واشنطن وطهران وجهًا لوجه.. سلسلة العقوبات تقود معركة النفس الطويل

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

منعطف جديد ضمن مسلسل الشد والجذب المتبادل بين الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف دولية من ناحية وبين الدولة الإيرانية من جانب آخر، وبعد فشل الوساطات التي سعت إلى جمع كل من الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة؛ والتي كانت فرصة كبيرة للتوصل إلى صيغة للتهدئة بين أمريكا وإيران، خاصة وأن أحد الطرفين لا يملك ما يحسم به المعركة لصالحه.

حيث بدت قدرة النظام الإيراني على التعاطي مع الضغوط الدولية وإجادة أدوات اللعبة مع الدول الغربية ومحاولة تطويع الأزمة لصالحه، فيما تتبع أمريكا وحلفاؤها سياسة النفس الطويل بالضغط واسع الأمد وتطويل فترة العقوبات على الجانب الإيراني ليذعن للمطالب التي تنص على العودة إلى المجتمع الدولي والالتزام ببنود الاتفاق النووي المبرم.

وقال مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ: “رغم الضائقة الشديدة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، فهو أبعد ما يكون عن الانهزام”. وأضاف واعظ، بحسب موقع 24، إن إيران صاحبة خبرة كبيرة في العيش تحت الضغط الاقتصادي، ففي السنوات القليلة الماضية نمت الصادرات غير النفطية بشكل كبير، وكذلك التجارة مع الدول المجاورة مثل العراق، وأفغانستان، كما يمكن لإيران أن تهرب النفط، وتحقق بعض الإيرادات.

القط والفأر

قال الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الإيرانية، أسامة الهتيمي، إنه لا يمكن أن يشكك أحد في أن استئناف الولايات المتحدة الأمريكية لعقوباتها الاقتصادية على إيران كان له تأثيره على واقع الحياة الأمر الذي شكل أدوات ضغط على النظام الإيراني، وإن لم ينعكس ذلك بشكل جلي على سلوكه حتى اللحظة إذ بدا على قناعة تامة أن الضغوط يجب أن يقابلها ضغوط وتصعيد في المواقف، وليس الكف عن السلوك الذي يستفز الآخرين؛ وهو ما يفسر الانتهاكات الإيرانية التي وقعت مؤخرًا في الخليج أو بحق المملكة العربية السعودية.

وأضاف أسامة الهتيمي -في تصريحات خاصة لـ”رؤية”- إن الحقيقة أن ثمة عوامل ساعدت إيران على أن تتعاطى بمرونة شديدة مع هذه العقوبات منها أن إيران لديها خبرة طويلة مع هذه العقوبات تمتد لنحو أربعة عقود هي عمر الدولة الإيرانية الخمينية، الأمر الذي دفعها ومن العام الأول لوصول الخميني لسدة الحكم إلى أن تبحث عن بدائل وطرق للتحايل والالتفاف على هذه العقوبات، وطرح نظرية اقتصادية جديدة أسمتها “الاقتصاد المقاوم” والتي تتضمن عشرة بنود تنصب جميعها على تدريب الشعب الإيراني على كيفية المواجهة والصمود أمام الضغوط.

الاتفاق والعقوبات الأمريكية

وأشار أسامة الهتيمي إلى أنه كما نجحت إيران وبدرجة فائقة في أن تستغل حالة الاستقطاب الدولي حول الموقف الأمريكي من الانسحاب من الاتفاق النووي 5 1، واستئناف فرض العقوبات دعم ذلك حالة التخبط والتناقض الشديد وعدم الثبات الذي اتسمت به السياسات الخارجية الأمريكية، وتمكن الدبوماسية الإيرانية من تمتين علاقاتها بعدد من القوى الإقليمية والدولية الرافضة للسياسة الأمريكية، فضلًا عن قدرتها في فرض هيمنتها ونفوذها على بعض من الدول العربية والإسلامية؛ وهو الأمر الذي أحسنت إيران استغلاله؛ حيث العمل على الإبقاء على التعاون الاقتصادي بينها وبين هذه الدول ولو في حده الأدنى.

مؤكدًا في هذا الإطار أنه لا يمكننا القول أن العقوبات الأمريكية -ومهما اتسمت إجراءاتها بالقسوة والحدة- بمقدورها أن تجبر النظام الإيراني على تغيير سلوكه؛ فهذا يحتاج بجانب العقوبات إلى استراتيجية شاملة تحتاج إلى بعد زمني، فما تم خلال أربعين عامًا لا يمكن تغييره بشكل جذري في عام أو عامين؛ إلا عبر أساليب أقل ما توصف بأنها خطيرة ستجر الويلات على المنطقة والعالم بأكمله.

وذهب الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الإيراني إلى أن طهران -وفي حال واصلت أمريكا من عقوباتها- لن تغير من سلوكها في التصعيد المقابل، وإن حرصت على أن تغير من أنماط ضغوطها بما يتفادى ما يثير حفيظة المجتمع الدولي كما حدث مع هجمات أرامكو، وهو أمر ليس صعبًا بالنسبة لها، خاصة وأن يدها توصف بالطولى في منطقة لا زالت تمثل أهمية اقتصادية وأمنية للعالم كله.

وتابع الهتيمي قائلًا: في ظني أنه من المرجح أن تمتد حالة معركة عض الأصابع بين الطرفين لفترة زمنية أخرى -والمرهونة بالتطورات الإقليمية أو بالداخل الأمريكي- بعد فشل الوساطات التي سعت إلى جمع كل من الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني على هامش اجتماع الجميعة العامة للأمم المتحدة والتي كانت فرصة كبيرة للتوصل إلى صيغة للتهدئة، خاصة وأن أحد الطرفين لا يملك ما يحسم به المعركة لصالحه.

نفق مظلم

في وقت يعتقد فيه بعض الاقتصاديين أن التضخم في إيران تجاوز بالفعل 40%، ما يزيد من فرص دخول الدولة الفارسية في منعطف خطير اقتصاديًا، يصر المسؤولون الإيرانيون على أن بلادهم قادرة على اجتياز العاصفة الدولية وسلسلة العقوبات الأمريكية غير أن الواقع على الأرض قاس.

ومنذ العام الماضي انخفضت صادرات النفط الخام الإيرانية أكثر من 80% مقارنة مع 2012 عندما هبطت الصادرات لأقل من 1.3 مليون برميل يوميًا من حوالي 2.5 مليون برميل في اليوم. ورغم إعفاء الغذاء والدواء من العقوبات، فإن العجز عن التعامل عبر النظام المالي العالمي تسبب في أزمة إنسانية ونقص الأدوية المتخصصة.

ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد الإيراني في 2019 بـ3.6% بعد انخفاض الإيرادات النفطية، كما يتوقع البنك الدولي أن يقفز التضخم إلى 31.2% في 2019-2020 من 23.8% في 2018-2019 ومن 9.6% في العام الذي سبقه.

وأدى الانخفاض الحاد في قيمة العملة الإيرانية، وصعوبة سداد قيمة احتياجات استيرادية عاجلة إلى ارتفاع أسعار الخبز، والأرز وغيرها من المواد الغذائية الأساسية، وقال المدرس المتقاعد علي كمالي في طهران: “من السهل على المسؤولين الحديث عن مقاومة الضغط الأمريكي، فليس عليهم أن يقلقوا على الإيجار، أو أسعار السلع المتزايدة، الأسعار ترتفع كل يوم”.

ولا تلوح في الأفق نهاية قريبة للعقوبات، إذ قال ترامب الثلاثاء الماضي إن “الضغوط ستشتد على إيران”، خاصة بعد أن أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قرارًا يمنع أو يقيد دخول كبار المسؤولين الإيرانيين وأعضاء أسرهم من الدرجة الأولى إلى الولايات المتحدة، بسبب استمرار سلوك إيران العدواني المهدد للأمن والسلام في المنطقة والعالم.

ربما يعجبك أيضا