واشنطن تايمز | الحرب على الموتى.. لماذا يتم هدم تماثيل الشخصيات التاريخية؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

إن القرن الحادي والعشرين معرّض لخطر أن يصبح عصرًا لتحطيم التماثيل ومحو التاريخ، فلم يشهد العالم شيئًا مماثلًا للحرب الحالية على الماضي منذ محطمي الأيقونات في الإمبراطورية البيزنطية أو تدمير التماثيل خلال الثورة الفرنسية، ففي 2001, فجرت حركة طالبان البدائية تمثالَين أثريَيْن لبوذا في أفغانستان بدافع أن مجرد وجودهما مدنس للإسلام. وفي 2015, دخل مسلحو داعش متحفًا في الموصل بالعراق, ودمروا التماثيل والأصنام الأثرية التي تعود إلى عصر ما قبل الإسلام، وكانت حُجتهم هي أن هذه القطع الأثرية سبقت عصر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، والآن يتفاخر الغرب بفكرة أن المجتمعات الليبرالية لن تنزل أبدًا إلى مثل هذه العدمية، فلتفكروا مرة أخرى.

في العامين الماضيين, كانت هناك موجة من إسقاط التماثيل في أنحاء الجنوب الأمريكي, تهدف إلى القضاء على إحياء ذكرى أبطال الكونفيدرالية، وكانت الذريعة آنذاك هي أن الحرب الأهلية يمكن اعتبارها مأساوية فقط من ناحية القمع الحالي لذرية عبيد الجنوب، بعد 154 عامًا من انقراض الولايات الكونفيدرالية.

وهناك أيضًا حملة متجددة لمحو ذكرى المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس، فقد أزالت لوس أنجلوس تمثالًا لكولومبوس في شهر نوفمبر على فرض أن اكتشافه للأمريكتين في 1492 بدأ حملة إبادة جماعية كارثية في نصف الكرة الغربي. وأخيرًا في الشهر الماضي, أزالت مدينة أركاتا في شمال كاليفورنيا تمثالًا للرئيس ويليام ماكينلي؛ بزعم أنه روّج لسياسات تضر بالأمريكيين الأصليين.

وإلى هنا: توجد بعض الدروس المؤسفة من أعمال الثأر من صور وأسماء الماضي هي:  
أولًا
: هذه الهجمات كشفت عادةً عن نقص في الثقة؛ فالغموض العام للوقت الحاضر يمكن علاجه بشكل افتراضي عن طريق تدمير التماثيل الصامتة أو إرث الموتى, الذين لا يمكنهم الاعتراض.

إن الفكرة الضمنية الكامنة في معظم التغييرات الحالية للأسماء وإسقاط الأيقونات هي أن مجموعات ضحايا معينين يحمّلون الماضي مسئولية معاناتهم الحالية، إنهم يفترضون أنه عن طريق تدمير الأعداء المفترضين المتوفين منذ فترة طويلة, سيتحررون – أو على الأقل سيشعرون أنهم في حال أفضل في الوقت الحالي.

بيد أن إسقاط صور كولومبوس لن يغير حقيقة أن ملايين السكان الأصليين في أمريكا الوسطى والمكسيك يتركون حاليًا أوطان أجدادهم ويهاجرون باتجاه الشمال إلى مشاهد مختلفة تمامًا والتي تعكس التقاليد والقيم السياسية والاقتصادية والثقافية الأوروبية والأمريكية.  

ثانيًا: الانتهازية، وليس المنطق, تبدو وأنها تحدد دائمًا أهداف التدمير، ويظل هذا صحيحًا اليوم، فإذا كانت المذبحة الجماعية في الماضي توفر سببًا لطمس ذكرى المذنب, إذن ينبغي بالتأكيد على الفرق الرياضية أن تتخلى عن الأسماء التجارية مثل "الآزتك". وبالمثل, ينبغي أن تُسقط المجتمعات التماثيل التي تكرم آلهة الآزتك>

في النهاية, ذبحت إمبراطورية الآزتك سنويًّا آلاف الأسرى النساء والأطفال الأبرياء على مذابح آلهتهم الجائعة. كان الآزتك غزاة, وإمبرياليين ومستعمرين أكثر قسوة بكثير من الرئيس السابق ماكينلي، مع هذا من الواضح أن الآزتك, لكونهم سكانًا أصليين, يحصلون على موافقة على القتل الجماعي الممنهج لرعاياهم الأصليين المستعبدين.

لقد غيرت جامعة ستانفورد اسم مبنيَيْن اثنين ومركزًا تجاريًا يحملان اسم الأب خونيبيرو سيرا, المؤسس الإسباني البطل للبعثات التبشيرية في كاليفورنيا في القرن الثامن عشر، وقد اشتهر سيرا بقسوته تجاه السكان الأصليين الذين سعى لتحويلهم إلى المسيحية.

كان من الممكن على طلاب وهيئة تدريس ستانفورد أن يجدوا هدفًا أسهل بكثير في حربهم على الموتى: مؤسس جامعتهم, ليلاند ستانفورد نفسه. كان ستانفورد سارقًا نبيلًا والذي استورد عمالة آسيوية واستغلها بوحشية وكان صريحًا في نظرته الدونية للأشخاص غير البيض.
مع هذا, من الصعب على الطلاب أن يعيدوا تسمية جامعتهم؛ لأن هذا يعني خسارتهم لعلامة ستانفورد التجارية المرموقة التي تُعدُّ بوابتهم إلى التقدم الوظيفي.

ثالثًا: في الماضي كان هناك عنصر جبان في المحو التاريخي، حيث كان التدمير يتم في أكثر الأحيان أثناء الليل على يد مخربين رحالة, أو بتأييد جماعات متطرفة ممن أرهبت معارضيها، وهذا يحدث أيضًا في الوقت الحاضر، فالكثير من تماثيل الكونفيدرالية هُدمت أو شُوهت أثناء الليل. وقد صوّت مجلس المدينة على تغيير الأسماء أو إزالة الأيقونات بعد تعرضه للترهيب من جماعات ضغط صغيرة والهيستريا الإعلامية. إنهم نادرًا ما أحالوا المسألة إلى الاستفتاء.

رابعًا: الجهل يصاحب ويفسر غطرسة المحو التاريخي, الماضي والحالي. ومؤخرًا, أضرم مخربون في نورث كارولينا النار في تمثال للجنرال لي، لكنهم أصابوا التمثال الخطأ، لم يكن هدفهم تمثال الجنرال الكونفيدرالي روبرت إي لي, بل تمثال للجنرال ويليام سي لي من الحرب العالمية الثانية, الذي شن حملة لإنشاء فرقة جيش محمولة جوًّا وساعد في التخطيط لغزو نورماندي.  

إن الماضي ليس ميلودراما بقدر ما هو تراجيديا في أكثر الأحيان، وتدمير التاريخ لن يجعلك تشعر بالرضا عن الوقت الحاضر, غير أن دراسته والتعلم منه ربما يفعل ذلك.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا