بعد تحولها إلى أزمة سياسية.. هل تستطيع سريلانكا الخروج من الأزمة الاقتصادية؟

آية سيد

تحولت أزمة سريلانكا الاقتصادية إلى أزمة سياسية للرئيس راجاباكسا، الذي يواجه احتجاجات شعبية تطالب بتنحيه عن منصبه. فكيف تستطيع سريلانكا الخروج من أزماتها؟


تمر سريلانكا بأسوأ أزمة اقتصادية شهدتها على الإطلاق، والتي أدت إلى سلسلة من الاحتجاجات الواسعة ضد الرئيس جوتابايا راجاباكسا.

وبحسب تقرير لصحيفة فورين بوليسي الأمريكية، أمس 20 إبريل 2022، أعلنت الحكومة الأسبوع الماضي أنها ستعجز عن سداد الديون الخارجية البالغة قيمتها 51 مليار دولار. ويعاني المواطنون السريلانكيون نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي باستمرار، وارتفع التضخم ليصل إلى إلى 17.5%.

عائلة راجاباكسا

أفاد التقرير أن عائلة راجاباكسا تهيمن على السياسة السريلانكية منذ 2005. ويأتي على رأسها الرئيس الحالي جوتابايا راجاباكسا ورئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا. ورغم الاحتجاجات الضخمة ومعدلات الشعبية المنخفضة على نحو تاريخي، فإنه قد رفض الاثنان مغادرة منصبيهما. وذكر التقرير أن قيادة راجاباكسا اتبعت سياسات أضعفت الموقف الاقتصادي غير المستقر لسريلانكا.

وفي 2019، أعلنت حكومة راجاباكسا عن خطط لتحويل الدولة إلى الزراعة العضوية خلال 10 سنوات. ودعا جوتابايا راجاباكسا إلى حظر الأسمدة الصناعية والمبيدات، ما فاجأ المزارعين غير المستعدين وأدى إلى تراجع غير مسبوق في الإنتاج الزراعي. وإضافة إلى هذا، خفضت حكومته الضرائب مع زيادة الإنفاق، بما في ذلك دعم المزارعين.

ما موقف الجيش من عائلة راجاباكسا؟

لفت التقرير إلى أن حكومة سريلانكا استقالت تحت ضغط شعبي في 3 إبريل الماضي، وكان من ضمنها عدة أفراد من عائلة راجاباكسا. لكن جوتابايا وماهيندا لا يزالا على رأس السلطة، على ما يبدو بدعم من الجيش والشرطة. وبحسب التقرير، من المستبعد أن ينقلب الجيش على الأخوين راجاباكسا لسببين. السبب الأول هو أن سريلانكا ليست دولة “حامية عسكرية”. فالجيش قوي، لكنه يحترم الحكومة المدنية.

والسبب الثاني هو أن الأخوين راجاباكسا لديهما علاقات قوية بجيش سريلانكا. في 2005 عندما أصبح ماهيندا رئيسًا للبلاد، عيّن جوتابايا وزيرًا للدفاع. وعندما هدأت الحرب الأهلية، تغاضى الأخوان راجاباكسا عن انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة ومنعا لاحقًا التحقيقات الدولية المحتملة، ما جعلهم يكسبون ولاء الجيش.

البحث عن عوائد جيواستراتيجية في سريلانكا

ذكر التقرير أن بعض المستثمرين كانوا مهتمين بالعوائد الجيواستراتيجية التي تعود عليهم من التعاون مع القيادة في سريلانكا. وفي بداية العقد الأول من الألفية الثانية، زادت الصين استثمارها بعدد من المشروعات، مثل ميناء بحري عميق ومطار دولي في هامبانتوتا مسقط رأس راجاباكسا. وعلى الرغم من أن الميناء لا ينقل الكثير من الشحنات، فإنه قد يخدم كنقطة اتصال مهمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

وفي 2017، عرضت بكين شراء السيطرة على الميناء، ما ساعد كولومبو على معالجة بعض مشكلات ميزان المدفوعات. وعلى عكس المعتقد السائد، فإن الصين لم تتنازل  عن قروضها لدولة سريلانكا. وعلى الجانب الآخر، خسر المطار الأموال. وباتت الأوضاع فيها من سيئ إلى أسوأ.

هل الصين مسؤولة عن أزمة سريلانكا؟

أورد تقرير لموقع ذا كونفرزيشن الأسترالي، في 13 إبريل 2022، أن الكثيرين يعتقدون أن علاقات سريلانكا الاقتصادية مع الصين هي الدافع الرئيس وراء الأزمة. ووصفت الولايات المتحدة هذه الظاهرة بـ”دبلوماسية فخ الديون”. يحدث هذا عندما تقدم دولة أو مؤسسة مُقرضة الديون إلى الدولة المقترضة لزيادة النفوذ السياسي للمُقرض. وعندما يعجز المقترض عن السداد، يصبح تحت رحمة الدائن.

لكن القروض من الصين مثلت 10% فقط من إجمالي الديون الخارجية لسريلانكا في 2020، بحسب التقرير. وتمثل اليابان 11% من الديون الخارجية لسريلانكا. وبالنسبة إلى ميناء هامبانتوتا، كان تشييده بتمويل من بنك الصين للاستيراد والتصدير. لكن الميناء كان يخسر، لذلك أجّرت سريلانكا الميناء لمدة 99 عامًا لتشاينا ميرشنتس جروب، التي دفعت لسريلانكا 1.12 مليار دولار. لذلك هو ليس مسئولًا عن أزمة ميزان المدفوعات.

محاولات للخروج من الأزمة الاقتصادية

أشار تقرير فورين بوليسي إلى أن الأخوين راجاباكسا يبحثان عن طرق للخروج من الأزمة التي صنعاها. لهذا، تعاونا مجددًا مع الهند، التي تعهدت بتقديم مساعدات اقتصادية إضافية بقيمة 2 مليار دولار. ووفقًا للتقرير، ينبع استعداد الهند لإنقاذ سريلانكا، إلى حد كبير، من رغبتها في تعويض الخسارة أمام الصين.

ومن المثير للاهتمام أن بكين تبدو الآن حذرة بشأن تخفيف المعاناة الاقتصادية لكولومبو، ربما بسبب صراعها مع تفشي جائحة فيروس كورونا كوفيد 19، وتعطل سلاسل الإمداد. وعلى الجانب الآخر، قد تكون السلطات المالية في سريلانكا مترددة بشأن زيادة اعتمادها على الصين.

اللجوء إلى صندوق النقد الدولي

لفت تقرير فورين بوليسي إلى أن سريلانكا قد لا تملك خيارًا سوى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض تكيف هيكلي، والذي سيتطلب تقشفًا ماليًّا كبيرًا في المدى القريب. وهذا التقشف سيأتي في صورة زيادة في عائدات الضرائب وخفض لدعم الوقود. ومن المرجح أيضًا أن يسعى صندوق النقد الدولي إلى فرض قيود على قدرة سريلانكا على الحصول على قروض مستقبلية.

وسوف تشمل المفاوضات هذه المرة مُقرضين آخرين، لذلك لن يكون القرار عائدًا إلى صندوق النقد الدولي والحكومة فقط. ووفقًا للتقرير، فإن هذه المفاوضات المعقدة مع صندوق النقد الدولي ستكون صعبة على نحو خاص للأخوين راجاباكسا، نظرًا لعلاقاتهما العدائية مع المؤسسة. وختم التقرير بأن الأزمة الاقتصادية والسياسة في سريلانكا بعيدة كل البعد عن الانتهاء.

 

ربما يعجبك أيضا