عام على 7 أكتوبر.. إعادة رسم قواعد الاشتباك بالمنطقة

محمد النحاس

 مرّ عام إذن، ولم يكن من المتوقع، حتى وسط أكثر المحللين تشاؤمًا أن تستمر الحرب لما بعد 2023، غير أن عام 2024 قد جاء ولا زالت الحرب مستمرة.. فكيف غيرت تلك الحرب قواعد الاشتباك في المنطقة؟ 


في 7 أكتوبر 2023، استيقظ العالم على وقع أنباء قادمة من إسرائيل، تفيد بأن مجموعة من مقاتلي حماس عبر السياج الحدودي، وهاجموا مستوطنات غلاف قطاع غزة بعد أن أطلقت الحركة آلاف الصواريخ تجاه إسرائيل. 

بعد ساعات اتضح حجم الهجوم، والذي مثّل ضربة غير مسبوقة لإسرائيل، خلفت مئات القتلى، وآلاف الجرحي، كما أدت لأسر ما يتجاوز 200 شخص عاد بهم مقاتلو القسام، الجناح العسكري لحركة حماس إلى القطاع، لتعلن إسرائيل حربها على قطاع غزة وتشن عدوانًا غير مسبوقًا أسقط عشرات الآلاف من القتلى ودمر القطاع بشكل شبه كامل.

هجوم غير مسبوق 

 هجمات 7 أكتوبر، كانت كان حدثًا صادمًا وغير متوقعًا بكل معنى الكلمة، وفق مراقبين، فلم يكن الهجوم مسبوقًا في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ورأت إسرائيل الهجوم “تهديد وجودي” لذا تصرفت على نحوٍ غير متوقع لتحاول إعادة رسم المشهد من جديد في المنطقة، وتداوي آثار الضربة المدويّة التي تعرضت لها في 7 أكتوبر.

 مرّ عام إذن، ولم يكن من المتوقع، حتى وسط أكثر المحللين تشاؤمًا أن تستمر الحرب لما بعد 2023، غير أن عام 2024 قد جاء ولا زالت الحرب مستمرة.. فكيف غيرت تلك الحرب قواعد الاشتباك في المنطقة؟ 

في تصريحات خاصة لشبكة رؤية الإخبارية، أوضح خبير الشؤون الإيرانية، يوسف سيد، أن هذه الحرب مهمة للغاية لقوى المنطقة كافة، لا سيما التي لديها صراع قديم أو على خط التماس مع إسرائيل، فقد وظفت إسرائيل التكنولوجيا والإسناد الاستخباراتي بشكل يتماشى مع الحرب الحديثة، وهو ما يدفع قوى المنطقة، بما فيها إيران، إلى مراجعة أدوات الردع.

حروب المستقبل وقوى المنطقة

أما بالنسبة لتأثير ذلك على قوى المنطقة، لفت خبير الشؤون الإيرانية أن “هذه المسألة مرعبة لقوى المنطقة التي تبحث عن الاستقرار” مشددًا على أن “المنطقة لا تحتاج إلى تحالفات أمنية، إنما ضمانات أمنية تؤمن السلام والاستقرار لأطول فترة ممكنة”.

وفيما يتعلق بمستقبل الحروب في المنطقة، رأى أحمد عادل عبد العال وهو باحث بارز في الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، ومقرها القاهرة، أن وتيرة الحروب غير المتماثلة (بين جيش نظامي وقوة غير نظامية) سوف تتراجع، بحكم تراجع القدرات العسكرية للميليشيات في المنطقة.

ولا يعني ذلك بالضرورة أن الشرق الأوسط سيصبح أكثر استقرارًا، حيث يرى عبد العال أن “النمط التقليدي”  من الحروب سوف يبرز مجددًا، ما يعني صراعات بين  جيوش دول بشكل مباشر وليس بين قوات نظامية وميليشيا، وقد يكون ذلك بين إيران وإسرائيل.

حزب الله وإسرائيل

بالعودة إلى التصعيد في المنطقة بعد هجوم 7 أكتوبر، فلم تقف الحرب عند حدود قطاع غزة، وسرعان ما امتد التصعيد للضفة الغربية، وشمال إسرائيل، حيث انخرط حزب الله اللبناني في تصعيد منخفض الحدّة مع إسرائيل منذ 8 أكتوبر أي بعد يوم واحد من هجمات حماس. 

وبعد أن أضعفت إسرائيل قدرات حماس في قطاع غزة ورغم عدم تحقيق الأهداف الأساسية للحرب، شرعت في نقل الثقل العملياتي إلى جبهة الشمال فيما تحاول شن غزو بري بعد أن شنّت خلال شهر سبتمبر سلسلة من الاغتيالات غير المسبوقة طالت أبرز المسؤولين العسكريين وقادة الصف الأول، حتى قتلت في 27 سبتمبر الأمين العام للحزب حسن نصر الله رفقة عدد كبير من المسؤولين.

وبدأت سلسلة الضربات تلك بهجمات “البيجر” و” اللاسلكي” والتي حيدت بها إسرائيل مئات، إن لم يكن الآلاف من عناصر الحزب. 

اختلال توازن الردع

من جانبه، يرى الباحث أحمد عادل عبد العال أن إسرائيل  تستهدف تغيير نمط الصراع، فبعد إضعاف الخصم عسكريًا، تلجأ لمحاولة تحويل نمط العمليات من “عسكري إلى أمني”، مشيرًا إلى إسرائيل حققت ذلك إلى حد كبير في غزة وتسعى لإرساءه جنوب لبنان. 

في لبنان، كشفت الأحداث الأخيرة عن جملة من المتغيرات في الصراع، فإسرائيل استهدفت أعلى المسؤولين في حزب الله دون رد يرقى لمستوى الضربة الإسرائيلية، كما ضربت “الضاحية الجنوبية” عدة مرات دون أن يرد الحزب باستهداف تل أبيب، في كسر لقاعدة ضمنية بين الطرفين.

الجبهة اللبنانية، إذن تبدو مختلفة تمامًا عما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، فمن جهة يحاول حزب الله ربط هذه الجبهة بغزة، ويسعى للحفاظ على هذه المعادلة، لكن ذلك قد تكون تكلفته “وجودية” بالنسبة للحزب، كما أن المعطيات الحالية تشي باختلال “توزان الردع” لصالح إسرائيل.

قواعد جديدة

في غزة، تدخل الحرب عامها الثاني، وهذا جديد أيضًا حيث أن أقصى مدة استغرقتها 52 يومًا أي لم تتجاوز الشهرين في حين دخلت هذه الحرب عامها الثاني دون نهاية تلوح في الأفق. 

لم تغير إسرائيل قواعد الاشتباك فقط زمنيًّا، بل ومكانيًّا كذلك إذ شمل نطاق المعليات كافة أرجاء القطاع، دون تفرقة بين الأهداف العسكرية والمدنية (بما في ذلك المستشفيات ودور العبادة وملاجئ النازحين). 

 لا يقف الأمر عند هذا الحد، كسرت إسرائيل أيضًا كل قواعد ومواثيق القانون الدولي والإنساني، بقتلها لما يزيد عن 40 ألفًا أكثرهم من المدنيين، حيث اتبعت بشكل عنيف للغاية سياسة الأرض المحروقة، في منطقة تعد واحدةً من الأكثر تكدسًا حول العالم، ولم تفعل الولايات المتحدة، الداعم الأكبر لإسرائيل شيئًا لوقف هذا النهج. 

ضربات متبادلة بين إيران وإسرائيل

جغرافيًّا لم يقف الصراع عند هذا النطاق، وامتد التصعيد ليشمل البحر الأحمر وأجزاء من سوريا والعراق ناهيك عن تبادل إيران وإسرائيل ضربات محدودة نتيجة مهاجمة إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق.

وفي ردها شنت إيران هجومًا في أبريل 2024 عبر صواريخ ومسيرات استهدف إسرائيل، وعلى الرغم من أن الهجوم كان غير مسبوقًا إلا أنه لم يحدث خسائر كبيرة، كما ظل مستوى التصعيد تحت السيطرة ولم ينجرف الطرفان لصراع شامل.

وحسب خبير الشؤون الإيرانية يوسف سيد فقد “انتقلت قواعد الاشتباك من مهاجمة المصالح الخارجية، إلى مهاجمة إسرائيل مباشرةً، وكذلك كان رد إسرائيل أيضًا على إيران”.

جبهات متعددة

في اليمن، شنت ميليشيا الحوثي هجمات على سفن الشحن الدولي والتي بدأت في نوفمبر 2023 بذريعة دعم الفصائل الفلسطينية، بحلول ديسمبر أعلنت الولايات المتحدة رفقة دول غربية تكوين تحالف لوقف الهجمات لكن العملية التي عرفت باسم “حارس الإزدهار” لم تحقق الهدف المنشود.

وعلى العكس من ذلك، واصل الحوثيون هجماتهم كما شنوا هجمات طالت إسرائيل عدة مرات، وفي يوليو 2024 ضربت مسيرة حوثية تل أبيب وأدت لمقتل شخص في حادث غير مسبوق، ردت إسرائيل بضرب ميناء الحديدة. 

وبعد مقتل نصر الله في سبتمبر، استهدف الحوثيون تل أبيب مرةً أخرى، وردت إسرائيل أيضًا باستهداف الحديدة. وبوتيرة محدودة، انخرطت الميليشيات  الشيعية في العراق في استهداف القواعد الأمريكية لكنها تراجعت وخفضت من حدة التصعيد بعد مقتل 3 جنود أمريكيين بسبب هجمات مسيرات في البرج 22 على الحدود السورية الأردنية.

الموقف الراهن 

بالنسبة للموقف الراهن، يظل التصعيد في اليمن محدودًا نسبيًّا، وكذلك الحال بالنسبة للمليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق، وإن كانت يد إسرائيلية الطويلة قد هاجمت على مدار أشهر الحرب المجموعات الموالية لطهران في سوريا في ضربات دقيقة وموجهة دون رد من سوريا. 

الأمر يختلف عند الحديث عن غزة أو لبنان، إسرائيل شنت حرب مدمرة في غزة، ولا يبدو أنها ستتوقف غير أنّ ذلك قد يجرها لحرب استنزاف طويلة، في مقابل ذلك تسعى لتغيير وتيرة عملياتها من كونها ذات أبعاد عسكرية لعمليات أمنية، على شاكلة تلك التي تمارسها في الضفة الغربية.

ربما يعجبك أيضا