ناشيونال إنترست| ما الحقيقة البشعة حول النظام الأمريكي للصواريخ الباليستية العابرة للقارات؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

هل يمكن أن تسقط الولايات المتحدة – قريبًا – في فخ تقنية عمرها نصف قرن تواجه تحديات تقنية وتكلفة باهظة؟

قام مجتمع نزع السلاح فجأة بتغيير مسيرته وأوقف جهوده المستمرة منذ عشرات السنين للقضاء على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الأمريكية، واليوم، تبنت صاروخ “مينتمان3” الباليستي العابر للقارات والمُصنَّع منذ خمسين عامًا، وتريد إلغاء استبدال برنامج الردع الاستراتيجي ذي القاعدة البرية (GBSD) المقرر بناؤه في نهاية هذا العقد.

فما هي الخدعة إذًا؟

كشف ما لا يقل عن اثنتي عشرة دراسة لخبراء تسليح أن صواريخ “مينتمان” لا يمكن أن تستمر إلى ما بعد عام 2030، وقد خلص العاملون في مجال نزع السلاح إلى أنه مقابل تكلفة أقل من برنامج الردع الاستراتيجي ذي القاعدة البرية؛ يمكن أن تبقي الولايات المتحدة على “مينتمان” لفترة كافية حتى تُبرم صفقتها.
أي صفقة هذه؟

سوف تستبدل روسيا صواريخها الباليستية العابرة للقارات الجديدة عالية القدرة بصواريخ مينتمان الأمريكية عابرة القارات، والتي ستتخلص منها قريبًا على أي حال. باختصار، أصبحت القوى الصاروخية الاستراتيجية الروسية بطريقة سحرية مؤسسةً خيرية.

فمنذ اقتراح الاتحاد السوفيتي لعام 1980 للتجميد النووي، حاول المعنيون بنزع السلاح القضاء على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الأمريكية، أولًا صاروخ بيسكيبر في عام 1985، تلاه الصاروخ الصغير المتنقل العابر للقارات، ثم منظومة صواريخ “مينتمان3” الخارقة (التي حافظت عليها مراجعة الوضع النووي لعام 1994 في عهد كلينتون)، وعلى مدى العقدين الماضيين، حاولوا القضاء على قوة “مينتمان3” الحالية وبديلها المتوقع، برنامج الردع الاستراتيجي ذي القاعدة البرية.

وبعد إنفاق عشرات الملايين من الدولارات على مدى عقود عديدة في تشويه قدرة الصواريخ البالستية العابرة للقارات ومحاولة إقناع العالم بنقاط الضعف في هذه الصواريخ، والطابع المزعزع للاستقرار، تبنّى نازعو الأسلحة فجأة “مينتمان3″، وهم يدعمون الآن برنامج تمديد عمر الخدمة (SLEP) المتواضع، زاعمين أنه سيكون أرخص بكثير من توفير القدرات المطلوبة التي يوفّرها برنامج الردع الاستراتيجي ذو القاعدة البرية.

وعلى ما يبدو، فإن جميع التأكيدات الوهمية المتعلقة بالقوة البالستية العابرة للقارات– كونها عرضة للهجمات، وزعزعة الاستقرار، وتعمل فقط كإسفنجة عملاقة لامتصاص الرؤوس الحربية الروسية – أصبحت بطريقة سحرية خاطئة وليست ذات موثوقية، والآن تستحق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أن نحتفظ بها. وعلى الرغم من حقيقة أن الاستثمار في تمديد عمر منظومة صواريخ مينتمان يشبه شراء سياط لجعل العربات التي تجرها الدواب تسير بشكل أسرع.

حدث تمديدان لعمر منظومة مينتمان، كان آخرهما في أواخر التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين من أجل الضغط على عشرين عامًا أخرى من خدمة الصواريخ حتى عام 2030. ولسوء الحظ، لا يمكن تمديد عمر مينتمان مرة أخرى. فالقدرة المطلوبة هي أن يتم تحديث نظام الصواريخ الباليستية العابرة للقارات بأكمله بما في ذلك البنية التحتية والقيادة والتحكم والقاعدة الصناعية. وهو ما لم يتم تضمينه في خطة برنامج تمديد عمر الخدمة المقترحة “الأرخص” ولكنها قصيرة جدًّا، والتي دعا إليها العاملون في مجال نزع السلاح.

وكما أوضح الجنرال بسلاح الجو “جون هيتين”، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، أنه بعد عام 2030، سيبدأ صاروخ مينتمان المُصنَّع منذ ستين عامًا في الانهيار، وهي حقيقة يؤيدها تمامًا رئيس القيادة الاستراتيجية الأمريكية الأدميرال “تشارلز ريتشارد”؛ إذْ يؤكد كلاهما أنه إذا لم يتم تحديث الجيش الأمريكي، فإن نظام الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الحالي سيصدأ ويتلاشى.

بالإضافة إلى ذلك، فشل برنامج تمديد عمر الخدمة الخاص بمنظومة “مينتمان” في توفير القدرة الرادعة التي تطلبها القيادة الاستراتيجية، لتترك الولايات المتحدة تعاني مع تقنية موجودة عمرها نصف قرن مع تحديات خطيرة، سوءا كانت تقنية أو من ناحية التكاليف الباهظة أو مخزون الصواريخ.

فمن جميع النواحي، لن يتجاوز برنامج تمديد عمر الخدمة لمنظومة “مينتمان”– حتى لو كان ممكنًا تقنيًّا– بناء صاروخ جديد، ولكن سيكون – بدرجة كبيرة – وفق تقنية الستينيات التي لا توجد لها قاعدة صناعية قوية، وبمجرد تجاوز التحدي المتمثل في دمج تقنية الستينيات القديمة، سيكون للصاروخ (الجديد– القديم) قدرة متناقصة في مواجهة تهديدات الخصم، بما في ذلك اختراق الهدف والدقة، فيما سترتفع أيضًا تكاليف استدامة منظومة صواريخ مينتمان.

بالتأكيد، تم تقييم خيار برنامج تمديد عمر الخدمة الخاص بمنظومة مينتمان عدة مرات ليكون أكثر تكلفة من إعادة رسملة برنامج الردع الاستراتيجي ذي القاعدة البرية، مع توفير قدرة ردع أقل فاعلية.

لذا، فإن الحكاية الخيالية الحالية هي أن هناك برنامج تمديد آخر لعمر الخدمة ليس باهظ التكلفة بطريقة سحرية، ببساطة بترك تكاليف جميع الأعمال الأخرى المطلوبة وافتراض أن خدمة الصواريخ نفسها تحتاج فقط إلى تمديد بضع سنوات قبل أن يتم التخلص منها أيضًا.

ويدّعي بعض المدافعين أيضًا أن سلاح الجو قد برر القوة الصاروخية العابرة للقارات فقط كإسفنجة لامتصاص الرؤوس الحربية الروسية، وبالتالي فإذا كانت هناك حاجة إلى هذه الإسفنجة، فلماذا لا تحتفظ بمنظومة صواريخ مينتمان القديمة ولا تشتري إسفنجة جديدة أكثر تكلفة؟

ومع ذلك، فإن الأرقام لا تتراكم، حتى إسفنجة “مينتمان” ستكلف 77.4 مليار دولار، ووفقًا لمؤيدي الفكرة في الكونجرس، سيتم التخلص منها في عام 2050 أو بيعها في صفقة مع الروس. ولكن تكاليف الاستحواذ الإجمالية لبرنامج الردع الاستراتيجي ذي القاعدة البرية تبلغ 79 مليار دولار، ولكن لقوة ردع حاسمة ستستمر لمدة ستين عامًا وليس ثلاثين عامًا، وعلى أساس التكلفة السنوية، فإن تكلفة هذا “الاحتيال” ستكون ضعف تكلفة الصفقة الحقيقية.

لذا، فإن الخداع الذي يجري اقتراحه هو أن الولايات المتحدة يجب أن تنفق أكثر، وأن تحصل على أقل، وبعد ذلك عندما لا يكون صاروخًا أكثر تكلفة وأقل قدرة، يجب التخلص منه من جانب واحد. ورغم ذلك، يؤكد العاملون في مجال نزع السلاح أن هذا من شأنه أن “يسهل” على الروس أن يحذوا حذوهم ويقضوا بالمثل على قوة الصواريخ البالستية العابرة للقارات الجديدة، لذا ستنجح هذه الجهود. وبعد كل هذا، أليس لدى الروس والصينيين سجل حافل في التوسط في مثل هذه الصفقات؟

إن صفقة الاحتيال المقترحة خاطئة، كما أكد الأمناء الستة السابقون للقوات الجوية وستة من رؤساء أركان القوات الجوية الذين كانوا يغطون الخدمة على مدى العقود الثلاثة الماضية، فإن الحاجة إلى برنامج الردع الاستراتيجي ذي القاعدة البرية ملحة. وقد أشار بيانهم المشترك الصادر في 19 يونيو 2020 إلى أن “[أكثر] من 10 سنوات من التخطيط أدت إلى هذا الهدف، مع ضرورة اعتماد برنامج [الردع الاستراتيجي ذي القاعدة البرية] من قبل إدارتين رئاسيتين وستة مؤتمرات وستة وزراء دفاع”.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا