جنوب آسيا.. كيف تحولت أحلام الوحدة إلى كابوس الانقسام؟

جنوب آسيا على حافة الهاوية: انهيار حلم الوحدة الإقليمية

شروق صبري
جنود شبه عسكريون هنود يقومون بدوريات على الحدود مع باكستان

على مدار العقود الأربعة الماضية، فشلت جنوب آسيا في تحقيق التماسك الأمني والاقتصادي والسياسي المنشود. العداء المتبادل، خاصة بين الهند وباكستان، جعل من التكامل الإقليمي حلماً بعيد المنال.


مع مرور الوقت، تضاءل الشعور بالانتماء إلى جنوب آسيا، ولم يعد السكان يبحثون عن التضامن فيما بينهم بل باتوا يتطلعون إلى مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا أو الغرب.

في العقود الأربعة الأخيرة، فشلت جنوب آسيا في تحقيق تكامل أمني أو اقتصادي. الانقسامات العميقة، خاصة بين الهند وباكستان، أضعفت الروابط الإقليمية. تزايد النفوذ الصيني وتراجع التعاون الداخلي جعل مفهوم “جنوب آسيا” مجرد مصطلح جغرافي بلا هوية إقليمية حقيقية. انهيار هذا الحلم يحمل تداعيات جيوسياسية هامة.

أصل مصطلح “جنوب آسيا”

مصطلح “جنوب آسيا” نشأ في الأوساط الأكاديمية والسياسية في الغرب خلال أواخر الخمسينيات، بعد استقلال دول شبه القارة الهندية من الحكم البريطاني في عام 1947.

خلال الحرب الباردة، استخدمت الولايات المتحدة المصطلح للحديث عن المنطقة دون التأكيد على هيمنة الهند. تبعت الجامعات في الغرب هذا النهج، وبدأ الأكاديميون في استخدام “جنوب آسيا” كمصطلح محايد لوصف الهند وجيرانها.

في أواخر السبعينيات، اقترح الجنرال ضياء الرحمن من بنجلاديش إنشاء منظمة إقليمية. وجدت الفكرة تعبيرها الرسمي في عام 1985 بإنشاء رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك). وضمت بنجلاديش وبوتان والهند والمالديف ونيبال وباكستان وسريلانكا. هدفت سارك إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء وخلق مناخ أفضل للفهم المتبادل.

تراجع دور سارك

بعد فترة من النشاط، أصبحت سارك قريبة بشكل خطير من الفناء. من بين 18 قمة لسارك، عقدت ست منها فقط بين عامي 2005 و2014، ولم تعقد أي قمة خلال العقد الأخير.

رغم الإنجازات الطموحة في إنشاء منطقة التجارة الحرة لجنوب آسيا، توقفت التقدمات منذ عام 2014 بسبب الخلافات بين الدول الأعضاء.

تواجه جنوب آسيا مشكلة عدم التوازن، حيث تهيمن الهند كأكبر وأقوى دولة في المنطقة. هذه الهيمنة تجعل من الصعب على الدول الأخرى بناء هياكل إقليمية فعالة. بالإضافة إلى أن التوترات بين الهند وباكستان، وزيادة النفوذ الصيني في المنطقة، زادت من تعقيد الأمور وعرقلت جهود التكامل الإقليمي.

الصراع بين الهند وباكستان

الصراع بين الهند وباكستان

انخفاض التبادل الثقافي والاقتصادي

التبادل الثقافي داخل المنطقة في تراجع مستمر. في عام 2019، حظرت باكستان المحتوى الهندي على القنوات التلفزيونية المحلية ومحطات الإذاعة، وملأت البرامج التلفزيونية التركية الفراغ الناتج. كما انخفضت الهجرة داخل المنطقة بشكل ملحوظ، والطلاب من جنوب آسيا يفضلون الدراسة في الصين بدلاً من الهند.

التجارة داخل المنطقة ضئيلة، حيث تسهم بنسبة 5% فقط من إجمالي التجارة في المنطقة. في المقابل، تمثل التجارة بين دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) 25% من إجمالي التجارة في المنطقة. كما ازداد حجم التجارة الصينية مع جنوب آسيا، مما يتفوق على حجم التجارة بين الهند وجيرانها.

تأثير الصين على المنطقة

أصبحت جنوب آسيا ساحة للتنافس الجيوسياسي، ما يجعل التكامل الإقليمي أقل احتمالاً ويهدد بتفكيك الروابط القائمة. في العقود الأخيرة، زادت الصين من نفوذها بين جيران الهند، حيث أصبحت الصين أكبر دائن ثنائي لسريلانكا، وزودتها بالقروض لبناء البنية التحتية. وفي بنجلاديش، تستخدم الصين القروض والمساعدات التنموية لتعزيز نفوذها.

كما تواجه الصين تنافسًا مع الولايات المتحدة في المنطقة. وتتلاشى فكرة جنوب آسيا ككيان موحد، مع زيادة التنافس الجيوسياسي في المنطقة. في حين تراجع دور الهند كقوة إقليمية، زادت الصين من تأثيرها بين جيران الهند. قد يكون الوقت قد فات على الهند لتعيد التأكيد على نفسها كمحور إقليمي، بينما تستمر الصين في احتضان جنوب آسيا.

ربما يعجبك أيضا