«تحولات مفهوم الانتصار».. كيف تغيرت معايير النصر في الحروب؟

«مفهوم النصر والهزيمة عبر العصور».. من المعايير التقليدية إلى النظرة النسبية

شروق صبري
مفهوم الحرب

أصبح مفهوم الانتصار في الحروب الحديثة مرناً، يعتمد على الأهداف السياسية والاقتصادية، ويتأثر بوسائل الإعلام والتعقيدات الجغرافية.


لطالما كان الانتصار في الحروب عبر التاريخ مفهومًا محددًا وواضحًا يتجلى في تحقيق أهداف معينة مثل توقيع اتفاق استسلام، السيطرة على أراضي العدو، أو حتى الانسحاب العسكري بعد تحقيق الأهداف المنشودة.

ومع ذلك، شهد العالم تحولات جذرية في مفهوم الانتصار منذ نهاية الحرب الباردة، حيث أصبحت فكرة الانتصار في الحروب نسبية، وغير محددة المعالم كما كانت سابقًا.

مفهوم الانتصار والهزيمة عبر التاريخ

تناول الدكتور أحمد الباز، محلل شؤون الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، في تحليل بالعدد 37 من مجلة “اتجاهات الأحداث”، صيف 2024، الصادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات بأبوظبي، مسألة إعادة التفكير في تعريف الانتصار العسكري بين أوكرانيا وغزة، ففي الأزمنة الماضية، كان النصر أو الهزيمة في الحرب يُقاس بمعايير واضحة ومتفق عليها من جميع الأطراف.

وكان يتطلب النصر تحقيق شروط قاطعة مثل هزيمة العدو عسكريًا، أو احتلال عاصمته، أو إجباره على توقيع معاهدة استسلام، وعلى النقيض من ذلك، كانت الهزيمة تعني الفشل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية، وفقدان القوات والمعدات، وربما حتى الاستسلام للعدو، هذه المعايير كانت تُعتبر حتمية ولا تقبل النقاش.

تغير نظرة المجتمعات للانتصار

وأضاف الدكتور أحمد الباز أنه مع تغير الزمن، تغيرت أيضًا نظرة المجتمعات لمفهوم الانتصار والهزيمة في الحروب، في الوقت الحالي، يمكن أن يدعي أي طرف في النزاع النصر حتى إذا لم تتحقق الشروط التقليدية لذلك، هذا التحول جعل من مفهوم الانتصار والهزيمة مفهومًا مرناً ونسبيًا يعتمد على التقدير الذاتي لكل طرف من أطراف النزاع.

وأشار الباز إلى أن مفهوم النصر والهزيمة أصبح مسألة نسبية تتفاوت وفقًا للوجهات العاطفية والأمل في فوز طرف على الآخر. يتجسد هذا الأمل في استعادة الأراضي، السيطرة على الموارد، تحقيق الأمن، الانتقام، أو حماية الدولة من التأثيرات السياسية والأيديولوجية المتعارضة.

وتُعزز هذه الرؤى من خلال التغطية الإعلامية التي تقدمها الأطراف المتنازعة، مما يُبقي الجمهور على اطلاع دائم بأحداث الحرب. غالبًا ما تروج هذه التغطية لوجهة نظر تفيد بتحقيق النصر حتى وإن لم تُحسم الحرب بعد، رغم أن النتائج الفعلية على الأرض قد تكون مغايرة تمامًا لما يُروّج له إعلاميًا.

حرب أوكرانيا

حرب أوكرانيا

دور الإعلام في تصورات الانتصار

وتطرق محلل شؤون الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي إلى دور الإعلام في العصر الحديث، مشيرًا إلى أن الإعلام أصبح يلعب دوراً حيوياً في تشكيل تصورات الانتصار والهزيمة في الحروب. مع توفر التغطية الإعلامية على مدار الساعة، أصبح الجمهور أكثر تأثراً بالرسائل الإعلامية، والتي قد تعكس أحياناً صورة مغايرة للواقع الميداني.

ولفت إلى أن هذه التغطية الإعلامية يمكن أن تضخم انتصارات صغيرة وتصورها على أنها نجاحات كبيرة، أو تقلل من أهمية الهزائم. وبالتالي، أصبحت وسائل الإعلام أداة رئيسية في تشكيل الرأي العام حول نتائج الحروب.

التحديات المعاصرة أمام الانتصار

وفي ما يتعلق بالحروب الحديثة، أشار الباز إلى أن الهدف الرئيسي لم يعد القضاء على العدو بشكل حاسم أو تحقيق انتصار نهائي. بدلاً من ذلك، أصبحت الحروب تهدف إلى تحقيق أهداف أكثر محدودية، مثل إضعاف العدو أو الحفاظ على الوضع الراهن. وهناك عدة عوامل تساهم في هذا التحول:

1. الخوف من توسع النزاعات: في العديد من الصراعات الحديثة، تتجنب القوى الكبرى تحقيق نصر حاسم خوفاً من تصعيد النزاع إلى مستوى أكبر. مثال على ذلك هو الصراع الروسي-الأوكراني، حيث تتجنب الولايات المتحدة وأوروبا التدخل المباشر لتحقيق نصر حاسم، مخافة أن يؤدي ذلك إلى مواجهة أوسع نطاقاً مع روسيا.

2. تعقيد الحروب في الجبهات المتعددة: في مناطق مثل الشرق الأوسط، أصبحت الحروب متداخلة ومعقدة للغاية، حيث تتداخل النزاعات في عدة جبهات. هذا التعقيد يجعل من الصعب تحقيق نصر حاسم في جبهة واحدة دون التأثير على النزاعات الأخرى. مثال على ذلك هو الحرب في غزة، والتي تتداخل مع نزاعات أخرى في المنطقة مثل الصراع في لبنان واليمن.

3. قيود الموارد العسكرية: منذ نهاية الحرب الباردة، خفضت العديد من الدول الغربية ميزانياتها العسكرية، معتقدة أن فترة السلام ستمتد. ومع ذلك، كشفت الصراعات الحديثة مثل الحرب في أوكرانيا أن هذه الدول غير مستعدة لمواجهة حروب تقليدية. النقص في الموارد العسكرية يجعل من الصعب تحقيق نصر حاسم ويجبر الدول على إدارة النزاعات بطرق أكثر حذراً.

التأثيرات على نتائج الحروب:

وتطرق الدكتور أحمد الباز إلى إن التحولات في مفهوم الانتصار لا تنبع فقط من تغير طبيعة الحروب، بل أيضاً من التأثيرات الاقتصادية والسياسية التي تصاحبها.

في كثير من الأحيان، يمكن أن يؤدي الضغط الاقتصادي أو السياسي إلى إنهاء النزاع دون تحقيق نصر عسكري حاسم. هذه الضغوط قد تجبر الأطراف المتحاربة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، حيث يكون الانتصار هو التوصل إلى اتفاق يُرضي جميع الأطراف.

مفهوم الانتصار في الحروب

وخلص الباحث إلى تغير مفهوم الانتصار في الحروب الحديثة بشكل كبير، حيث أصبح أكثر تعقيداً وارتباطاً بالظروف السياسية والاقتصادية. لم يعد النصر يعني بالضرورة تدمير العدو أو احتلال أراضيه، بل أصبح يركز على تحقيق أهداف استراتيجية محددة، وإدارة النزاعات بطريقة تحافظ على الاستقرار العالمي.

هذه التحولات تعكس التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة، وتضع تحديات جديدة أمام الدول في سعيها لتحقيق أهدافها في ساحات الحروب المعاصرة.

ربما يعجبك أيضا