون (كارثة) بيئي. لو فقدنا الحشرات، فإن كل شيء سينهار".

يرتكز هذا البحث، الذي نشرته مجلة Plos One العلمية، على عمل قام به عشرات من المتخصصين الهواة في علم الحشرات في عموم ألمانيا، والذين بدأوا في استخدام طرق موحّدة صارمة في جمع الحشرات في عام 1989. استخدم هؤلاء العلماء خيمًا خاصة يُطلق عليها مصائد الإزعاج (Malaise Traps) للإمساك بما يزيد على 1,500 عيّنة من كل الحشرات الطائرة في 63 محمية طبيعية.

وعند قياس الوزن الإجمالي للحشرات في كل عيّنة، تبيّن وجود انخفاض مفزع. حيث انخفض المتوسط السنوي بمقدار 76 بالمائة خلال فترة مدتها 27 عاما، لكن الانخفاض كان أكثر سوءا -نحو 82 بالمائة- في فصل الصيف، عندما تصل أعداد الحشرات ذروتها.

إن التقارير السابقة التي أشارت إلى انخفاض أعداد الحشرات كانت تقتصر على حشرات بعينها، مثل فراشات العشب الأوربية، التي انخفضت أعدادها بمقدار 50 بالمائة في العقود الماضية. لكن البحث الجديد شمل كل الحشرات الطائرة، بما في ذلك الدبابير والذباب التي نادرا ما يتم دراستها، ما يجعل هذا البحث مؤشرا أقوى على حدوث انخفاض.

حقيقة أن هذه العينات أُخذت في مناطق محمية، يجعل استنتاجات هذا البحث أكثر مدعاة للقلق، كما قال “كاسبر هالمان" في جامعة رادبود، وهو أيضا عضو في فريق البحث: “كل هذه المناطق محمية، ومعظمها يخضع لإدارة جيدة. مع ذلك، حدث هذا الانخفاض الكبير".  

أعداد الحشرات انخفضت بمقدار 75 بالمائة خلال السنوات السبعة وعشرين الماضية
 لقد جمع هؤلاء العلماء الهواة في علم الحشرات قياسات مفصّلة خاصة بالطقس وسجّلوا حدوث تغييرات في المناظر الطبيعية والأنواع المختلفة للنباتات في تلك المحميات، لكن كل هذا لم يفسّر فقدان تلك الحشرات. يقول "مارتن سورج" -من جمعية كريفيلد للحشرات في ألمانيا، والذي قاد فريق علماء الحشرات الهواة- "الطقس قد يفسّر العديد من التقلّبات في الموسم وبين السنوات، لكنه لا يفسّر هذا الاتجاه الهبوطي السريع".

يقول جولسون: إن هناك تفسيرا محتملا، وهو أن الحشرات الطائرة ربما تموت عندما تغادر المحميات الطبيعية. "المزارع لديها القليل لتقدمه للكائنات البريّة". ويضيف "لكن سبب وفاة هذه الحشرات هو أمر مفتوح للنقاش. ربما أن هذه الحشرات ببساطة لم تجد طعاما لتأكله، أو ربما أنها، بصورة أكثر تحديدًا، تعرّضت لمبيدات حشرية كيميائية، أو ربما الاثنين معا".

حذر مستشار علمي كبير يعمل لحساب الحكومة البريطانية في شهر سبتمبر، من أن الهيئات التنظيمية حول العالم افترضت خطأ أنه من الآمن استخدام المبيدات الحشرية على نطاق صناعي في عموم البيئات الطبيعية، وأضاف أن "التأثيرات السلبية الناتجة عن استخدام المواد الكيميائية في بيئات طبيعية كاملة قوبلت بتجاهل كبير".

قال العلماء: إن هناك حاجة ماسة لإجراء المزيد من الأبحاث، للتأكد من صحة تلك الاستنتاجات في مناطق أخرى، ولدراسة المسألة بمزيد من التفصيل. وبالرغم من أن معظم الحشرات تطير، إلا أنه من المحتمل أن الحشرات التي غالبا ما تغادر المحميات الطبيعية أبلت بلاءً حسنا.  من المحتمل أيضا أن الحشرات الأصغر أو الأكبر حجما تتأثر بصورة مختلفة، وقد جرى حفظ العيّنات الألمانية من أجل تحليلها بصورة أوفى.

في غضون ذلك، يقول (دي كرون): "نحن بحاجة إلى التقليل من الأشياء التي نعرف أن لها تأثيرا سلبيا، مثل استخدام المبيدات الحشرية، واختفاء الأراضي الزراعية المليئة بالزهور".

تقول "لين ديكس" من جامعة East Anglia في المملكة المتحدة، والتي لم تشارك في البحث الجديد، إن هذا البحث مقنع. وتضيف "يوفّر هذا البحث دليلا جديدا مهما على وجود انخفاض مقلق كان الكثير من علماء الحشرات يشتبهون في حدوثه منذ بعض الوقت".  

وتمضي قائلة: "إذا كان هناك انخفاض حقيقي في الكتلة الحيوية للحشرات الطائرة بهذا المعدل- نحو 6 بالمائة في العام- فإن هذا مقلق للغاية" وتضيف "الحشرات الطائرة لها وظائف إيكولوجية مهمة للغاية، ولهذا فإن أعدادها مهمة للغاية. هذه الحشرات تلقّح الزهور: الذباب، والعثّ، والفراشات لا تقل أهمية عن النحل بالنسبة للنباتات المزهرة، بما في ذلك بعض المحاصيل. توفر هذه الحشرات طعاما للعديد من الكائنات مثل الطيور، والخفافيش، والثدييات، والأسماك، والزواحف، والبرمائيات. كما تعتبر الخنافس، والذباب، والدبابير أيضا من المفترسات والمحللات، التي تتحكم في الآفات وتقوم بتنظيف المكان بصورة عامة".

هناك طريقة أخرى لاخذ عيّنات الحشرات، وهي الزجاج الأمامي للسيارات، والتي تم استخدامها بشكل سردي للإشارة إلى حدوث انخفاض كبير في أعداد الحشرات، حيث يتذكر الناس العديد من الحوادث التي اصطدمت فيها الحشرات بزجاج سياراتهم الأمامي في الماضي.

يقول جولسون: "أعتقد أن هذا حقيقي" ويضيف "قدت سيارتي عبر فرنسا في هذا الصيف، حيث تناثرت الحشرات فوق زجاج سيارتي الأمامي، ولم أتوقف حرفيا عن تنظيف الزجاج".  

المصدر – الجارديان

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا