هل تنجح الدبلوماسية الأمريكية في تحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط؟

هل تشتعل الحرب بين إسرائيل وإيران مُجددًا أم ستخمدها واشنطن؟

شروق صبري

يقع على عاتق واشنطن الآن صياغة استراتيجية دبلوماسية لتهدئة القوى التصعيدية التي عجلت بحدوث مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل في أبريل، فهل ستمنع الحرب؟


لقد أصبح التنافس المُتصاعد بين إيران وإسرائيل قريبًا من إعادة تشكيل الأمن الإقليمي ودفع سياسات الشرق الأوسط للتغيير.. فما السبب؟.

ينظر كل طرف إلى الآخر باعتباره العدو اللدود الذي يجب عليه هزيمته بالوسائل العسكرية، وإذا تركت المنافسة الخطيرة بينهما دون رادع ستؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، وقد تؤدي في النهاية إلى صراع يجر الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب مُكلفة.

حرب الظل

أدى وابل الهجمات المُضادة بين إيران وإسرائيل في الأسبوعين الأولين من شهر أبريل 2024 إلى تغيير المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط بشكل جذري، ففي الأول من أبريل، أدت غارة جوية إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق إلى مقتل 7 من قادة الحرس الثوري الإسلامي، من بينهم جنرالان.

وبعد أسبوعين، ردت إيران بوابل من الطائرات بدون طيار والصواريخ، والتي تم اعتراضها كلها تقريبًا، وردت إسرائيل بسرعة بهجوم بطائرات بدون طيار وصواريخ على قاعدة جوية في إيران، وقد أدى هذا التبادل إلى ظهور حرب الظل التي يخوضها البلدان منذ أكثر من عقد من الزمن إلى العلن.

الصبر الاستراتيجي

وفق ما نشرته “مجلة فورين أفيرز”، الثلاثاء 14 مايو 2024، فإنه عندما هاجمت إسرائيل القنصلية الإيرانية، غيّرت طهران استراتيجيتها، وفسرت هذه الخطوة على أنها استفزاز كبير يتطلب ردًا مباشرًا.

ولم يجد قادة إيران سببًا كافيًا لافتراض أن إسرائيل لن تلجأ إلى المزيد من التصعيد، ليس فقط في سوريا، بل وأيضًا في لبنان وحتى في إيران، إذا فشلوا في استعادة الردع، ومع ذلك، كان حجم رد الفعل الإيراني مفاجئًا ومثيرًا للقلق.

وقد أعلنت طهران عن نواياها، وأبلغت الولايات المتحدة بردها المُخطط له من خلال وسطاء أوروبيين وعرب، ومن خلال إطلاق مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل، أوضحت إيران أنها لن تمارس الصبر الاستراتيجي بعد الآن، ومن الآن فصاعدًا سترد عندما تتعرض للهجوم.

شبح حرب أكبر

تصدت إسرائيل لمعظم الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية بمساعدة الأردن والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ومن المرجح أن طهران توقعت مثل هذه النتيجة، ولم تكن نيتها إثارة الحرب، بل فقط إظهار استعدادها لمهاجمة إسرائيل.

ومع ذلك، ردت إسرائيل بشن هجوم صاروخي على قاعدة جوية عسكرية رئيسة في وسط إيران، ويبدو أن تلك الضربة أنهت هذه الجولة من الهجمات المتبادلة، لكنها أكدت أيضًا أن القواعد التي أرشدت حرب الظل بين إيران وإسرائيل لسنوات لم تعد قابلة للتطبيق. والآن، فإن أي هجوم من أي من الجانبين سوف يستدعي ردًا مباشرًا من الجانب الآخر، مما يثير شبح حرب أكبر.

إيران وإسرائيل

إيران وإسرائيل

تجنب التصعيد

تريد واشنطن وحلفاؤها تجنب مثل هذا التصعيد، وطهران تعرف ذلك، فبمجرد الهجوم على القنصلية في دمشق، تحركت الولايات المتحدة وشركاؤها في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط بسرعة لمنع الأزمة من التصاعد إلى حرب.

وأكدت الولايات المتحدة لإيران أنها لا تعلم بخطط إسرائيل للضربة مقدمًا، ثم أشارت إلى مخاوفها بشأن مخاطر حرب أكبر، وتحدث دبلوماسيون عرب وأوروبيون، يحملون رسائل من واشنطن، إلى المسؤولين الإيرانيين مباشرة.

وحثوا طهران على عدم الرد على الإطلاق، لكنهم أكدوا أيضًا أنه إذا حدث رد، فيجب قياسه بنطاق محدود ومجموعة محدودة من الأهداف، حتى لا يؤدي إلى مزيد من التصعيد، وبعد الرد الإيراني أعادت واشنطن وحلفاؤها توجيه جهودهم، متكئة هذه المرة على إسرائيل للتخفيف من ردها.

جر الولايات المتحدة للحرب

نجحت الطفرة الدبلوماسية في احتواء الأزمة، كما أوضحت أن الأولوية القصوى لواشنطن هي منع الحرب في غزة من إشعال حريق إقليمي وجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى مُكلفة في الشرق الأوسط، والحقيقة التي تعمل لصالح واشنطن هي أن إيران وإسرائيل لا تحرصان على الصراع المباشر، رغم استعراضهما الأخير للقوة.

تدرك إيران أن إسرائيل دولة نووية تتمتع بقدرات تقليدية متفوقة، وأن الحرب معها ستعني في نهاية المطاف الصدام مع الولايات المتحدة، ومن جانبها تدرك إسرائيل أن صراعًا أكبر مع إيران من شأنه أن يجبر حزب الله على إطلاق المزيد من الصواريخ على المدن والمنشآت العسكرية الإسرائيلية.

إيران وإسرائيل

إيران وإسرائيل

هدنة هشة

مع ذلك، إذا أُريد للهدنة الهشة بين إيران وإسرائيل أن تصمد، يجب على واشنطن أن تظل مُنخرطة بعمق، ويتعيّن عليها أن تعمل بشكل وثيق مع إسرائيل لمعالجة المخاوف الأمنية للبلاد، ويتعيّن عليها أن تبني على التقدم الدبلوماسي الذي أحرزته مع إيران في الأسابيع الأخيرة.

إن إيران وإسرائيل ليستا مستعدتين للقتال الآن، ولكن إذا استمرت كل منهما في النظر إلى الأخرى باعتبارها تهديدًا مميتًا لا يمكن مواجهته إلا عسكريًا، فإن الصراع المستقبلي يصبح أمرًا مؤكدًا، وقد يؤدي التوغل الإسرائيلي في رفح إلى التعجيل بمواجهة أخرى إذا شعرت إيران وحلفاؤها بأنهم مجبرون على التحرك مع تفاقم الأزمة الإنسانية هناك أو لمنع إبادة حماس.

ربما يعجبك أيضا