فورين أفيرز: روسيا تتعلم من أخطائها في أوكرانيا

آية سيد
فورين أفيرز: روسيا تتعلم من أخطائها في أوكرانيا

في النصف الثاني من صيف 2022، عندما تحول الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى حرب استنزاف، أجبرت الخسائر المتصاعدة قادة الجيش الروسي على تغيير نهجهم.


يتقدم هجوم أوكرانيا المضاد، الذي انطلق قبل 3 أشهر، بوتيرة أبطأ مما توقع الكثير من حلفاء وداعمي كييف.

وفي تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية، يوم الأربعاء 6 سبتمبر 2023، عزا المحللان بمركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة، مارجريتا كوناييف وأوين دانيالز، تعثر الهجوم إلى التغيّر في سلوك روسيا، وما تعلمته من أخطائها في الأشهر الـ9 الأولى من الصراع.

جيش منهك

بعد مرور عام ونصف على الحرب، أصبح الجيش الروسي منهكًا، وخسر قرابة ثلثي الدبابات الجاهزة للقتال، ما أجبر الكرملين على استخدام احتياطياته، التي تعود إلى العصر السوفيتي.

وحسب المحللين، جرى الاستيلاء على معظم المعدات الروسية الأخرى، أو تدميرها. وتستخدم موسكو كذلك الكثير من الأسلحة الأكثر تكلفة وتطورًا، المتبقية في ترسانتها، لاستهداف البنية التحتية المدنية، ما يستنزف المخزون الثمين، الذي سيصعب تجديده وسط العقوبات الغربية.

حرب أوكرانيا

حرب أوكرانيا

وكذلك فإن القوات الروسية غير مدربة جيدًا، ومعنوياتها منخفضة، وتكون مجبرة على القتال في بعض الأحيان. وبعضها خرج للتو من السجن، أو يتعاطى المخدرات. وبعد تمرد قائد فاجنر الراحل، يفجيني بريجوجين، في يونيو الماضي، توقع محللون أن يواجه جيش الكرملين فرارًا جماعيًا، أو تمردات، أو حتى انهيارًا كارثيًا.

اقرأ أيضًا| بعد أشهر من التعثر.. أوكرانيا تخترق خط دفاع روسيًّا رئيسًا

قدرة على التكيف

لا يزال الجيش الروسي يمتلك القدرة على التعلم والتكيف. وبرغم أن هذه العملية بطيئة، ومكلفة، ومرهقة، فإنها تحدث وتُظهر نتائج. وضرب المحللان مثالًا بإحياء روسيا لقدرات الحرب الإلكترونية، التي استخدمتها ضد الدفاعات الجوية الأوكرانية في أول يومين من الحرب، لكنها اختفت بعد ذلك.

لكن عندما تحولت الحرب إلى دونباس في أواخر ربيع 2022، بدأت روسيا تكثيف استخدامها لمنظومات الحرب الإلكترونية. وهذه المنظومات، التي تعاني من بعض المشكلات، أثبتت قيمتها الكبيرة، وساعدت موسكو في إضعاف قدرات كييف في الاتصالات، والملاحة، وجمع الاستخبارات، وأسقطت الطائرات والمسيّرات الأوكرانية، وجعلت الذخيرة الأوكرانية دقيقة التوجيه تخطئ هدفها.

القيادة والسيطرة

المثال الثاني الذي ضربه المحللان هو إعادة بناء روسيا للبنية التحتية والعمليات الخاصة بالقيادة والسيطرة، التي دمرتها منظومات هيمارس الأمريكية وغيرها من الصواريخ الأوكرانية الدقيقة بعيدة المدى على مدار صيف 2022.

وفي تلك العملية، أجرت روسيا عددًا من التغييرات الشاملة البدائية نسبيًا لكن الناجحة، مثل إبعاد مقر القيادة عن نطاق الصواريخ أرض-جو الأوكرانية، ووضع مقرات القيادة الأمامية على مسافات أبعد تحت الأرض وخلف المواقع المحصنة بشدة، وتحصين تلك المواقع بالخرسانة.

تغيير النهج

منذ بداية الحرب وحتى الصيف الماضي، كان الجيش الروسي منظمًا في شكل مجموعات تكتيكية من الكتائب، وهي تشكيلات من المدفعية والدبابات والمشاة بهدف تحسين الاستعداد والتماسك. لكن هيكل القوة هذا كان كارثيًا في أوكرانيا، وفق المحللين، لأن معظم هذه المجموعات كان ينقصها العدد، والاستعداد لهجوم بري مطول.

إلا أنه في النصف الثاني من صيف 2022، عندما تحول الصراع إلى حرب استنزاف، أجبرت الخسائر المتصاعدة قادة الجيش الروسي على تغيير نهجهم، عبر مراجعة تكتيكات المشاة وتحويل المدفعية إلى ألوية متخصصة، وتعزيز قوتهم النارية، واستخدام المسيّرات لتنسيق ضربات المدفعية بفاعلية أكبر.

الخيارات تنفد من أوكرانيا.. شكوك في قدرة كييف على استعادة الأراضي

اقرأ أيضًا| هل تغير التكتيك العسكري في أوكرانيا؟.. خبير يوضح لـ«رؤية»

ميزتان رئيستان

قال المحللان إن هذه التعديلات سمحت للجيش الروسي باستغلال ميزتين يتمتع بهما على أوكرانيا، وهما القوة البشرية والقوة النارية. وأصبح التحول في تكتيكات المشاة ممكنًا بسبب وصول مجندين من داخل روسيا، ومن جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين، ومن السجناء الذين جندتهم فاجنر.

وجرى استخدام هؤلاء المجندين، الذين افتقروا للتدريب والتنظيم، كوقود للمدافع في موجات متعاقبة من الهجمات على المواقع الأوكرانية، ما أتاح لروسيا الدفاع عن مواقعها المحصنة والصمود في وجه الهجوم المضاد، وأجبر القوات الأوكرانية على كشف مواقعها وإنهاك ذخيرتها.

وأشار المحللان إلى أن القدرة على إغراق الأهداف بنيران المدفعية الثقيلة كان أحد أكبر نقاط القوة للجيش الروسي. ولأنهم كانوا يستهلكون الذخيرة بسرعة أكبر من قدرة المصانع على إنتاجها، اضطر الروس إلى استخدام الذخيرة بكفاءة أكبر، وتحسين حركة الأسلحة لتجنب تدميرها، وإيجاد طرق لاستهداف القوات الأوكرانية بفاعلية أكبر.

مشكلة هيكلية

على الرغم من التغييرات والتحسينات الملحوظة، على مدار العام الماضي، لا تزال توجد مجالات كثيرة يقدم فيها الجيش الروسي أداءً سيئًا أو يفشل كليًا. وحتى الآن، لا تستطيع القوات الروسية دمج القيادة والسيطرة أفقيًّا، ولا نقل قرارات القادة ومشاركة المعلومات عبر الوحدات المختلفة في الزمن الحقيقي.

ورأى المحللان أن هذه مشكلة هيكلية عميقة من المستبعد حلها، دون إصلاح منهجي لجيش روسيا، وربما نظامها السياسي.

عقبات أمام كييف

إلى جانب تعلم روسيا من الصراع، أضاف المحللان أن الوتيرة البطيئة للهجوم الأوكراني المضاد تعكس أيضًا الصعوبات المتأصلة في تنفيذ عمليات عسكرية هجومية مشتركة واسعة النطاق ضد عدو محصن، وكذلك التأخير في توصيل الأسلحة والعتاد المناسبين للقوات على الأرض.

ورغم أن التعديلات التي أجراها الجيش الروسي تعوق التقدم الأوكراني، فإنها لا تعني أن هجوم أوكرانيا المضاد يفشل، أو أن روسيا ستربح. إنما تعني، وفق المحللين، أن كييف تحتاج إلى الصبر من شركائها، وأن الغرب يحتاج إلى إعادة تقييم توقعاته لتتماشى مع الواقع.

وفي المدى القريب، يجب أن تواصل دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) نقل الأسلحة والقدرات الأخرى إلى أوكرانيا، وستحتاج كذلك إلى منح كييف الدعم السياسي والعسكري على المدى الطويل، لأن كل ما تحتاج إليه الآن هو الوقت.

اقرأ أيضًا| نفاد الخيارات.. شكوك في قدرة أوكرانيا على استعادة الأراضي

ربما يعجبك أيضا