الشرق الأوسط على حافة الهاوية.. انهيار فكرة حل الدولتين

هل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين بات حلماً مستحيلاً؟

شروق صبري
الحرب في غزة

الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتفاقم، وحل الدولتين يبتعد أكثر، وسط تصاعد العنف وانهيار الثقة بين الجانبين.


منذ عقود، يتطلع المجتمع الدولي إلى حل الدولتين كأفضل وسيلة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي أرهق المنطقة وأدى إلى معاناة إنسانية هائلة.

لكن الحل، الذي كان يُنظر إليه على أنه حتمي في يوم من الأيام، يبدو الآن بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى، حيث تراجعت الثقة بين الجانبين ووصلت إلى أدنى مستوياتها.

التغير في المواقف الشعبية

أشارت صحيفة “جيروزاليم بوست” الأمريكية، أمس 18 أغسطس 2024، إلى أنه في الماضي كانت فكرة حل الدولتين تحظى بتأييد واسع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكانت الاستطلاعات تُظهر باستمرار الأغلبية من كلا الجانبين تدعم هذه الفكرة، حيث يرون فيها وسيلة لتحقيق السلام والاستقرار، ولكن الأمور تغيرت بشكل دراماتيكي في العقدين الأخيرين.

في استطلاع حديث أجراه المركز الفلسطيني للسياسات العامة في يونيو 2024 أظهر أن 32% فقط من الفلسطينيين ما زالوا يؤيدون حل الدولتين، في المقابل، أظهر استطلاع مؤسسة بيو للأبحاث في مايو 2024، أن 19% فقط من اليهود الإسرائيليين يؤيدون هذا الحل.

هذا الانخفاض الكبير في التأييد يعكس شعورًا عامًا بأن حل الدولتين لم يعد حلاً واقعيًا للصراع، بل أصبح فكرة نظرية بعيدة عن الواقع.

تأثير التوترات الأخيرة

الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 كان له تأثير عميق على الوضع الحالي، فقد أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص جنوب إسرائيل، وأدى إلى رد فعل عنيف من الجيش الإسرائيلي، مما أسفر عن مقتل نحو 40 ألف شخص في غزة وفقًا للسلطات الفلسطينية، هذه الأحداث أدت إلى تعميق الفجوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وزادت من عدم الثقة المتبادل.

قال رئيس المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، خليل الشقاقي، إن الأحداث الأخيرة جعلت الطرفين يشعران بأن الطرف الآخر لا يهتم بحياتهم، مؤكدًا أن “الإسرائيليين والفلسطينيين لا يعتقدون في الوقت الحالي أن الطرف الآخر هم بشر”، هذه المشاعر تؤكد أن الثقة بين الجانبين تآكلت إلى درجة غير مسبوقة، مما يجعل من الصعب تصور عودة الجانبين إلى طاولة المفاوضات في المستقبل القريب.

الخوف من المستقبل

الإسرائيليون يرون في هجوم 7 أكتوبر تأكيدًا لمخاوفهم القديمة من أن الدولة الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة قد تصبح معقلاً “للإرهاب والتطرف”، هذا الخوف يعزز موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أكد يناير 2024 أن إسرائيل تحتاج إلى سيطرة أمنية كاملة على الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن، هذا الموقف يعكس رفضًا ضمنيًا لفكرة السيادة الفلسطينية، مما يزيد من تعقيد الوضع.

فلسطينيون يركضون للاحتماء من النيران الإسرائيلية خلال اشتباكات في مخيم النصيرات للاجئين في قطاع غزة عام 2004

من ناحية أخرى، يرى الفلسطينيون أن التوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة، والتحول الواضح نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية، يقضيان على أي فرصة لتحقيق حل الدولتين. في مناطق مثل مخيم جنين، يشعر الفلسطينيون بأنهم محاصرون تحت الاحتلال الإسرائيلي المستمر، ويعتبرون الكفاح المسلح الوسيلة الوحيدة لتحرير أنفسهم.

تفاقم عدم الثقة

اتفاقيات أوسلو، التي أُبرمت في التسعينيات واعتُبرت في ذلك الوقت خطوة كبيرة نحو السلام، أصبحت الآن ذكرى بعيدة لا تحمل سوى خيبة الأمل لكثير من الفلسطينيين والإسرائيليين. الاتفاقيات كانت تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، وكان من المتوقع أن تؤدي إلى إقامة سلام دائم بين الجانبين، ولكن بدلاً من ذلك، زادت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة خلال سنوات أوسلو، مما أدى إلى تآكل الثقة بين الجانبين.

الفلسطينيون الذين كانوا يأملون في أن تقود أوسلو إلى دولة مستقلة يشعرون الآن بالخيانة، حيث يرون أن الوعود التي قُدمت لهم لم تتحقق. من جانبهم، يرى الإسرائيليون في السلطة الفلسطينية شريكًا غير موثوق به، غير قادر على وقف الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل.

فرص السلام المهدرة

على مدار السنوات، كانت هناك محاولات عديدة لتحقيق السلام، ولكنها فشلت جميعها في النهاية. في عام 2000، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك الوصول إلى اتفاق نهائي مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات خلال قمة كامب ديفيد، ولكن الخلافات حول القضايا الرئيسية مثل الحدود والأمن واللاجئين والقدس حالت دون تحقيق الاتفاق.

غزة

غزة

فشل المفاوضات أدى إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثانية، وهو ما أدى إلى تعميق الهوة بين الجانبين. وفي عام 2005، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الانسحاب من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب، ولكن بدلاً من تحقيق السلام، أدى هذا الانسحاب إلى تصاعد نفوذ حركة حماس وزيادة العنف.

آمال حل الدولتين

مع تزايد التوترات والاشتباكات، يبدو أن السلام في الشرق الأوسط أصبح أكثر بعدًا من أي وقت مضى. الدعم الدولي لحل الدولتين لا يزال قويًا، ولكن على الأرض، يظل الجانبان بعيدين عن أي اتفاق. الفلسطينيون يطالبون بحقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة، بينما يخشى الإسرائيليون من تهديدات أمنية محتملة.

الأمل في التوصل إلى اتفاق سلام دائم يتضاءل مع مرور الوقت. عدم الثقة المتبادل، والعمليات العسكرية المستمرة، والتوسع الاستيطاني، كل هذه العوامل تجعل من الصعب تصور حل سريع أو دائم للصراع الذي يدفع المنطقة نحو مزيد من العنف وعدم الاستقرار.

وبينما يواصل المجتمع الدولي دعمه لحل الدولتين، يبدو أن القادة على الأرض يركزون أكثر على إدارة الصراع بدلاً من حله. مستقبل السلام في الشرق الأوسط يظل غامضًا، ومع تزايد التوترات، يتساءل الكثيرون عما إذا كان الحل الدائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيظل مجرد حلم بعيد المنال.

ربما يعجبك أيضا