يحدث في “الكاميرون”.. باسم الحب الأنوثة عار تكوى بالنار

أماني ربيع

أماني ربيع

“كانت الأم تكوي ابنتها وتسمع صراخها وتوسلاتها الموجعة، لكنها كانت تعتقد أنها بذلك الألم تظهر لها الحب، وتؤمّن لها الحماية، ولقد استطعت أن أريى الحب والحنان في عيون الأم التي تببت في إيلام طفلتها منذ قليل، لكنني كذلك استطعت أن أرى كيف يؤلم هذا الحب”.

هبة خميس – مصورة فوتوغرافية مصرية

أصبحت فيرونيكا “جدة” وهي بعد في الثامنة والعشرين من عمرها، وحملت أكبر بناتها الخمس وهي لا تزال في سن الرابعة عشرة، لكنها صممت على منع باقي بناتها من الوقوع في نفس الخطأ، لذلك قامت في نوفمبر الماضي بإحضار ابنتها البالغة عشرة أعوام ميشيل وأخرى في السابعة إلى داخل المنزل لتقوم بعملية تسطيح الثدي.

نعم هي عملية لكن دون طبيب أو مخدر، لا يهم فيها قدر الصراخ الذي تتوسل أثناءه الفتاة الصغيرة من وقع الألم الشديد، لكن فيرونيكا في قريتها قرب مدينة بافوسام بالكاميرون، كانت تعتقد أن هذه الوسيلة تحول بين بناتها وبين ألم أكبر، استخدمت الأم حجرا في حجم الكف يستخدم لسحق الأعشاب سخنته على النار، وضغطت على جانبي حلمة ثدي الفتاة لتسحقها أمام أعين بناتها الآخرين.

كانت الفتيات الصغيرات يجرين في الغرفة يعتقدن أن الأم تعاقب ابنتها، ولكن هذه ظاهرة في الكاميرون يلجأ إليها الأهالي في إجراء يشبه ختان الإناث لإبعاد الرجال عنهم وحمايتهم من المسلحين المسعورين خاصة في مناطق الصراعات، وكذلك من ممارسة الجنس في سن مبكر.

تضحية لمستقبل أفضل

المصورة الفوتوغرافية المصرية هبة خميس أمضت شهرا في الكاميرون من أجل إجراء قصة مصورة حول هذا الأمر، وسافرت إلى عدة قرى ومدن للتحدث مع النساء حول مسألة “كيّ الثدي”، تلك المحاولة العقيمة لمنع حلمة الثدي من النمو كمظهر جنسي يجذب الرجال إلى الفتاة، وعبر رحلتها اكتشفت أن لهذه الممارسة أكثر من طريقة، فهناك من يستخدم حزاما لضغط الثديين وعادة ما تقوم بذلك العائلات الثرية بافتراض أن يمنع نمو الثدي، وهناك من يسخن حجرا ويطحن به الحلمة، وهناك من يستخدم ملعقة خشبية يضعها في النار ثم يستخدمها في الضغط.

وعادة ما تكون الضحية بين سن 8 إلى 12 سنة، وهي سنّ صغيرة جدا لتبدو فيه الفتاة بمظهر ناضج جسديا، تقول الباحثة ريبيكا تابسكوت، من مركز “ألبرت هرشمان”، إن هذه الممارسة قد تسبب لهن العدوى وتصيبهن بأورام حميدة، كما أن ما يفعلونه قد لا يمنع الثدي من النمو مرة أخرى.

وعند سؤال المصورة المصرية للنساء عن أسباب قيامهن بهذا الأمر، أكدت الأمهات أنهن يلجأن لذلك منعا لظهرو علامات البلوغ الجنسي عليهن، وحمايتهن من الاغتصاب أو الزواج المبكر، كذلك من أجل استمرار الفتيات في التعليم وتحسين ظروفهن الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل.

ووفقا لاعتقاد الأمهات، فإن الحمل المبكر قد يأتي عبر علاقات جنسية خارج إطار الزواج، ويمثل تهديدا لمستقبل بناتهن الاجتماعي، كما يعيق الاغتصاب فرصهن في مستقبل أفضل.

وما نفهمه من هذه القصة المؤلمة، هو أن هناك واقعا اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وراء هذه الظاهرة القاسية، حيث تذهب الأمهات إلى حدّ التضحية بأنوثة وجمال بناتهن لحمياتهن، وهو واقع فرضه تاريخ استعماري واستغلال سياسي وحكم فاسد دمر المجتمعات الأفريقية.

عادة حديثة

وبعد البحث ثبت أن هذه الظاهرة ليس لها تاريخ أو موروث ثقافي واضح يجعل منها عادة أفريقية، بل هي ظاهرة حديثة جدا، الأمر الذي يجعل معالجة أسبابها سببا في تراجعها بشكل تلقائي.

وطفت ظاهرة “كي الثدي” لأول مرة في المجتمع الدولي منذ أكثر من 10 سنوات، وفي عام 2005، أجرت وكالة التنمية الألمانية “جيز”، والشبكة الوطنية “ريناتا” وهي منظمة غير حكومية في الكاميرون مقابلات مع أكثر من 5000 فتاة وامرأة تتراوح أعمارهن بين 10 إلى 82 عاما، ووجدت أن نحو 25%  قد تعرضن لكي الثدي، وفي بعض المناطق وصلت النسبة لـ 53%، وتقوم بهذه العملية في أغلب الحالات الأم، وفي بعض الأحيان أحد القريبات كالخالة او الفتاة نفسها.

وتظهر حالات “كي الثدي” أيضا في بنين وتشاد وتوجو وعدة بلدان أخرى غرب ووسط أفريقيا، ووصفها السياسي البريطاني جيك بيري بأنها “جريمة خفية ضد المرأة”.

وبعد صدور هذا التقرير عام 2005، نظمت عدة حملات لزيادة الوعي ووقف هذه الممارسة، بما في ذلك برنامج تنمية القطاع الصحي الكاميروني، الذي سبق ونظم حملات ضد الاغتصاب وسفاح القربى، وبدأت وكالة “ريناتا” أول جهودها في هذا الأمر عام 2006، وأنشأ الصحفي الكاميروني تشي إيفون لينا منظمة “الخطر الجنساني” عام 2012 للقضاء على كي الثدي.

وترى المصورة هبة خميس أن لهذه الجهود تأثيرا إيجابيا، لكن معالجة الفتيات والنساء التي تعرضن لذلك ليس كافيا، والأهم هو إقناع النساء بوقف هذه الممارسة، وشرح أن كي الثدي لا يحل المشكلة التي دفعت الأمهات لإيذاء بناتهن حتى لو بدافع الحب، وتقول خميس: “يجب على الرجال أن يحترموا النساء أكثر من ذلك، ولكن تغيير الثقافة أمر صعب حقا”.

وربط تقرير الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان لعام 2014، ظاهرة “كى الثدى” بعادة ختان الإناث، موضحا أن له أثارا ضارة نفسيا وجسديا، فنحو 80% من النساء، بحسب استطلاع أجرته الهيئة الألمانية للتعاون الدولي، تشوهت صدورهن بشكل دائم، بينما تعاني 9% من صعوية في إرضاع اطفالهن رضاعة طبيعية.

ولفتت الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 3.8 مليون امرأة حول العالم قد تعرضن لهذه الظاهرة.

لكن هناك مشكلة حقيقية هي أن النساء تشعر بقلق حقيقي عند بلوغ بناتهن الثامنة أو التاسعة من العمر، وأن الأمهات اللاتي خضعن لهذه التجربة سمعن من أمهاتهن أنها بغرض الحماية، وكن يكررن تلك الممارسة لحمياة بناتهن، وظلت الحلقة المفرغة تدور بسبب الجهل أكثر من كون ما يحدث عادة مترسخة في المجتمع، خاصة وأن هناك أمهات عازبات بالفعل تعرضن لكي الثدي ولم يمنعهن ذلك من التعرض للتحرش أو الاغتصاب.

بعد “كي الثدي” يحترق الجلد، وتحدث أيضا التهابات وتقيحات، أما الآثار على المدى البعيد فلا تقل كارثية، فبعض الفتيات خضعن لمتابعة أطباء الأمراض النسائية لسنوات، وبحسب بعض الخبراء فإن ضحايا هذه العادة معرضات أكثر للإصابة بسرطان الثدي، كما يصبح شكل الثدي مشوها مما يفقد ثقة المراة في أنوثتها وجمالها.

وتحاول منظمات المجتمع المدني في الكاميرون توعية الأمهات بأن كي الثدي قد يسبب للفتاة ضررا أكبر مما لو خاضت تجربة جنسية حقيقية في سن البلوغ، وتنشط حملات التوعية عند أبواب الكنائس وفي التجمعات التقليدية لربات البيوت، لكن تغيير العقليات يستغرق وقتا، خصوصا في غياب قانون يمنع هذه العادة.

ربما يعجبك أيضا