قناة إسطنبول.. حينما يخطط أردوغان لتدمير المدن التركية

حسام عيد – محلل اقتصادي

اقتصاد تركيا سيبقى ورقة حاضرة بقوة في خطابات الرئيس رجب طيب أردوغان خلال الأيام المقبلة وحتى موعد انطلاق الانتخابات الرئاسية في 24 يونيو المقبل، لحشد الآلاف من مؤيديه وأنصاره.

في الآونة الأخيرة، كثرت وعود وتعهدات أردوغان بخفض أسعار الفائدة والتضخم وعجز ميزان المعاملات الجارية، وأن تركيا ستصبح بلدا استراتيجيا ذو ثقل اقتصادي كبير في العالم.

وأثناء كلمة له في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم بمدينة إسطنبول، وعد أردوغان بإعادة رسم خريطة رابع أكبر مدينة في أوروبا عن طريق شق قناة إسطنبول.

أردوغان يغازل إسطنبول

في يوم السبت الموافق 12 مايو 2018، أكد الرئيس التركي أمام مؤتمر للقطاع النسوي في حزب العدالة والتنمية الحاكم، بمدينة إسطنبول، أنه وفقا للنظام الرئاسي ارتفع عدد النواب من 550 إلى 600، وأن مدينة إسطنبول وحدها ستختار 98 نائبا.

وغازل حشد من أنصاره ومؤيديه في المدينة، قائلا: “إن لم تكونوا أقوياء في إسطنبول، فإن إمكانية الصعود إلى مستويات معينة في بقية أنحاء تركيا تصبح مستحيلة”.

وشدد على أن شق “قناة إسطنبول” سيكون أول مشروع تنجزه بلاده خلال المرحلة الجديدة، في إشارة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة.

قناة إسطنبول.. مشروع أردوغان المجنون

يعتبر مشروع قناة إسطنبول واحدا من المشاريع العملاقة التي أطلقها أردوغان في عام 2011 عندما كان رئيسا للوزراء، حيث رأى أن شق ممر مائي في إسطنبول سيعزز مكانة تركيا في مجال المعابر المائية، وسيربط بحر مرمرة بالبحر الأسود، ولكنه لا يزال حتى الوقت الحاضر مشروعا مزمعًا.

في يناير الماضي، أعلن وزير المواصلات والاتصالات والنقل البحري، أحمد أرسلان، عن تحديد البلاد مسار قناة إسطنبول بموازاة مضيق البوسفور، على امتداد 45 كيلومترا، وبعرض 400 متر، وعلى عمق 25 متر، وهو ما يعني صنع ممر مائي يقسم الجزء الأوروبي من تركيا.

وسيبدأ مسارها من بحيرة “كوتشوك تشكمجه” في إسطنبول إلى بحر مرمرة، وتستمر شمالا عبر سد “صازلي دره”، ومن ثم تصل للبحر الأسود شرق سد “تيرطوس” في قرية “دوروسو” بمنطقة “تشاتالجا” بإسطنبول.

ولفت أرسلان، إلى أن هذا المشروع يهدف إلى تخفيف الضغط على مضيق البوسفور الذي يربط طبيعيا بين البحر الأسود وبحر مرمرة.

وبحسب الإحصاءات التركية، فإن 137 سفينة شحن، و27 ناقلة على متنها حمولات تجارية يصل وزنها إلى 150 مليون طنا، ستعبر القناة، فضلا عن إنشاء ثلاث جزر من حفريات قناة إسطنبول الجديدة التي يقدر حجمها بـ2.7 مليار متر مكعب، وتستمر الخطط بعرض عطاءات مشروع قناة إسطنبول الجديدة خلال العام الجاري، ليكون النسخة التركية لقناتي بنما والسويس.

ومن المتوقع أن تصل تكاليف إنشاء القناة إلى 65 مليار ليرة تركية (قرابة 17 مليار دولار أمريكي) وسيعمل فيها خلال مرحلة الإنشاء 6000 شخص، وقرابة 1500 في مرحلة التشغيل.

وأطلق “أردوغان” على القناة لقب “مشروعه المجنون”، قائلا: “سواء أرادوها أم لا.. ستحفر قناة إسطنبول”، وهو الأمر الذي أثار القلق والاحتجاجات لدي الشعب التركي.

كوارث واسعة النطاق

على النقيض، انتقد اتحاد الغرف التركية للمهندسين وجمعية المهندسين المعماريين، القناة، بوصفها “كارثة” بيئية وحضرية يجب صرف النظر عنها.

ويعيش نحو 369 ألفا في المنطقة التي قد تتأثر بالقناة وفقا لمركز تحليل البيانات التركية وهو مؤسسة بحثية.

وذكر الاتحاد أن القناة ستدمر مواقع أثرية حول بحيرة كوتشوك شكجمة تعود تاريخها إلى عام 8500 عام. وأضاف أن النظام البيئي للبحيرة والضروري للحيوانات البحرية والطيور المهاجرة سيدمر أيضا.

وأشار الاتحاد أيضا إلى أن القناة ستدمر حوضين يزودان قرابة ثلث اسطنبول بالمياه العذبة وستزيد ملوحة المياه الجوفية مما سيؤثر على أراض زراعية وصولا إلى منطقة تراقية المجاورة.

وذكر الاتحاد أن مشروع القناة سيزيد أيضا مستويات الأكسجين في البحر الأسود وسيضر بالحياة البرية.

وستبني تركيا ثلاث مجموعات من الجزر الصناعية قبالة الساحل في بحر مرمرة مستخدمة اليابسة التي سيجرى حفرها لشق القناة لكن نشطاء في مجال الدفاع عن البيئة يقولون إن ذلك سيتسبب في تلوث.

وكانت مجلة Nature العلمية البريطانية نشرت في تقرير لها إن هذا المشروع يحتاج لمزيد من الدراسة خوفا من أثره على البيئة نظرا لأن المقاييس التي تحدث عنها الرئيس التركي تشير لكونه يريد حجما كبيرا بدون النظر للعواقب قائلا إن الممر سيكون أكبر من قناة السويس وبنما وقال إنه سيمتد إلى 31 ميلا في الطول و 492 قدم عرض ويبلغ عمقه 82 قدما وهو ما يشكل خطرا على استقرار المنطقة بيئيا نظرا لأن الجزيرة التي سيصنعها ستكون عرضة للانهيارات والزلازل.

تهديد الملاحة الدولية

كما سيهدد مشروع قناة إسطنبول اتفاقية “مونترو” الدولية الخاصة بمضيق البسفور، والتي تنص على العبور الآمن والحر للسفن التجارية في المضيق.

الأمر الذي يعني حاليا إنه إذا تم مشروع أردوغان الجديد فسوف يكون لتركيا الحق في فرض الرسوم والضرائب كما يحلو لها على السفن والعبارات التي ستمر في الممر الجديد وربما القديم كذلك.

مصادرة منازل وأراضي القرويين

أعمال حفر القناة ستمر عبر الأراضي الزراعية للقرويين في إسطنبول، وحينما حاول عددا من سكان قرية “سازليبوسنا” حضور اجتماع حول خطة الحكومة التركية لحفر قناة، وللتعبير عن مخاوفهم من المشروع، قامت الشرطة بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم واعتقال عددا منهم.

وقال المدير المحلي في سازليبوسنا، أوكي تيك “يجب أن يشارك أصحاب الأراضي المستهدفة في الاجتماع ومن حقهم أن يعبروا عن مخاوفهم”، مضيفا “إذا تمت مصادرة أراضيهم فإنهم سيفقدون منازلهم”.
 

ربما يعجبك أيضا