44 عامًا على حرب أكتوبر .. إسرائيل بين نظرية المؤامرة وصدمة الحقيقة

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبد الدايم

أوري ميلشطاين:  
– إسرائيل لم تنهزم عسكريًا في حرب أكتوبر.
– القيادة العسكرية الإسرائيلية قدمت مئات الجنود قربانا عن عمد.  
– حرب أكتوبر جزء من سيناريو سري وضعه كيسنجر واشترك فيه السادات وديان من أجل الوصول لاتفاق سلام.
– مصر لم تكن لتتكمن من هزيمة إسرائيل دون مؤامرة.

أفيرام برقائي:
– ميلشطاين رائد نظرية المؤامرة التي راجت في السنوات الأخيرة حول حرب أكتوبر، لكنه ليس أول من اخترعها، وكأنه يرسم صورة ذاتية عن نفسه باعتباره المندوب الأخلاقي للشعب.
– ديان آخر شخص يمكن أن يحيك مؤامرة.
– أشرف مروان لم يكن وسيلة الاتصال الوحيدة بإسرائيل.
– الكثير من جيل حرب 73 في حالة صدمة حتى الآن.

44 عاما مرت على أحداث حرب السادس من أكتوبر، ولم تنفذ التحليلات العسكرية والدراسات التأريخية لهذه المعركة الفاصلة في تاريخ مصر والأمة العربية، كما تتذكرها الأوساط الإسرائيلية بمزيج من الحسرة، واستدعاء نماذج لما تعتبره بطولات فردية، إضافة إلى تحليلات عسكرية وتصورات مخابراتيةومؤامراتية.

هذا العام صدر في إسرائيل كتابان جديدان عن حرب أكتوبر (يوم الغفران) الكتاب الأول بعنوان “انتصار  بقليل من المنطقية- حقائق حول حرب يوم الغفران” ويكتب فيه المؤرخ العسكري الإسرائيلي المعروف “أوري ميلشطاين” مقالا يحمل عنوان “تقدير المؤامرة”وكتب تقريرا كبيرا عن رؤيته في هذا المقال ونشره في صحيفة “معاريف“، والكتاب الثاني الذي صدر هذا العام يحمل عنوان “الواقعة التي لم تكن تفاصيلها هكذا: مؤامرة حرب يوم الغفران” ومؤلفه “أفيرام برقائي” مرشد سياحي وباحث في التاريخ العسكري الإسرائيلي، وأجرى معه الكاتب اليميني “أمنون لورد” حوارًا عن كتابه في صحيفة “يسرائيل هيوم”.

نظرية ميلشطاين.. خدعة كيسنجر مع السادات وديان

زعم “ميلشطاين” في تقريره أن حرب أكتوبر اندلعت بناء على مؤامرة ثلاثية الأطراف، حاكها”هنري كيسنجر” وأشرك معه “أنور السادات” من الجانب المصري و”موشيه ديان” من الجانب الإسرائيلي، وبحسب زعمه؛ فإن حبكة الحرب تتلخص في مفاجأة الجانب المصري عدوه الإسرائيلي بالهجوم العسكري، وعبور قناة السويس، لتحقق انتصارها على الأرض أمام العالم، وتسترد أرضها، بينما تدعي إسرائيل الشعور بالمباغتة العسكرية وتنهزم، وبذلك تكون القيادة الإسرائيلية ومن ورائها المجتمع مستعدين للتنازل والموافقة على اتفاق سلام يصب في مصلحة المنطقة، وعلى الجانب الآخر تبدو مصر أمام العالم – خصوصا العربي – وقد حققت نصرا مؤزرا، ومحت العار الذي لحق بها في حرب يونيو 1976، وأما مكسب الولايات المتحدة فيتلخص في سحب مصر من تحت مظلة الاتحاد السوفيتي لتقف تحت مظلة الولايات المتحدة، وبالتالي تغل يد السوفييت عن المنطقة وتتمتع هي بسيطرتها كاملة، وقد روج لهذا التصور الأخير ما أقدمت عليه القيادة المصرية في عام 1972 بطرد الخبراء السوفييت، وما شاع عن خلافات بين الجانبين المصري والسوفيتي.

تتركز أسانيد “ميلشطاين” على ما يعتبره نقاطا غامضة في سيناريو الحرب، فالسؤال الرئيس الذي يطرح نفسه هو لم تأمر القيادة العسكرية الإسرائيلية باستدعاء قوات الاحتياط رغم حصولها على معلومات متواترة من أكثر من مصدر بموعد هجوم القوات المصرية والسورية؟ أما السؤال الثاني فهو لماذا قررت القيادة تعبئة الاحتياط في صبيحة يوم الحرب رغم تعهدها لـ”هنري كيسنجر” بعدم القيام بالأمر؟

وبحسب “ميلشطاين”؛ فإن الزعم الرائج بالنسبة لعدم تعبئة قوات الاحتياط رغم معرفة موعد الحرب يتلخص في عدم رغبة القيادة الإسرائيلية بتكرار استدعاء الاحتياط للمرة الثانية في فترة وجيزة، بعد أن قررت تعبئة قوات الاحتياط في مايو 1973 على إثر تواتر تسريبات بموعد الحرب حينها، وكذلك فلم ترغب القيادة الإسرائيلية في تعبئة الاحتياط في أكتوبر 1973 وتصدير التوتر للمجتمع الإسرائيلي خصوصا وأنه كان من المفترض أن تُجرى الانتخابات العامة في إسرائيل بعد 25 يوما من يوم الغفران الذي صادف هجوم المصريين.

وتبع الزعم “ميلشطاين”؛ فإن إسرائيل بعد أن تدَّعي المفاجأة في مقابل ترويج المصريين بأنهم حققوا انتصارا؛ تقوم باستيعاب المفاجأة وتعبئة الاحتياط، ومن ثم تهاجم مجددا، ليضطر الرئيس السادات للموافقة على وقف إطلاق النار الذي فرضته الولايات المتحدة على إسرائيل، ليلجأ الطرفان – المصري والإسرائيلي – في النهاية للجلوس أمام مائدة المفاوضات وإرساء بنود اتفاق سلام برعاية أمريكية خالصة.

برقائي: غطرسة إسرائيل سبب الهزيمة

يتحدث”أفيرام برقائي”مع “أمنون لورد” في صحيفة “يسرائيل هيوم” عن نقطة الانطلاق في كتابه، وهي نظرية”ميلشطاين”، الذي يدعي أن مؤامرة كبرى جرت كي تخرج حرب أكتوبر بهذا الشكل وتصل إلى هذه النتائج، وإذا ما تم تنحية نظرية المؤامرة جانبا؛  فسيكون هذا لسبب وحيد، وهو افتراض أن “موشيه ديان” كان رجل سلام، ومن أجل تحقيق السلام الشامل كان مستعدا للتضحية بمئات الجنود الإسرائيليين عمدا، كي تذيع سمعته كقائد عسكري كبير، وأقدم على ذلك قبيل الانتخابات، فالرجل الذي تحدث الجميع عن نشاطاته للتوسع في بناء مستوطنات إسرائيلية بسيناء، وتدشين مدينة بحرية وميناء تجاري؛ هو ذاته الرجل الذي اشترك في خدعة لينهزم بموجبها جيش بلاده، ويمنح نصرا براقا لمصر ويترك لها كل سنتيمتر من أرض سيناء، رغم المقولة المشهورة عنه: “أفضل شرم الشيخ بلا سلام عن سلام بلا شرم الشيخ”.

يسترسل “أمنون لورد” في الحديث مع “برقائي” عن ملخص كتابه، ووفقا له: ما الذي يجعل وجود مؤامرة لحرب يوم الغفران غير معقول؟! بينما تاريخ إسرائيل عامر بالمؤامرات، والأحداث الغامضة التي لا تُكتشف ملابساتها، مثل اغتيال “حييمأرلوزولوف” رئيس القسم السياسي للوكالة اليهودية وذلك عام 1933، وقد أشارت أصابع الاتهام إلى أفراد من حركة “الصهيونية التنقيحية”، لكن ظل الجاني مجهولا، وكذلك “فضيحة لافون” في مصر عام 1954، والتي سميت نسبة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك “بنحاس لافون” الذي اعتُبر الآمر بتنفيذها، وهي عملية سرية إسرائيلية كانت تسمى كذلك بـ”عملية سوزانا”، وكان الغرض منها تفجير أهداف مصرية وأمريكية وبريطانية في مصر، وأجهضتها السلطات المصرية، وفي إسرائيل لم يتم الكشف عن المتورطين في تلك العملية الفاشلة، وأيضا عملية اغتيال “رودولوفكاستنر” عام 1957، وهو المحامي اليهودي الذي اشتهر بتهريبه اليهود من النازيين بالمجر، وتمت تصفيته على يد مجهولين بعد اتهامه بالتعاون مع النازيين، ليس هذا فحسب بل يمكن وضع علامات استفهام عديدة أمام حادث اغتيال رئيس الوزراء “يتسحاق رابين” رغم القبض على منفذ العملية.

وبعيدا عن حالات الاغتيال الفردية، ولربط الموضوع بمسألة الحرب؛ فإن الحديث عن نظريات مؤامرة تتعلق بالحروب ليس جديدا، فعلى سبيل المثال أشارت أصابع الاتهام (ثم تراجعت) إلى “موشيه ديان” حينما كان رئيسا للأركان الإسرائيلية فيما يتعلق بمقتل “أساف سمحوني” قائد المنطقة الجنوبية العسكرية، بعد انتهاء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بيوم واحد،رغم أنه تم الإعلان عن مقتله نتيجة حادث تحطم طائرة.

فيمكن القول إذا أن “موشيه ديان” كان يشعل خيال المؤمنين بنظريات المؤامرة، وراجت الإشاعات التي ربطت بينه وبين كثير من الأحداث السياسية والعسكرية بداية من “فضيحة لافون”، حيث اتهمه “بنحاس لافون” مع قيادات من الجيش بنصب مكيدة له.

مؤامرة الأوغاد الثلاثة

 تحول الحديث عن حرب أكتوبر 1973 إلى حقل كبير من الإشاعات، والحديث عن المؤامرات التي تلقى رواجا كبيرا لدى جمهور كبير، خصوصا مع الانكسار الكبير في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهو الأمر الذي لم يكن متوقعا في حينه، مع المباغتة الكبيرة التي أقدم عليها الجيشان المصري والسوري في السادس من أكتوبر، وبناء على ذلك أصدر “برقائي” كتابه الأخير هذا ليضع حدا لنظرية المؤامرة، ولأن الأهم الآن هو ماذا يمكن أن يقال للإسرائيليين عام 2017بعد 44 عاما من الحرب، بعد أن تحول الكثير منهم إلى مهووسين بنظريات المؤامرة، والمكائد السرية؟

 يعتبر “برقائي” أن “ميلشطاين” هو رائد نظرية المؤامرة التي راجت في السنوات الأخيرة حول حرب أكتوبر، لكنه ليس أول من اخترعها، وكأنه يرسم صورة ذاتية عن نفسه باعتباره المندوب الأخلاقي للشعب، المخول إليه تعرية مؤسسة الحكم الفاسدة في إسرائيل، وفضحها باعتبارها مؤسسة مقيتة وفاسدة نصبت كمينا تاريخيا للإسرائيليين، فأودت بحياة مئات الجنود، بعد الاتفاق السري بين “الأوغاد” الثلاثة  “كيسنجر” و”ديان” و”السادات”.

وهذا الرواج المستحدث لنظرية المؤامرة المصاحبة لحرب أكتوبر استدعى”برقائي” لإصدار كتابه الأخير، ليفند فيه تصور “ميلشطاين”، الذي لاقى تجاوبا كبيرا في السنوات الأخيرة بإسرائيل، ومن هنا يرى “برقائي” ضرورة لكبح جماح هذا التشويه التاريخي، ويستند في ذلك إلى مؤلفاته السابقة عن وقائع بعينها جرت خلال حرب أكتوبر.

 يسخر “برقائي” من نظرية “ميلشطاين”، الذي يعتبر أن المصريين شعروا بالإهانة والذل بعد انكسارهم في 67، وأرادوا استرداد سيناء، لأنهم مصريون وعرب،  لكنهم كانوا مدركين جيدا لحدود قوتهم في مقابل قوة الجيش الإسرائيلي، لذا فقد رغبوا في تحقيق انتصار شعبوي صغير، فمصر لم تكن لتقبل استرداد أرضها دون حرب، بعد أن أعلن العرب “اللاءات الثلاثة” في القمة العربية بالخرطوم في أغسطس 1976، وهي لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني، وبالتالي احتاجت مصر لنصر مزيف تسترد به سيناء، وتُصور لشعبها وللعرب أنها محت العار والإهانة، بعد أن يظهر جنودها وهم يدكون حصن “بارليف”، وتحلق طائراتها فوق سيناء مجددا، ثم في الأخير تسير في طريق اتفاق سياسي سلمي يعيد لها بقية أراضي سيناء، وهكذا تسلم إسرائيل سيناء مقابل السلام، ويظهر الجيش المصري أمام شعبه وكأنه البطل العظيم الذي حقق النصر وأعاد الأرض.

 في المقابل يحاول “برقائي” أن يدحض في كتابه نظرية المؤامرة بين الثلاثي “كيسنجر” و”ديان” و”السادات”، ويرى أن الغرور كان سببا حقيقيا ورئيسا فيما جرى في 6 أكتوبر، فبعدما انتصرت إسرائيل عام 1976 انتفخت أوداج القيادة الإسرائيلية بالغرور، لأن اعتبروا أن العرب أيقنوا أن أحد أسباب تفوق إسرائيل هو الأفضلية العسكرية الكبيرة التي يتمتع بها الجيش، وأصبحت السماء مزدحمة بطائرات إسرائيلية، واعتبر “ديان” أن العرب كمجموعة عصافير تصطف فوق سطح صفيح، حجر واحد يُقذف عليها فتهرب بعيدا، أما “بارليف” فقد اعتبر العرب رعاعا لا يُخشى تهديدهم، في حين قال “شارون” أن إسرائيل يمكنها أن تبسط سيطرتها على أية منطقة تقع بين الخرطوم وبغداد. 

والحقيقة من منظور”برقائي” أن:”صدمة يوم الغفران كانت رهيبة، في أول 24 ساعة فقط من الهجوم سقط نحو 500 جندي إسرائيلي، ولا أعرف هل بإمكان الجيش الإسرائيلي أن يقوم يوما بعملية ناجحة مثلما فعل المصريون، الفلاحون غير المتعلمين”

بالنسبة للسؤال الأهم الذي يستند إليه “ميلشطاين” وهو: لماذا لم تأمر القيادة الإسرائيلية بتعبئة الاحتياط رغم ورود معلومات “مؤكدة” عن موعد الهجوم، وليست معلومات من “أشرف مروان” وحده، بل من مصادر موثوقة أخرى؟ يجيب “برقائي”: “الأمر في غاية البساطة، فالانتخابات الإسرائيلية كان من المقرر أن تُجرى في نهاية أكتوبر 1973، ولا توجد احتمالية واحدة أن يخاطر سياسي إسرائيلي حينئذ ويتحدث عن حرب قادمة على الأبواب ستندلع قبل الانتخابات بثلاثة أسابيع” وهذا الأمر يعد غريبا بالطبع على أي شخص لا يستطيع أن يفهم مجريات السياسة الإسرائيلية جيدا، وبدلا من ذلك يلجأ للإيمان بنظريات المؤامرة والترويج لها.”

إيلي زعيرا وفشل أمان

تطرق “ميلشطاين” في حديثه عن “إيلي زعيرا”، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) في ذلك الوقت، ولماذا لمْ يُفعل وسائل الاستخبارات في ذلك الوقت، وهي الوسائل الخاصة التي قيل أنها تعتمد على مصادر موثوقة لجمع معلومات، بخلاف “أشرف مروان”، وفي عام 2013 – بعد 40 عاما على الحرب- خلال اجتماع الجمعية الإسرائيلية للتاريخ العسكري؛ هاجم بعض الحاضرين “إيلي زعيرا” بسبب عدم تفعيل الوسائل الخاصة، والتي كان يمكن أن تنقل للقيادة الإسرائيلية معلومات دقيقة عن تفاصيل الحرب، وفي هذا الشأن يدفع “برقائي” جزءا من الاتهام عن “زعيرا”، مستندا إلى حادثة وقعت في إبريل من العام 1973، حيث كشفت مصر مصدرا موثوقا لإسرائيل كان يمدها بمعلومات، ومن هنا اضطرت قيادة أمان لإيقاف مؤقت للمصدر الآخر كيلاينكشف ويتعرض للسقوط في أيدي المصريين دون حاجة ماسة لأن ينقل معلومات لإسرائيل في ذلك الوقت.

ورغم دفاعه عن “زعيرا”؛ فإن برقائي يبدي اندهاشا من تصرفه بخصوص إيقاف عمل المصدر الثاني، ففي ذلك الوقت كان يوجد مصدران للمعلومات، سقط أولهما، ولم يسقط الثاني، واكتفى “زعيرا” ومعه قيادة أمان بالمعلومات التي نقلها المصدر الأقل ثقة، ومفادها أن المصريين غير مستعدين للحرب، وسوريا لن تشعل حربا دون مشاركة مصر، ولذلك اعتبر “زعيرا” أن ما تقوم به مصر في ذلك الوقت محض تدريبات عسكرية، وليست استعدادات جدية لشن الحرب.

جدير بالذكر أن “إيلي زعيرا” تحدث عام 2014 مع صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وأقر بأن المسؤولين في أمان لم يفترضوا قدرة المصريين على العبور، وقال أنه اعتمد على معلومات تؤكد هذا الافتراض، وأن “جولدا مئير” كانت واثقة تماما بعدم قدرة المصريين على شن حرب، ولم يشأ “زعيرا” وقتها أن يعارضها خشية أن يعتبرونه مُضلِلا، خصوصا مع تأكيد أطراف كثيرة على أن جعجعة المصريين حول الحرب بلا طحن.

أشرف مروان: ملاك إسرائيل أم عميل مزدوج

على جانب آخر ماتزال مسألة “أشرف مروان” غامضة بعض الشيء بالنسبة لـ”برقائي”، فيقول “ميلشطاين”في مقاله أن “مروان” قد نقل إلى “تسيفي زمير” رئيس الموساد آنذاك معلومة  مؤكدة بموعد اندلاع الحرب خلال لقائه معه في لندن، ولم يكن “أشرف مروان” عميلا للموساد أو عميلا مزدوجا، بل كان أحد وسائل الاتصال، ودوره كان يقتصر على نقل معلومة موعد الحرب، أما “أفيرام برقائي” فيقر بأنه لا يقف على كل تفاصيل التي جمعت “زمير” مع “زعيرا” فيما يتعلق بمعلومة “أشرف مروان”، فربما كان “زعيرا” قد شكَّ في كون “مروان” عميلا مزدوجا، ولذا لم يعتبر ما نقله كمعلومة دقيقة تماما، لكن من المؤكد– وفقا لأغلب الآراء- أنه كان يوجد مصدر آخر للمعلومات، مهم جدا ودقيق، بخلاف “مروان”.

موشيه ديان: طاووس الحرب ليس متآمرا

أما “موشيه ديان” الذي اتهمه “ميلشطاين” بكونه مندوب إسرائيل في المؤامرة الثلاثية فقد وصفه برقائي بـ” الرجل العنيد، الذي كان يفرض رأيه دائما، لكنه كان إيثاريا، يقلق كثيرا على غيره، غير أنه كان متغطرسا، ولذا لا يمكن أن يحيك مؤامرة مع “زعيرا” ليخفيا شيئا أمام لجنة “أجرانات”، ومن المؤكد أنه آخر شخص يمكن أن يحيك مؤامرة”، ولم يكتف “برقائي” بهذا، بل صرح أنه إذا كان أحد أفراد عائلة “ديان” لفكر جديا في رفع قضية تشهير بحق “ميلشطاين” وغيره من مروجي هذه النظرية.

يقدم “برقائي” رأيا آخر يدحض به نظرية المؤامرة، فيرى أن إسرائيل قبل 1973 قد وصلت لمرحلة الحدود الآمنة والعمق الاستراتيجي، ولم تكن لتحيك مؤامرة تتنازل بموجبها عما حققته، ولا في مقابل السلام الكامل، الذي لم يعرضه أحد من الأساس، بعد أن رفع العرب “اللاءات الثلاثة”.

اغتيال يوسف ألون (جون)

في 1 يوليو 1973 تم تصفية “يوسف ألون” العقيد بقيادة سلاح الجو الإسرائيلي وذلك في الولايات المتحدة حيث كان يعمل مساعدا للملحق العسكري الإسرائيلي، ولم يتم التعرف على منفذي العملية، رغم أن البعض ربط مقتله بمنظمة “أيلول الأسود” الفلسطينية، ومن قبيل الإيمان بنظرية المؤامرة أيضا؛ روج البعض أن “ديان” بنفسه كان وراء تصفية “ألون”، بعدما علم الأخير ببعض تفاصيل المؤامرة الثلاثية (كيسنجر وديان والسادات).

من هنا يعتبر “أفيرام برقائي” أن كتابه يأتي في وقت مهم، حيث من شأنه أن ينحي جانبا خيالات نظريات المؤامرة التي تحيط بحرب أكتوبر، ويضع بدلا منها ما يراه حقائق أمام الإسرائيليين الذين ما يزال الكثير منهم يعاني صدمة ما بعد الحرب رغم مرور 44 عاما، فالجرح لم يلتئم بعد.

ربما يعجبك أيضا