بفعل أزمة القطاع العقاري.. الاقتصاد الصيني في مأزق

ولاء عدلان
قطاع العقار الصيني

خلال الربع الثاني من 2022 تراجع نمو الاقتصاد الصيني بشكل حاد مسجلا 0.4% فقط، مقابل توقعات بتباطؤ أكثر اعتدالا بـ1.6%.


شهدت الصين، خلال الأسبوع الماضي، ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد مشتري المنازل الذين انضموا إلى حملة مقاطعة سداد أقساط ديون الرهن العقاري.

وتأتي المقاطعة احتجاجًا على توقف عمليات البناء في الكثير من المشروعات، وتأخير مواعيد تسليم الوحدات مسبقة الدفع من المطورين العقاريين، ما دفع السلطات الصينية للتدخل في محاولة لمنع أزمة القطاع العقاري من التفاقم أكثر بما يهدد وتيرة النمو الاقتصادي.

مقاطعة للرهن العقاري

القطاع العقاري الصيني واجه في أواخر يونيو الماضي، أزمة جديدة تحت عنوان مقاطعة سداد أقساط الرهن العقاري، والتي بدأت من مستثمرين في مشروع تابع لشركة “إيفرجراند” ثاني أكبر مطور عقاري في البلاد، لتمتد سريعًا إلى نحو 301 مشروع في نحو 91 مقاطعة بحلول منتصف يوليو الحالي.

وتطالب حركة المقاطعة بسرعة استئناف البناء في المشروعات المتعثرة في غضون 3 أشهر، وطالت هذه الحملة نحو 80 شركة، وفي المقابل تنطوي المشروعات التي أعلن مطوروها، خلال النصف الأول من 2022، عن إيقاف بنائها أو تأخير مواعيد تسليمها على قروض عقارية بأكثر من 133.3 مليار دولار، وفق “لايف مينت”.

14da09743cf78b4d93044d704efc8f8d

اتساع نطاق مقاطعة الرهن العقاري في الصين

تداعيات خطيرة للمقاطعة

حذر “جولدمان ساكس” في مذكرة حديثة، السلطات الصينية من تداعيات التراخي في ما يتعلق بسرعة استعادة الثقة بالسوق العقارية والتصدي لحملة المقاطعة قبل اتساع دائرتها بصورة قد تهدد مطوري العقار بالتعثر أو الإفلاس، وفق “سي إن بي سي”. وهذا الشهر انضمت شركة “شيماو” العقارية إلى سلسلة الشركات الصينية التي تخلفت بالفعل عن سداد ديونها.

والتخلف عن سداد الديون بدأ بشركة “إيفرجراند” في أواخر 2021 بحجم ديون يبلغ 300 مليار دولار، لتتسع وتشمل العديد من كبار المطورين أمثال “كياسا جروب” و”سوماك تشاينا”، في حين تقترب “سناك تشاينا” ثالث أكبر مطور عقاري في البلاد، من خطر التخلف عن السداد، وفق “الإيكونوميست”.

محاصرة بكين للقطاع العقاري

بدأت بكين، في 2016، تشديد قبضتها على القطاع العقاري بفعل ظاهرة الارتفاع القياسي لأسعار المنازل وزيادة عدد الشركات المثقلة بالديون، وفي أغسطس 2020 أدخلت قواعد صارمة للحد من اقتراض هذه الشركات وزيادة مستويات السيولة لديها، ما دفع العديد من الشركات إلى فقدان مصادر التمويل والتعثر، سواء في سداد التزاماتها للبنوك أو تسليم المشروعات، وفق بلومبرج.

ومنذ بداية 2021 تخلفت الشركات العقارية الصينية عن سداد نحو 20.5 مليار دولار من السندات الدولارية والمقومة باليوان، وفي المقابل زادت نسبة المشروعات المتعثرة إلى نحو 40% وتراجعت مبيعات المنازل بـ25% خلال النصف الأول 2022، ما دفع مطوري العقار هذا الشهر إلى إطلاق عروض لقبول دفعات مقدمة عبارة عن شحنات من المحاصيل الزراعية من المزارعين مقابل شراء المنازل.

Table 2

تراجع مبيعات المنازل في الصين

قطاع حيوي

يمثل القطاع العقاري نحو 30% من حجم الناتج المحلي الصيني أي قرابة 4 تريليون دولار، ويمثل من 70 إلى 78% من حجم ثروات الأسر، في ما يمثل نحو 30 إلى 40% من قروض المصارف، وتحصل الحكومات المحلية على نحو 40% من عائداتها سنويًّا من مبيعات الأراضي القابلة للتطوير العقاري، وفق الإيكونوميست.

ويقدر “دوتيشه بنك” إجمالي قروض الرهن العقاري التي يمكن أن تتأثر بحركة المقاطعة بنحو 296 مليار دولار، في حين أعلنت البنوك الصينية أن لديها نحو 311 مليون دولار من هذه القروض المتعثرة، وتمتلك البنوك بصفة عامة نحو 5.6 مليار دولار من الرهن العقاري المستحق، ما يعني انكشافها القوي على أزمة قطاع العقارات.

جهود لاحتواء الأزمة

تراجعت أسهم القطاع العقاري الصيني مطلع هذا الشهر، إلى أدنى مستوياتها في 5 أعوام، وخلال 11 شهرًا المنتهية في مايو الماضي خسر كبار مالكي شركات القطاع أكثر من 60 مليار دولار من ثرواتهم، وبحسب شركة “نومورا” فإنه من المرجح أن يكون الطريق لانتعاش القطاع صعبًا في ظل التزام بكين بسياسة “صفر كوفيد”، وفق “رويترز” وبلومبرج.

وخلال الأسبوع الماضي طالبت الحكومة الصينية، البنوك بدعم الشركات العقارية المتعثرة وتمكينها من إنهاء المشروعات المتأخرة، وقال كبير الاقتصاديين في “ناتيكسيس سي آي بي آسيا” جاري نج لـ”سي إن بي سي”: “أمام الحكومة مهمة صعبة تتمثل في استعادة الثقة بشركات القطاع”، متوقعًا أن “يواصل القطاع العقاري تقويض النمو الاقتصاد خلال النصف الثاني من 2022”.

تراجع ثروات مطوري العقار في الصين بفعل أزمة القطاع

تراجع ثروات مطوري العقار في الصين

تباطؤ اقتصادي في الأفق

خلال الربع الثاني من 2022 تراجع نمو الاقتصاد الصيني بحدة، مسجلًا 0.4% فقط، مقابل توقعات بتباطؤ أكثر اعتدالًا بـ1.6% ومقابل نمو 4.8% في الربع الأول، وذلك بضغط من تمسك البلاد بقيود الإغلاق المتعلقة بكورونا، وأزمة قطاع العقارات، ما عزز مخاوف تعثر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وما قد يمثله من ضغط على حركة الصادرات عالميًّا.

وتستهدف بكين هذا العام نموًّا في حدود 5.5% في حين يتوقع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نموًّا لا يتجاوز 4.4% مقابل 8.1% في 2021، وترى “الإيكونوميست” أن بكين في حاجة إلى الإسراع بمعالجة أزمة القطاع العقاري قبل أن تبدأ في تقويض النمو أكثر، لا سيما في ظل استمرار نهج “صفر كوفيد”.

ربما يعجبك أيضا