الصين إلى الشيخوخة.. هل يحدث نقص في القوى العاملة؟

آية سيد
«التراجع الديموجرافي».. مشكلة جديدة تواجه شي جين بينج

إن تراجع القوى العاملة وارتفاع عدد السكان المسنين يطرحان تحديات هائلة، وسيتطلبان تخطيطًا فاعلًا على المدى البعيد وقرارات غير شعبية من الحكومة الصينية.


لفت مقال بمجلة فورين أفيرز الأمريكية إلى أن الصين تواجه تحديًا جديدًا مع تقدم عمر سكانها وانخفاض عددهم، ما يؤثر في القوى العاملة.

وحسب الباحث المتخصص في الدراسات الصينية بمجلس العلاقات الخارجية، والأستاذ بكلية الحقوق بجامعة فوردهام الأمريكية، كارل مينزنر، سوف تتسم العقود المقبلة في الصين بانخفاض الخصوبة، وتراجع عدد السكان على غرار بقية دول شرق آسيا.

تراجع سكاني

ارتفع عدد سكان الصين ليصل إلى 1.4 مليار نسمة في 2021، لكنه شهد تراجعًا في 2022. وبحلول منتصف القرن، من المتوقع أن ينخفض عدد سكان الصين بمقدار 200 مليون نسمة عما هو عليه الآن. وسيرتفع متوسط العمر بثبات من 38 عامًا في 2020 إلى 50 عامًا.

وقال مينزنر، في مقاله، أمس الثلاثاء 2 مايو 2023، إن تراجع القوى العاملة وارتفاع عدد السكان المسنين يطرح تحديات هائلة وسيتطلب تخطيطًا فاعلًا على المدى البعيد وقرارات غير شعبية من الحكومة الصينية.

ورغم التصريحات الرسمية للحزب الشيوعي الصيني التي تُبرز أهمية معالجة احتياجات المجتمع المسن، وتحذيرات المسؤولين والباحثين الصينيين بشأن الحاجة إلى رفع سن التقاعد، فإن النظام السياسي للصين تحت حكم شي جين بينج يبدو غير مؤهل للتعامل مع هذه التحديات.

اقرأ أيضًا| انخفاض السكان.. أزمة صينية جديدة تهدد العالم

الانقلاب على التكنوقراطية

يكمن أخطر تحدٍّ ديموجرافي يواجه الصين في المناطق الريفية الفقيرة، حيث يتركز العدد الأكبر للسكان المسنين، وفق مينزنر. وسترتفع أعدادهم في العقود المقبلة، ما يفرض ضغوطًا اقتصادية واجتماعية هائلة على المجتمعات.

ونوّه مينزنر بأن التخطيط لتلبية احتياجات المسنين في المناطق الريفية سيكون واحدًا من أصعب المهام التي تواجه قادة بكين. وقال إن عودة الصين إلى حكم الرجل الواحد يقوض قدرات بكين على التخطيط للمستقبل، لأن شي يهمش الأصوات والمؤسسات التكنوقراطية باستمرار، وسياسات الدولة تُظهر علامات مقلقة على تلبية رغباته.

جائحة كوفيد

ضرب الباحث الأمريكي مثالًا بطريقة تعامل الزعيم الصيني مع جائحة كوفيد-19، عندما طبق شي سياسات صفر كوفيد الصارمة في 2020 و2021، ثم قرر التخلي عنها دون سابق إنذار في 2022، ليترك كبار السن في مواجهة الفيروس.

وتعليقًا على هذا، قال زميل الصحة العالمية بمجلس العلاقات الخارجية، يانزونج هوانج، إن هذه التحولات الجذرية في السياسة كان لها تكاليف باهظة، لأنها عرضت مئات الملايين من المواطنين لإغلاقات صارمة في ذروة سياسات صفر كوفيد، ثم تسببت في حصيلة وفيات تتراوح من مليون إلى 1.5 مليون بعد رفعها فجأة.

اقرأ أيضًا| حكومة الصين تتخلى عن «صفر كوفيد».. والشعب يرتجل أمام الجائحة

الاستقرار السياسي

في ظل ارتفاع عدد كبار السن، تصبح برامج التقاعد غير مستدامة، هذا لأن سن التقاعد منخفض بنحو استثنائي في الصين: 55 عامًا للنساء، و60 عامًا للرجال. وتتوقع الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن ينضب صندوق التقاعد الحضري الرئيس، الذي غطى نحو 450 مليون شخص حتى 2020، بحلول 2035.

وكما هو الحال في الدول الأخرى، مثل فرنسا، فإن رفع سن التقاعد أو تقليل المزايا يمثل تحديًا خطيرًا للحكومة، لأنه يخاطر بإثارة رد فعل شعبي عنيف.

وقال مينزنر إن قادة الحزب المهوَّسين بالاستقرار يتراجعون غريزيًّا عندما يواجهون مظالم مشتركة واسعة النطاق، التي قد تتحول إلى مقاومة جماعية، مثلما حدث في الاحتجاجات على سياسات صفر كوفيد. وهذه المخاوف أعاقت الإصلاحات الهادفة باستمرار تحت حكم شي جين بينج.

القومية العرقية

اتجهت مجتمعات شرق آسيا الأخرى التي تواجه تراجعًا ديموجرافيًّا إلى جلب عمالة من الخارج لتخفيف آثار انخفاض معدل المواليد والشيخوخة السريعة، إلا أن توجه شي الأيديولوجي نحو القومية العرقية سينسف قدرة بكين على استخدام هذه الأداة، حسب مينزنر.

ولفت الأكاديمي الأمريكي إلى أن شعار شي بـ”تجديد الأمة الصينية”، وغيرها من الشعارات الاشتراكية، تفتح المجال أمام وضع الصين في إطار ينهض على الثقافة والعرق. وهذا التوجه القومي العرقي أجج المشاعر المناهضة للأجانب وبدد جهود الصين الأولية لتحرير سياستها المتعلقة بالهجرة.

اقرأ أيضًا| فورين أفيرز: الحزب الشيوعي الصيني يبحث عن مصدر جديد للشرعية

طموحات الهيمنة

أشار مينزنر إلى أن تبني الحزب الشيوعي الصيني للأدوار التقليدية للجنسين يخاطر بمفاقمة انخفاض معدل الخصوبة عن طريق تعزيز العوامل الكامنة التي تدفع الشباب الصيني، لا سيما النساء، إلى العزوف عن الزواج وتربية الأطفال.

وختامًا، قال مينزنر إن تقدم السكان في العمر والنظام السياسي الاستبدادي الآخذ في التزايد في الصين سيعرقلان الدولة بشدة، ويعيقان صعودها إلى الهيمنة العالمية أو تحقيق الاستقرار الاجتماعي طويل الأمد، مع اقترابها من منتصف القرن الحادي والعشرين.

ربما يعجبك أيضا