صراع العمالقة.. الصين وأمريكا في مواجهة مُتعددة الجبهات

التوتر المُتصاعد.. القطاعات الرئيسة في الصراع الصيني الأمريكي

أحمد الحفيظ

في السنوات الأخيرة، تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ليصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث انخرطت القوتان العظميان في صراع استراتيجي يشمل العديد من القطاعات الحيوية.

هذا الصراع يتجاوز حدود النزاع التجاري التقليدي، ليمتد إلى التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة وحتى الثقافة، الأمر الذي يلقي بظلاله على مستقبل العالم أجمع.

التكنولوجيا

يُعد قطاع التكنولوجيا من أبرز ميادين الصراع بين الصين والولايات المتحدة، والشركتان العملاقتان “هواوي” الصينية و”أبل” الأمريكية تمثلان رمزًا للتنافس التقني.

واشنطن اتهمت هواوي بالتجسس لصالح الحكومة الصينية، وهو ما أدى إلى فرض حظر على منتجات الشركة في الولايات المتحدة والضغط على حلفائها للقيام بالمثل، من جهتها، تسعى الصين إلى تعزيز استقلالها التقني من خلال تطوير تقنيات الاتصالات الخاصة بها، بما في ذلك شبكات الجيل الخامس (5G)، مما يزيد من التوتر بين البلدين.

الاقتصاد والتجارة

الصراع التجاري بين الصين والولايات المتحدة بدأ في التفاقم مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عندما فرضت واشنطن تعريفات جمركية على سلع صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات، وردت الصين بتعريفات مضادة.

هذا النزاع لم يكن مجرد نزاع تجاري بسيط، بل كان يعكس مخاوف أمريكية من توسع النفوذ الاقتصادي الصيني وتأثيره على النظام الاقتصادي العالمي، إذ تسعى الصين إلى تعزيز دورها في الاقتصاد العالمي من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، بينما تحاول الولايات المتحدة إعاقة هذه الجهود عبر تحالفاتها الاقتصادية.

الذكاء الاصطناعي والابتكار

تعد الصين والولايات المتحدة من أكبر الدول المستثمرة في مجال الذكاء الاصطناعي، ويمثل هذا القطاع جزءًا من الصراع الاستراتيجي الأوسع، حيث تدرك واشنطن أن الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي تعني التفوق في العديد من المجالات الأخرى، مثل الدفاع والأمن والاقتصاد.

وتسعى الولايات المتحدة إلى فرض قيود على تصدير التكنولوجيا الحساسة إلى الصين، في محاولة لمنع الأخيرة من الوصول إلى تقنيات متقدمة يمكن استخدامها في تطوير قدراتها العسكرية والاقتصادية.

الفضاء

أصبح الفضاء ميدانًا آخر للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث تتسابق كل من الدولتين لتحقيق إنجازات فضائية كبيرة.

وأنجزت الصين عدة مهمات فضائية ناجحة، بما في ذلك إنشاء محطة فضائية خاصة بها وإرسال رواد فضاء إلى القمر، من جهة أخرى، تستمر الولايات لمتحدة في تعزيز برامجها الفضائية من خلال “ناسا” وشركات خاصة مثل “سبيس إكس”.

هذا التنافس يسلط الضوء على الطموحات الكبيرة لكلا البلدين في السيطرة على الفضاء كجبهة جديدة للصراع الاستراتيجي.

التأثير السياسي والثقافي

الصراع بين الصين وأمريكا يمتد أيضًا إلى المجالات السياسية والثقافية، فقد سعت الصين إلى تعزيز نفوذها العالمي من خلال “قوة ناعمة” تعتمد على الثقافة والإعلام، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى الحد من هذا التأثير من خلال اتهام الصين بانتهاكات حقوق الإنسان ومحاولة عزلها دبلوماسيًا.

كما تشهد المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية تصادمًا بين القوتين بشأن قضايا متعددة تتعلق بالتجارة وحقوق الإنسان والأمن الدولي.

الطاقة

يشهد قطاع الطاقة صراعًا ملحوظًا بين الصين وأمريكا، حيث تحاول كل منهما تأمين احتياجاتها من الطاقة وتعزيز نفوذها في أسواق الطاقة العالمية. الصين تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم، وتسعى إلى تنويع مصادرها من خلال استثمارات ضخمة في مناطق مثل إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.

من جانبها، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على مكانتها كمصدر رئيس للطاقة، من خلال تطوير تقنيات الطاقة المتجددة وزيادة إنتاج النفط والغاز الصخري.

الأمن السيبراني

الأمن السيبراني أصبح ساحة معركة رئيسة بين الصين والولايات المتحدة، حيث تتبادل الدولتان الاتهامات بشأن عمليات التجسس السيبراني، وتتهم واشنطن بكين بشن هجمات تستهدف الشركات والمؤسسات الحكومية الأمريكية بهدف سرقة التكنولوجيا والمعلومات الحساسة.

في المقابل، تتهم الصين الولايات المتحدة بالتجسس الإلكتروني ومحاولة إعاقة تطورها التكنولوجي، وهذا الصراع يعكس التوترات العميقة بين البلدين ويزيد من عدم الثقة المتبادلة.

الدفاع والعسكرة

الصراع العسكري بين الصين والولايات المتحدة يتخذ أشكالًا متعددة، خاصة في منطقة المحيط الهادئ، الصين تسعى إلى تعزيز قوتها العسكرية من خلال بناء أسطول بحري قوي وتطوير صواريخ باليستية متقدمة، مما يثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

من جهة أخرى، تعزز الولايات المتحدة وجودها العسكري في المحيط الهادئ من خلال تحالفات مثل “كواد” (الولايات المتحدة، اليابان، الهند، أستراليا) وزيادة دعمها لتايوان، الأمر الذي يشير إلى تزايد احتمالات التصادم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

الصحة العالمية

الصراع بين الصين والولايات المتحدة وصل إلى قطاع الصحة، خاصة بعد جائحة كوفيد-19.

اتهمت الولايات المتحدة الصين بالتستر على حجم تفشي الفيروس في بداية الجائحة، مما أدى إلى انتشار عالمي كارثي.

من جانبها، استغلت الصين الفرصة لتعزيز دورها في الصحة العالمية من خلال توزيع اللقاحات على الدول النامية، مما أثار مخاوف الولايات المتحدة من توسع النفوذ الصيني في هذه المناطق.

ربما يعجبك أيضا