أنور الجندي .. عملاق الفكر الإسلامي

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد 

من أسباب تخلف الأمة الإسلامية، أنها أمة تجهل تاريخها وتجهل أمجادها وبطولاتها وتجهل عظماءها، وعلينا جميعا أن ندرك أن الأمم الحية فقط هي التي تعتني بحياة عظمائها وكبارها، وتستقي من علمهم وعملهم وسيرهم النور الذي يقودهم في ظلمات وأنفاق الجهل والتخلف والغلو والأمية “الثقافية والدينية”.

ومن هؤلاء الذين يجب على الأمة أن تدرس حياتهم وتبحث عن آثارهم، وتنقب عن علومهم وأفكارهم وأبحاثهم ومؤلفاتهم، الدكتور أنور الجندي الكاتب والمفكر المصري، صاحب الثقافة الموسوعية، والمؤلفات الابداعية، والفكر المستنير، والمتخصص في الرد على المذاهب المادية المعاصرة وشبهات المستشرقين وغيرهم عن الإسلام.
   

نشأته

ولد أحمد أنور سيد أحمد الجندي عام 1917م في محافظة أسيوط بصعيد مصر، وحفظ القرآن الكريم في كتاب القرية، وكان جده قاضيا شرعيا يشتغل بتحقيق كتب التراث الإسلامي، أما والده فكان تاجرا، وكان مهتما بالثقافة الإسلامية.
نشأ الجندي في بيت يهتم بمطالعة الصحف والجرائد والمجلات الإسلامية وغيرها، ويهتم كذلك بأخبار وبطولات القادة المسلمين المعاصرين العظام من أمثال القائد المغربي عبدالكريم الخطابي وأنور باشا القائد التركي في حرب فلسطين (أثناء الحرب العالمية الأولى)، والذي باسمه سمي أنور الجندي تيمنا به.

وتخرج من الجامعة الأمريكية متقنا للغة الإنجليزية التي درسها ليستطيع متابعة ما يثار من شبهات حول الإسلام من الشرق والغرب ويقوم بالرد السديد عليها.

كفاحه

بدأ الكتابة في مرحلة متقدمة من عمره حيث نشرت مجلة أبولو الأدبية الشهيرة، التي كان يرأسها الدكتور أحمد زكي أبوشادي عام (1933)، وكانت قد أعلنت عن مسابقة ثقافية لإعداد عدد خاص عن حافظ إبراهيم، فشارك أنور الجندي في المسابقة وكتب بأسلوبه الأدبي الرفيع عن شاعر النيل حافظ إبراهيم، يقول الجندي: “ما زلت أفخر بأني كتبت في (أبولو) وأنا في هذه السن (17) عاما، وقد فتح لي هذا باب النشر في أشهر الجرائد والمجلات آنئذ مثل البلاغ وكوكب الشرق والرسالة وغيرها من المجلات والصحف”.

رصد الجندي كل لحظة من لحظات حياته لنصرة الإسلام، فوقف سدا منيعا أمام أخطر عدو هدد بلاد المسلمين، وهذا العدو هو الغزو الفكري. فكان أنور الجندي بحق هو الأمين الأول على الثقافة الإسلامية لعدة عقود.

اللحظة الفارقة

تعتبر سنة 1940م نقطة فاصلة في حياة الجندي، وذلك بعد قراءته لكتاب وجهة الإسلام الذي كتبه عدد من المستشرقين. فقد وجد الجندي في هذا الكتاب هجوما حادا على الإسلام مما كشف له عظم حجم المؤامرة على الإسلام، وعندها قرر الجندي أن يبدأ في صد هجمة المستشرقين عن الإسلام. ولم يملك إلا أن يقول: “هذا قلمي عدتي وسلاحي من أجل مقاومة النفوذ الفكري والأجنبي والغزو الثقافي”.

يقول المرحوم أنور الجندي متحدثاً عن حياته: “كانت حياة هادئة ناعمة لولا أن واجهها التحدي فحولها إلى حياة ذات أغوار، أمران أساسيان هما اللذان شكلا هذه الحياة، وأدخلا إليها الالتزام والخطر، والعمل على تجاوز الأحداث .

أولهما: ذلك الكتاب الذي أصدره خمسة من المستشرقين حول الإسلام والذي قص فيه رائدهم (هاملتون جب) تلك القضية الخطيرة، قضية ذلك العمل الذي مضى سنوات حتى وصل إلى المرحلة التي يمكن أن تستعلن فيه الخطة التي قام بها الاستشراق من أجل (احتواء الإسلام) ليكون ديناً عباديّاً منحصراً في الصلاة والعقائد، منفصلاً تماماً عن قضايا المجتمع والسياسة والاقتصاد، وهو ما قدمه المستشرقون الخمسة للأقطار الإسلامية من المغرب إلى إندونيسيا، وما هو الحد الذي وصل إليه العمل؟ وما الخطة التي ستحقق إتمام هذه (المؤامرة/ الجريمة) . (هذه الدراسة أطلق عليها بعد ترجمتها إلى العربية: وجهة الإسلام) .

ثانياً: كان موضوعاً لكاتب مسلم أعرفه تحت عنوان: (كيف صححت إسلامي؟) فقد كشف لي عن أن الإسلام ليس ديناً عباديّاً؛ وإنما هو منهج حياة ونظام مجتمع كامل، والعقيدة والعبادة جزء منه ولكنهما ليستا كله. وقد تبين لي أن مفهوم الدين عند أغلب المسلمين هو هذا المفهوم القاصر الذي عمل النفوذ الغربي والاستشراق والتبشير على إذاعته ونشره، في محاولة لقصر الإسلام على الصلاة والمسجد، وفصل كل قضايا الاقتصاد والاجتماع والسياسة والتربية عنه، وهكذا عرفت الدعوة الإسلامية على حقيقتها، وتكشفت لي الأطروحة الخطيرة التي عمل النفوذ الغربي على ترويجها والتي بدأت منذ نهاية الحروب الصليبية، عندما دعا القديس لويس إلى ما يسمى (حرب الكلمة)، وذلك بتزييف مفهوم الإسلام، وتحويله إلى دين لاهوتي مشابه لبعض الأديان المحرفة والبشرية”.

الادب

وبدأ أنور الجندي بميدان الأدب أكثر الميادين غزوا في حينها، فواجه في هذا الميدان قممه جميعا: طه حسين والعقاد ولطفي السيد وسلامة موسى وجورحي زيدان والحكيم ونجيب محفوظ، وأقام الموازين العادلة لمحاكمة هؤلاء إلى ميزان الإسلام وصحة الفكرة الإسلامية، فأخرج عشرات الكتب من العيار الفكري الثقيل مثل: أضواء على الأدب العربي المعاصر، والأدب العربي الحديث في معركة المقاومة والتجمع والحرية، أخطاء المنهج الغربي الوافد، إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام، خص منها طه حسين وحده بكتابين كبيرين، هما: طه حسين وحياته في ميزان الإسلام، ومحاكمة فكر طه حسين؛ ذلك لأن الجندي كان يرى أن طه حسين هو قمة أطروحة التغريب، وأقوى معاقلها، ولذلك كان توجيه ضربة قوية إليه هو قمة الأعمال المحرِّرة للفكر الإسلامي من التبعية.

ورأى أنور الجندي ضرورة فصل الأدب عن الفكر – وهو عنصر من عناصره – وهو من وجهة نظره أخطر التحديات التي فتحت الباب واسعا أمام الأدب ليتدخل في كل قضايا الإجماع ويفسد مفاهيم الإسلام الحقيقية؛ ومن ثم فقد أنصف الجندي كتاباته الرصينة أصحاب الفكرة الإسلامية الصحيحة من أمثال الرافعي والثعالبي وباكثير ومحمد فريد وجدي والسحار وكيلاني وتيمور… وغيرهم من الذين ظلمهم المتغربون وأبناء المتغربين من المعاصرين، ونال في هذا الطريق كثيرًا من الأذى والظلم والإعنات فضلا عن أنه اعتقل لمدة عام سنة 1951.

مفكر موسوعي

يروي العلامة أنور الجندي أنه تزود لمشواره الكبير (مائتي كتاب وأكثر من ثلاثمائة رسالة) بزاد ثقافي أصيل وثقافة عميقة شاملة، فيقول: “قرأت بطاقات دار الكتب وهي تربو على مليوني بطاقة، وأحصيت في كراريس بعض أسمائها وراجعت فهارس المجلات الكثيرة الكبرى كالهلال والمقتطف والمشرق والمنار والرسالة والثقافة، وأحصيت منها بعض رؤوس موضوعات، وراجعت جريدة الأهرام على مدى عشرين عاما، وراجعت المقطم واللواء والبلاغ وكوكب الشرق والجهاد وغيرها من الصحف، وعشرات من المجلات العديدة والدوريات التي عُرفت في بلادنا في خلال هذا القرن.. كل ذلك من أجل تقدير موقف القدرة على التعرف على موضوع معين في وقت ما”.

سيكتب التاريخ للجندي بسطور من نور أنه الرجل الذي أسس مدرسة الأصالة الفكرية المعاصرة في الأدب، فأنصف أقواما وهدم آخرين. وفي الاجتماع كشف زيف فرويد وماركس ودارون ودوركايم. وفي الفلسفة أنصف الغزالي وابن رشد والفارابي وابن سينا والخيام…

وقد حصل الأستاذ “الجندي” على جائزة الدولة التقديرية عام 1960، وشارك في العديد من المؤتمرات الإسلامية التي عقدت بعواصم العالم الإسلامي في الرياض والرباط والجزائر ومكة المكرمة والخرطوم وجاكرتا. كما حاضر في عدد من الجامعات الإسلامية مثل جامعة الإمام محمد بن سعود، والمجمع اللغوي بالأردن.

وفاته

عاش الجندي (85 عامًا) قضى منها في حقل الفكر الإسلامي (70 عامًا)، ما خط فيها كلمة أو أكل لقمة إلا وهو على وضوء.
وفي مساء الإثنين 13 من ذي القعدة سنة 1422 هـ – 28 من يناير 2002م توفي إلى رحمة الله ـ تعالى.
وكأن الجندي كان يرثي نفسه حين قال: “إن الفضل كله لله، وإن الهدى هدى الله، ولولا فضل الله في التوجه إلى هذا الطريق المستقيم لضللنا السبيل”.

أهم مؤلفاته :

مفاهيم العلوم الاجتماعية والنفس والأخلاق في ضوء الإسلام ( الرد على فرويد وماركس ودوركايم).
حقائق مضيئة في وجه شبهات مثارة.
عالمية الإسلام.
الفكر الغربي دراسة نقدية.
إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام.
حركة اليقظة الإسلامية في مواجهة النفوذ الغربي والصهيونية والشيوعية.
التفسير الإسلامي للفكر البشري .. الأيدلوجيات والفلسفات المعاصرة في ضوء الإسلام .. دراسة جامعة (الفلسفة المادية ، العلمانية ، التفسير المادي للتاريخ ، البرجماتية ، الأجناس ، النفس والجنس لفرويد ، النسبية ، الوجودية ، الهيبية ، الروحية ، البهائية ).
على الفكر الإسلامي أن يتحرر من سارتر وفرويد ودوركايم.
الشبهات والأخطاء الشائعة في الأدب العربي والتراجم والفكر الإسلامي.
من التبعية إلى الأصالة في مجال القانون – العلم – اللغة.
أخطاء المنهج الغربي الوافد في العقائد والتاريخ والحضارة واللغة والأدب والاجتماع.
الوجه الآخر لطه حسين من مذكرات السيدة سوزان ” معك “.
هل غير الدكتور طه حسين آراءه في سنواته الأخيرة.
التفسير الإسلامي للفكر البشري .. الإسلام والفلسفات القديمة .. الإسلام في مواجهة الفلسفات المعاصرة لظهوره.
ما يختلف فيه الإسلام عن الفكر الغربي والماركسي.
موقف الإسلام من العلم والفلسفة الغربية .
أخطاء الفلسفة المادية.
الإسلام في عين الخطر

ربما يعجبك أيضا